العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
فى ذلك الوقت، كان جزء كبير من القوات المسلحة المصرية يحارب فى اليمن، أما باقى القوات الموجودة فى مصر، فكان معظمها عائداً، لتوه، من تلك الحرب.
|
الخامس من يونيو.. دروس وعبر
لواء د. سمير فرج
|
6 يونيو 2024
|
عقود مرت، ولاتزال ذكريات الخامس من يونيو، بكل تفاصيلها، عالقة بذهنى، ولا أظنها ستمحى، ما دمت على قيد الحياة، ذلك اليوم الذى لقى فيه الجيش المصرى هزيمة،من إسرائيل، لم يكن له فيها يد، إذ لم يحارب، ولم يختبر، حتى، فى أى لحظة، من تلك الحرب، ولكنه وُصم بالهزيمة فى يوم 5 يونيو 1967.
بدأت القصة فى شهر مايو ١٩٦٧، عندما تواردت أنباء عن احتشاد قوات إسرائيلية أمام الحدود السورية، فى اتجاه هضبة الجولان، وهو ما نبأ بنية إسرائيل لشن هجوم على سوريا، والاستيلاء على هضبة الجولان، فصدرت الأوامر، فى مصر، بتحريك القوات المصرية إلى سيناء، فى مظاهرة عسكرية، بهدف تأييد الإخوة فى سوريا، ولردع العدو الإسرائيلى عن تنفيذ مخططه بالهجوم، واحتلال الأراضى السورية. ولعل أول أخطاء القيادة العسكرية المصرية، حينها، هو عدم تحديد مهمة القوات المصرية، التى تتحرك إما فى مهمة دفاعية، أو لتنفيذ عملية هجومية، أما وجودها بهدف مظاهرة عسكرية، فهو ما لم يرد فى مراجع القتال العسكرية.
فى ذلك الوقت، كان جزء كبير من القوات المسلحة المصرية يحارب فى اليمن، أما باقى القوات الموجودة فى مصر، فكان معظمها عائداً، لتوه، من تلك الحرب، وقد كنت، شخصيا، ضمن تلك القوات العائدة من اليمن، بعد ثلاث سنوات، قضيتها فيما لا يمكن تصنيفه بأنه حرب، بمفهومها التقليدى الحديث، وإنما كانت معارك جبلية، ضد قبائل، تنفذ كمائن على الطرق الرئيسية، وهو ما كان أحد أسباب افتقار القوات المصرية العائدة من اليمن، لأساليب، ومناهج، الحروب الحديثة. المهم أننى تحركت، وأنا برتبة ملازم أول، ضمن القوات المقاتلة إلى سيناء، ووصلت إلى الحدود مع العدو الإسرائيلى، فى منطقة الكونتيلا، ضمن كتيبتى المشاة، ورأينا علم إسرائيل يرفرف أمامنا على برج المراقبة، على مسافة 1200 متر، داخل حدود فلسطين المحتلة.
ولما جاء يوم الخامس من يونيو ١٩٦٧، شنت قوات العدو الإسرائيلى ضربة جوية ضد المطارات والقواعد الجوية المصرية، وفى غضون ساعة واحدة، حققت سيادة جوية على سماء مصر، مُركزة على منطقة العمليات فى سيناء. وحتى الطائرات المصرية، التى لم تنجح إسرائيل فى تدميرها، لم تستطع الطيران، بسبب استخدام إسرائيل، فى ذلك اليوم، نوعا جديدا من القنابل، الفرنسية الصنع، ضد الممرات فى المطارات، مما أصابها بأضرار جسيمة، منعت استخدامها، قبل إصلاحها، وإعادة تأهيلها، وهو ما يستلزم أياما من العمل المتواصل، لم تتوافر لقواتنا، حينئذ.
وبعد الضربة الجوية الإسرائيلية، صدرت لنا الأوامر بالانسحاب من على خط الحدود إلى عمق سيناء، ومع الأسف، تم الانسحاب تحت سيطرة جوية، كاملة، لطيران العدو الإسرائيلي. ووصلنا إلى منطقة نخل، وبعدها إلى ممر متلا، الذى يصل طوله إلى 32 كيلو متر، ويضم حارتين، إحداهما ذهاباً، والأخرى إيابا، فإذا بالطيران الاسرائيلى ينفذ أحد التكتيكات، المعروفة فى العلوم العسكرية، بأن أغلق مدخل ومخرج الممر، ليصبح الممر مصيدة للقوات المسلحة المصرية، فاستشهد من دخله من قواتنا، بينما واصل الناجون من تلك العملية، الانسحاب سيرا على الأقدام، فى اتجاه السويس، تحت وابل من قذائف الطائرات الإسرائيلية، حتى وصلنا إلى قناة السويس، لنجد كل الكبارى وقد دمرها العدو، لمنع عودة القوات المصرية بأسلحتها من سيناء، فعبرنا إلى الضفة الغربية، باستخدام القوارب المطاطية، التابعة للمهندسين العسكريين، بينما طيران العدو يدمر ما بقى من أسلحة ومعدات الجيش المصرى المحدودة فى سيناء.
وقد كانت أكبر أخطاء القيادة العسكرية، حينها، أنها حركت القوات، إلى سيناء دون وضع خطة علمية، واضحة، للانسحاب، إذا ما استلزم الأمر، فاستغرقت تلك الرحلة، الحزينة، خمسة أيام، ووصلنا، إلى قناة السويس، فى الخامسة من مساء يوم 9 يونيو ١٩٦٧، فيما أعتبره أسوأ أيام تاريخ مصر الحديث؛ لنرى العلم الإسرائيلى يرفرف على الضفة الشرقية للقناة، بينما الجيش المصرى يتم تدميره فى سيناء، والرئيس عبدالناصر يعلن تنحيه عن الحكم، إلا أن الشعب المصرى أعلن، فى نفس اللحظة، رفضه الهزيمة، ورفضه تنحى عبدالناصر، وتأييده تعيين الفريق أول محمد فوزى وزيرا للحربية، ومعه الفريق عبدالمنعم رياض رئيسا للأركان، لينقذ مصر، بصموده، من مصير مجهول، وليبدأ عهد إعادة بناء الدفاعات على القناة.
ومرت الشهور، ونحن نحفر الخنادق، ونزرع الألغام، لمنع إسرائيل من عبور القناة، والوصول للعاصمة، ونتدرب على استخدام الأسلحة الجديدة، وقضيت السنوات الست، عمر حرب الاستنزاف، على الخط الأول للضفة الشرقية لقناة السويس، يفصلنى عن خط بارليف مسافة 200 متر، هى عرض القناة. كان المخطط المصرى، خلالها، يضع خطته لعبور قناة السويس، التى عُرفت، فى عهد الرئيس عبدالناصر، باسم «خطة المآذن العالية»، وتطورت إلى «الخطة جرانيت»، فى عهد الرئيس السادات.
وخلال حرب الاستنزاف، عانى الشعب المصرى، العظيم، الكثير من المصاعب، منها التهجير من مدن القناة الثلاث بورسعيد والإسماعيلية والسويس، إلا أنه تحملها، دعما لقيادته،ولجيشه، ليحول هزيمة يونيو ١٩٦٧، إلى نصر مبين فى السادس من أكتوبر من عام 1973، وليؤكد، مجددا، أن مصر لن تهزم، أبدا، ما دام لها جيش قوى، وشعب مساند، وليرسى ما أكرره، دائما، بأن الشعوب هى عماد الدول، وحائط الصد ضد أى محاولات للنيل منها، بوعيها وإدراكها وتلاحم أفرادها، على طريق تحقيق الغايات المنشودة.
Email: sfarag.media@outlook.com
|