العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

يقع مركز القيادة الاستراتيجى، بالمبنى الجديد لوزارة الدفاع المصرية، الذى يُطلق عليه «الأوكتاجون»، لتكونه من ثمانية مبان

أحد أسعد أيام حياتى فى «الأوكتاجون»

 

لواء د. سمير فرج

 13 يونيو 2024


أحمد الله وأشكره، أن مد فى عمرى، حتى زرت مركز القيادة الاستراتيجى، فى «الأوكتاجون»، لأرى ذلك الصرح العسكرى المصرى، المضاهى لأعتى مراكز القيادة الاستراتيجية فى العالم، والتى زرت منها الكثير. ورغم ما سمعته عنه، إلا أن زيارتى إلى المركز، فى العاصمة الإدارية، زادنى انبهارا بقدرة مصر على تحويل الحلم إلى حقيقة وواقع، علاوة على شرف مقابلة الفريق بحرى أحمد خالد، قائد مركز القيادة الاستراتيجى، وهو شخصية عسكرية من طراز فريد، استحق أن يكون قائدا لذلك الصرح العظيم.

يقع مركز القيادة الاستراتيجى، بالمبنى الجديد لوزارة الدفاع المصرية، الذى يُطلق عليه «الأوكتاجون»، لتكونه من ثمانية مبان، بأضلاع خارجية متداخلة، مثمنة الشكل، يتوسطهما مبنيان آخران، فى المركز، مع إمكانية إضافة مبنيين آخرين، داخل هذا المحور، فى المستقبل، وفقاً للمخطط الهندسي. تتشابه فلسفة بناء «الأوكتاجون»، مع فكرة مبنى وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون، خُماسى الأضلاع، فى الجمع بين جميع المنشآت، والإدارات المركزية، للجيش فى منطقة واحدة، بهدف تيسير وتنسيق العمل والمهام فيما بينها، بدلا من الوضع القائم، الذى تتوزع فيه تلك المنشآت بين عدد من المناطق، داخل القاهرة، بما يخلق صعوبة فى إدارة العمل اليومى، والتنسيق السريع بين الإدارات والهيئات. وهنا تذكرت زياراتى الرسمية، المتكررة، للولايات المتحدة الأمريكية، ضمن وفود مصر العسكرية، عندما كنا ندخل، فى الصباح، لمبنى البنتاجون، فلا نخرج منه إلا فى نهاية اليوم، لأن جميع القيادات موجودة بداخله، فما كان علينا إلا التحرك من دور لآخر، وفقا للارتباطات بإدارات أو هيئات متخصصة.

يرجع، توزيع، وتمركز منشآت الجيش المصرى، حاليا، إلى أزمنة مختلفة، فتجد بعض تلك المنشآت عبارة عن بقايا معسكرات ومبانى الجيش الإنجليزى، التى كانت موجودة بمنطقة العباسية. فضلا عن أن بناء منشآت ومعسكرات الجيش، كان يعتمد، فى الماضى، على التوجه للصحراء، بعيدا عن قلب القاهرة، خارج منطقة العباسية، فى ذلك الوقت، ومع الزحف العمرانى لتلك المناطق، صار من الضرورى إخلاؤها من المنشآت العسكرية، وجمعها فى منطقة واحدة، وهى الفرصة التى تهيأت مع العاصمة الإدارية الجديدة، لتواكب القوات المسلحة المصرية الفكر العالمى، بإنشاء مركز القيادة الاستراتيجى، الذى يجمع جميع الإدارات المركزية، والهيئات التابعة لوزارة الدفاع، فى مكان واحد، وهو «الأوكتاجون» فى العاصمة الإدارية.

خرج التصميم المعمارى لمبنى «الأوكتاجون»، ليمزج بين الحضارتين، المصرية القديمة، والإسلامية، فالواجهة الخارجية للمبنى تشبه معبد حتشبسوت، بينما الشكل المثمن للمبنى مستلهم من النجمة الإسلامية. تمت إقامة المبنى على مساحة 189 ألف متر مربع ، ويتكون من خمسة طوابق، ويشمل ستة مراكز؛ الأول مركز البيانات الاستراتيجية، الذى تجتمع فيه كل بيانات أجهزة ومؤسسات الدولة، والثانى هو مركز تحكم الشبكة الاستراتيجية، أما الثالث فهو مركز إدارة وتشغيل مرافق الدولة، والرابع هو مركز الاتصالات، والخامس هو مركز الطوارئ، وأخيرا، السادس، وهو مركز التنبؤات الجوية. كما يوجد مبنيان مركزيان آخران، أحدهما يمثل المركز الرئيسى للقيادة العامة للقوات المسلحة لإدارة شئون التخطيط والعمليات، والمبنى الآخر للمركز الاستراتيجى المعنى بإدارة الأزمات على مستوى الدولة، ومهمته جمع، وتحليل، وحفظ، المعلومات الخاصة بمؤسسات وأجهزة الدولة، وهو ما لم يكن معمولا به من قبل، فى مصر، بهذا النمط المركزى المتميز.

يتماشى ذلك التصميم الجديد لوزارة الدفاع المصرية مع المنظومة العالمية للجيوش المتقدمة، التى تعتمد على التقنيات الحديثة، فى ظل عولمة نظام المعلومات واستغلال الفضاء السيبرانى، والذكاء الاصطناعى. ولقد تم إنشاء وتجهيز ذلك المقر بأحدث أنظمة العصر من الحاسبات الآلية، ونظم ميكنة وأتمتة المعلومات الحديثة، Automation، بما يضفى مزيدا من الكفاءة فى عمليات إدارة القيادات العسكرية. فضلا عما يحققه من أقصى درجات التأمين الكامل، سواء للأفراد، أو المعلومات، أو المنشآت، باستخدام الوسائط الأوتوماتيكية، للحماية ضد مخاطر الاختراق من الأجهزة المعادية، مع تأكيد القدرة على العودة للنظام الورقى القديم، حال حدوث أى تهديد أمنى، وهو ما اهتمت به القيادة العامة للقوات المسلحة، المسئولة عن تنفيذ هذا المركز الاستراتيجي. يضاف لكل ما سبق أن مراكز المقر ستضم أماكن إقامة للعاملين، وأسرهم، ومخازن استراتيجية، ومناطق رياضية وترفيهية. كما يشمل «الأوكتاجون» مركزا لإدارة الأزمات، على أعلى مستوى، يعد تطويرا للمركز الذى أنشأته القوات المسلحة، منذ أكثر من 20 عاما، ويعتمد على قاعدة عريضة من المعلومات والبيانات الخاصة بجميع اتجاهات الدولة الاستراتيجية، والتى تم استخلاصها من جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها، مع وضع سيناريوهات الحلول، والبدائل المتاحة، لتنفيذها عند حدوث أى أزمة تؤثر على الأمن القومى المصري. يتصل هذا المركز بباقى مراكز إدارة الأزمات، فى جميع محافظات ووزارات وأجهزة ومؤسسات الدولة المصرية، بما يحقق لكل قادة القوات المسلحة الاستفادة منها عند الحاجة. وهكذا أدخلت القوات المسلحة المصرية هذا التطوير الجديد، بما يتماشى مع تطورات العصر الحديث، وبما يتيح لقياداتها الاطلاع على كل ما هو جديد ومتطور عالميا. تضم القيادة الاستراتيجية، كذلك، الأكاديمية العسكرية للدراسات الاستراتيجية العليا، التى تجمع كلية الحرب العليا، وكلية الدفاع الوطنى، وكلية القادة والأركان المصرية، كما تضم داخل المنظومة، الكليات العسكرية المصرية، مثل الكلية الحربية، وكلية الدفاع الجوى، بينما ستبقى الكلية الجوية فى بلبيس، والكلية البحرية فى الإسكندرية، نظرا لطبيعتهما الخاصة. وهكذا تدخل القوات المسلحة المصرية عصرا جديدا فى مفهوم القيادة والسيطرة.



Email: sfarag.media@outlook.com