العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
تنقسم الأسلحة النووية إلى قنابل نووية تكتيكية، وقنابل نووية استراتيجية.
|
قواعد الاشتباك فى الحروب النووية
لواء د. سمير فرج
|
20 يونيو 2024
|
لكل مهنة قوانينها وقواعدها، التى تطبقها فى مجالاتها التخصصية، فمثلاً فى علوم الطب، تسرى قاعدة إزالة الصديد فور ظهوره، وتفضيل استئصال الأورام، وفقاً لطبيعتها، أما فى العلوم العسكرية،فرغم وحدة الهدف، فإن القوانين والمبادئ قد تتباين من بلد لآخر، كما تختلف المسميات، فتطلق بريطانيا على عمليات القتال مصطلح «Land Operation»، وتسميها الولايات المتحدة «Field Manual»، أما مصر، التى تتبع العقيدة الشرقية، المعمول بها فى روسيا، فتطلق عليها «قانون القتال»، وهو ما ندرسه فى كلياتنا العسكرية. ورغم تباين العقائد العسكرية ما بين غربية وشرقية، فإننا نعرف جميعاً قواعد الاشتباك، سواء فى الحروب التقليدية، التى سُميت بذلك الاسم لاعتمادها على المعدات الحربيةالتقليدية، كالدبابة والمدفع والصاروخ، أو فى الحرب النووية، التى يدل اسمها على نوع السلاح المستخدم بها.
وبينما تعتمد جميع جيوش العالم على الأسلحة التقليدية، نجد تسع دول، فى العالم، تمتلك أسلحة نووية، يطلق عليها اسم «النادى النووي»، وهم أمريكا وروسيا والصين وإنجلترا وفرنسا والهند وإسرائيل وكوريا الشمالية، وأخيراًباكستان المعروفة باسم «القنبلة الإسلامية»،وتسعى دول أخرى للانضمام إلى النادى النووى، أبرزها إيران،التى يتوقع أن تمتلك، فى بداية العام القادم، نحو عشر قنابل نووية،وفقاً لمعدلات التخصيب، التى وصلت إليها حتى الآن.
تنقسم الأسلحة النووية إلى قنابل نووية تكتيكية، وقنابل نووية استراتيجية، تستخدم الأخيرة، غالباً،لاستهداف عمق العدو فى الجانب الآخر، بينما تستخدم القنبلة النووية التكتيكية فى ميادين المعارك، فى الأراضى التى توجد فيها قوات الجيش بالقرب من قوات العدو.
ونظراً لصغر حجم القنابل النووية، وبالتالى محدودية تأثيرها، فتستخدم لتحقيق مكاسب محدودة، داخل ساحات المعارك. يمكن تحميل القنبلة النووية التكتيكية على أنواع مختلفة من الصواريخ، سواء التى تطلق من الأرض أو الجو أو البحر، ويتحدد استخدامها، وفقاً لمساحة ونوعية الهدف.
وإذا ما نظرنا للحرب الروسية الأوكرانية، فبعدما فشل الهجوم،الذى كانت تخطط له أوكرانيا، فى ربيع العام الماضى، لتدمير وطرد القوات الروسية التى اخترقت حدودها، واستولت على أربع مناطق، هى لوجانسيك ودونتسك وزابورجيا وخيرسون، قامت روسيا بتطوير أعمالها القتالية داخل أوكرانيا،خلال الشتاء الماضى، واستولت على أراض جديدة، لتبلغ نسبة ما استولت عليه، حتى الآن، نحو 18% من الأراضى الأوكرانية. وفجأة انتبهت أمريكا والدول الأوروبية، المنشغلة بأحداث الشرق الأوسط، وحرب غزة، وقرروا دعم أوكرانيا بأسلحة جديدة. فأعلنت فرنسا إمداد أوكرانيا بطائرات ميراج 2000، وهو ما يأتى فى إطار الدعم التقليدى الذى بدأ مع بداية الحرب.
ولكن الجديد، فى هذه المرة، والخطير، هو قرار أمريكا السماح لأوكرانيا، باستخدام تلك الأسلحة الأمريكية، داخل العمق الروسى، على عكس ما كان متبعا خلال العامين الماضيين، فعندما قررت أمريكا دعم أوكرانيا بمدفعية الهيمارس، على سبيل المثال، حذرتها من استخدامه للهجوم على الأراضى الروسية، وقصر استخدامها فى الدفاع عن الأراضى الأوكرانية. أما وأن أعطت أمريكا الضوء الأخضر، الآن، لأوكرانيا لاستخدام الأسلحة الجديدة، فى عمليات هجومية على الأراضى الروسية، فهذا يعنى أن تصبح الأراضى الروسية، لأول مرة، معرضة للهجوم من القوات الأوكرانية، وهنا يصبح لروسيا الحق، فى هذه الحالة، طبقاً لقواعد الاشتباك، أن تستخدم القنابل النووية التكتيكية ضد أوكرانيا، إذ تبيح قواعد الاشتباك، استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، فى حال تعرض أراضى الدولة المالكة للسلاح النووى، إلى تهديد، مباشر، على أراضيها. ورغم عضوية روسيا بالنادى النووى، كإحدى الدول المالكة لهذا السلاح، إلا أن عمليات القتال الجارية على مدى العامين الماضيين، لم تضطرها، يوماً، إلى استخدام السلاح النووى، رغم التلويح والتهديد به من قبل.
أما اليوم، وبعد تصريح أمريكا لأوكرانيا باستخدام المعونة العسكرية الأمريكية، داخل العمق الروسى، فإن الأمر قد يختلف، وهو ما ليس خافياً على أى من أطراف اللعبة. ورغم عدم وجود إحصائيات، أو تقارير، معلنة حول مخزون روسيا من الأسلحة النووية التكتيكية، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية، ترجح امتلاك روسيا ما لا يقل عن 2000 رأس نووى تكتيكى، بما يمثل عشرة أضعاف الترسانة النووية التكتيكية الأمريكية. ولقد حددت أمريكا لأوكرانيا إمكان مهاجمة العمق الروسى حتى 2000 كيلو متر، فقط، وهو ما لا يشكل فرقاً، فى الحقيقة، فمجرد مهاجمة أراضى دولة تمتلك سلاحاً نووياً، يتيح لها حق استخدام سلاحها النووى، لصد الهجوم، وفقاً لقواعد الاشتباك النووى، المتفق عليها، وهو الحق الذى لا أظن أن روسيا ستتردد فى استخدامه، خاصة فى مدينة خاركيف، ومدينة أوديسا، المرشحتين كأهم الأهداف المنتظر استخدام روسيا حقها فى ضربهما بالقنابل النووية التكتيكية، لتكون بداية لتحول نوعى فى أعمال القتال، فى الفترة القادمة، ولنشهد أشكالاً مختلفة وسيناريوهات جديدة لم نتطرق لها من قبل، تفرض تساؤلاً عن ماذا بعد استخدام روسيا القنبلة النووية التكتيكية على الأراضى الأوكرانية؟ لذا فليس بغريب أن يحبس العالم كله أنفاسه، مترقباً ما سيحدث فى الأيام القادمة، عاقداً الأمل أن يكون تصريح الرئيس الأمريكى جو بايدن،لأوكرانيا بضرب العمق الروسى، لا يعدو كونه جزءاً من الحرب النفسية، وهو ما ستكشفه الأيام القادمة.
Email: sfarag.media@outlook.com
|