العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
ذكرى أحد أهم أعياد مصر، فى العصر الحديث، وهو عيد الجلاء، الذى يؤرخ يوم خروج، أو جلاء آخر جندى بريطانى عن الأراضى المصرية.
|
العيد الذى نسيناه
لواء د. سمير فرج
|
22 يونيو 2024
|
فى هذا العام، لاحظت مرور يوم 18 يونيو دونما انتباه لكونه ذكرى أحد أهم أعياد مصر، فى العصر الحديث، وهو عيد الجلاء، الذى يؤرخ يوم خروج، أو جلاء آخر جندى بريطانى عن الأراضى المصرية، فى ذلك اليوم من عام 1956، بعد ما يزيد على سبعين عامًا، تجرعت خلالها مصر مرار الاحتلال الإنجليزى، الذى نهب ثرواتها وخيرها، وقيّد حرية أبنائها، ورغم جبروت الاحتلال وطغيانه، لم يتهاونوا يومًا فى مقاومته، وبذل أرواحهم الطاهرة فى سبيل عزة وطنهم، حتى كان لهم ما سعوا من أجله.
فى 19 أكتوبر 1954، وقّع الزعيم جمال عبدالناصر واللورد ستانسجيت اتفاقية الجلاء، التى نصت على خروج الجيش البريطانى من عموم الأراضى المصرية على خمس مراحل، فى مدة عشرين شهرًا، فخرج بالفعل 80 ألف جندى بريطانى من منطقة تمركزهم فى قناة السويس، ورحل آخر جندى يوم 18 يونيو 1956. كما نصت الاتفاقية على عدم جواز استخدام مصطلح التحالف الوارد فى اتفاقية لندن فى 26 أغسطس 1936، وتم إعلان قناة السويس مجرى مائيًّا دوليًّا، وأنها جزء لا يتجزأ من الأراضى المصرية، وأُزيل العَلَم البريطانى من آخر نقطة فى مصر، وهو مبنى قناة السويس، فى مدينة بورسعيد، وهو أول مبنى قاموا باحتلاله عام 1882.
يرجع احتلال بريطانيا لمصر إلى صيف 1882، بعد انعقاد مؤتمر الأستانة، اسطنبول حاليًا، الذى قررت فيه بريطانيا ضرورة السيطرة على مصر، والتحكم فى قناة السويس، ولما رفض، حينئذ، السلطان العثمانى عبدالحميد الثانى ذلك التوجه، قررت بريطانيا احتلال مصر منفردة، وبدأ الأسطول البريطانى بقصف الإسكندرية فى 11 يوليو 1882، واستطاع اقتحام المدينة، والتوجه إلى القاهرة. وحينها أعلن الزعيم أحمد عرابى التعبئة، واشتبك الجيش المصرى، بقيادته، مع القوات البريطانية الغازية، فى معارك عدة، كان آخرها معركة التل الكبير، التى هُزم فيها عرابى، واحتلت بريطانيا مدن القناة؛ بورسعيد والإسماعيلية والسويس.
وفى عام 1934، ورغم استقلال مصر عن بريطانيا، فإنها ظلت، فعليًّا، تحت الاحتلال بوجود الجيش البريطانى فى عدة مدن فى مصر، وباستمرار سيطرتها على منطقة قناة السويس. وشهدت فترة الاحتلال البريطانى لمصر عددًا من الثورات كان أهمها 1919 بقيادة الزعيم الراحل سعد زغلول، وصولًا إلى ثورة الضباط الأحرار فى يوليو 1952. والحقيقة أن الاحتلال البريطانى لمصر أتى ضمن المطامع العالمية فى مصر، والتى ظهرت كذلك من خلال حرص هتلر على ضرورة احتلالها أثناء الحرب العالمية الثانية لحرمان بريطانيا من طريق المواصلات إلى الهند، المضمون لها من خلال سيطرتها على قناة السويس.
لذا، فواجب على الأجيال الجديدة من شعب مصر أن تَعِى تاريخ وطنهم الغالى، وتعلم أن هذا الشعب العظيم كان من أوائل الشعوب التى نالت حريتها، ولم يقف عند هذا الحد، فحسب، بل ساعدت مصر العديد من الدول، خاصة الإفريقية، على الخروج من عباءة الاستعمار، سواء البريطانى أو الفرنسى. ولقد كان العدوان الثلاثى على مصر، فى عام 1956، استمرارًا لنضال شعب مصر العظيم فى الدفاع عن حرية أرضه، والذى كانت بدايته عندما رفع الرئيس عبدالناصر العَلَم المصرى على مبنى قناة السويس فى بورسعيد، فى 18 يونيو 1956، وكانت النهاية بعد أن خرج الإنجليز من بورسعيد يوم 23 ديسمبر من نفس العام، ليسجل اليوم عيدًا للنصر، الذى يطوى صفحة الاحتلال البريطانى لمصر، وتعود مصر، كعهدها، بلدًا حرًّا كريمًا.
وتشير العديد من المراجع البريطانية، تحديدًا، إلى أن أسباب حرب السويس فى عام 1956 ترجع إلى شعور بريطانيا بالخطأ فى توقيع، وتنفيذ، اتفاقية الجلاء عن مصر، ورغبتها فى «تصويب» ذلك الخطأ، والعودة إلى احتلال منطقة قناة السويس، مرة أخرى. لذلك، ففور إعلان تأميم قناة السويس، جاء القرار البريطانى سريعًا، باستغلال حقد فرنسا على مصر نتيجة دعمها ثورة الجزائر، واعتمادًا على رغبة إسرائيل فى الرد على هجمات الفدائيين المصريين على قواتها فى فلسطين، لتجعل من كل هذه العناصر وقودًا لشن العدوان الثلاثى على مصر فى أكتوبر 1956، والذى لم يصمد أمام المقاومة المصرية حتى نهاية نفس العام. لذلك يُعد الاحتفال بجلاء الإنجليز عن مصر أحد أعظم الانتصارات المصرية فى القرن العشرين، لتعود مصر حرة بعد احتلال دام لأكثر من سبعين عامًا.
واليوم، أكتب مقالى هذا ليكون درسًا للأجيال القادمة لكى تتعلم تاريخ مصر، وكفاح شعبها العظيم عبر التاريخ لنَيْل استقلاله وحريته. ورغم تغير الظروف والأزمنة، فمازالت مصر تقاتل، حتى الآن، ليس من أجل استقلالها، وإنما للحفاظ على أمنها القومى، على جبهاتها الاستراتيجية الأربع؛ فى الاتجاه الشمالى لمواجهة الأطماع فى غاز «المتوسط»، وفى الاتجاه الشمالى الشرقى لضمان حقوق فلسطين أمام العدوان الإسرائيلى، وفى الاتجاه الغربى من ناحية ليبيا، التى تعانى انعدام الاستقرار، وفقدان بوصلة تحديد المصير، وفى الاتجاه الاستراتيجى الجنوبى، حيث دخلت السودان فى نفق مظلم من الحرب الأهلية، فضلًا عما يعانيه باب المندب من سيطرة الحوثيين وما لذلك من انعكاسات على قناة السويس. ومع ذلك ستظل مصر، دومًا، صامدة وصلبة فى التصدى لكافة التحديات للحفاظ على أمنها واستقرارها ومقدرات
شعبها العظيم.
Email: sfarag.media@outlook.com
|