العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

واختتمت السيدة أولبرايت، ذلك الحديث الجانبى، قائلة، إن بلادكم عظيمة، وتستحق أن تقود العالم العربى، والإسلامى.

ثورة 30 يونيو فى عيون الآخرين
 

لواء د. سمير فرج

 27 يونيو 2024


منذ عامين، وتحديدا فى أثناء احتفال مصر بأعياد اكتوبر، جمعنى حوار شيق مع السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أُذيع على الهواء مباشرة، قلت فيه لسيادته، إن صفحات التاريخ ستسطر باسمه، واحداً من أعظم وأشرف الأعمال، التى قدمها لمصر والمصريين، وهو تخليصهم من الإخوان، وبراثن حكمهم، وهو ما أؤمن به حقا.

واليوم أتذكر أنه بعد انتخاب الرئيس السيسى، فى عام 2014، وفى أثناء زيارة سيادته لنيويورك، للمشاركة فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن كنت، حينها، موجودا بالولايات المتحدة الأمريكية، وطلبت تحديد موعد مع السيدة مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق، والتى كانت تشغل، فى ذلك التوقيت، منصب رئيس المجموعة الاستشارية، Think Tank، للرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما، الذى كان يعتمد على مثل تلك المجموعات الاستشارية، لمعاونته فى اتخاذ القرارات المهمة.

وتحدد موعد اللقاء، فى العاصمة الأمريكية، واشنطن، مع السيدة أولبرايت، وبدأ الاجتماع بتقديم أعضاء المجموعة المكونة من 17 فردا، والمنتمين لمختلف المجالات، فمنهم الخبراء العسكريون، وخبراء الأمن القومى، والسياسيون، وخبراء القانون، ولم أندهش لوجود دكتور لعلم النفس بينهم.كنت قد أُبلغت قبل الاجتماع، بأن مدته 45 دقيقة، تبدأ بكلمة للسيدة أولبرايت، لمدة 15 دقيقة، يعقبها كلمتى لمدة 15 دقيقة أخرى، على أن تخصص الربع ساعة الأخيرة للنقاش مع باقى أعضاء المجموعة.

بدأت السيدة أولبرايت حديثها بتأكيد أن الأسابيع المنصرمة كانت من أهم فترات المجموعة، إذ كلفهم الرئيس أوباما بدراسة أهم موضوعين يخصان السياسة الخارجية الأمريكية، فى الفترة اللاحقة، تمهيدا لاتخاذ الإدارة الأمريكية عددا من القرارات المصيرية بشأنهما. الموضوع الأول ما يحدث فى البلقان، وتحديدا فيما يخص ضم روسيا شبه جزيرة القرم إلى أراضيها. أما الموضوع الثانى فكان سؤالا مباشرا من الرئيس أوباما لتوصيف ما حدث فى مصر، وتحديد إن كان انقلابا لإزاحة الإخوان من السلطة؟ أم كانت ثورة شعبية، أيدها وساندها الجيش؟ مضيفة أنه فى حالة اعتبار ما حدث فى مصر انقلابا، فسيكون له تبعات خطيرة على مصر، طبقا للدستور الأمريكى.

واستطردت حديثها بأنها استهلت بحثها فى الأمر المصرى، بالاطلاع على الورقة البحثية التى قدمها الرئيس السيسى، فى أثناء دراسته بكلية الدفاع الوطنى، (NDC)، بالولايات المتحدة، فوجدتها دراسة عن الديمقراطية فى دول العالم الثالث، وهو ما يعنى أنه مؤمن، منذ بداية حياته العسكرية، بأهمية الديمقراطية لدول العالم الثالث، ثم أضافت أنها تابعت أول قرارات الرئيس السيسى بعد توليه الحكم برفع الدعم عن المحروقات، وهو القرار الذى تأخر لأكثر من 40 عاما، فى مصر، خشية المعارضة الجماهيرية، مما أكد لها أنه Reformer، حسب وصفها، أى إصلاحى، وكررت الكلمة أكثر من مرة، فلو كان قادما على رأس انقلاب لفعل ما يفعله الانقلابيون، بمحاولة استمالة الشعب، بقرارات شعبوية لإرضائهم. والأهم من ذلك، أن الشعب وافقه على قراراته، رغم صعوبتها، ولم يواجهها بالرفض الشعبى، أو بالمظاهرات، مما أكد لها، وللمجموعة، أن ما حدث فى مصر ثورة شعبية، انحاز لها الجيش، وهو ما رفعته لاحقا فى تقريرها النهائى للرئيس أوباما.

عندما حان دورى، فى الكلام، كنت على يقين بأن تلك المجموعة على علم تام بتفاصيل ما حدث، فأضفت كلمة واحدة، مفادها أنه حتى فى أعتى الديمقراطيات، يتودد الرئيس إلى الشعب، خلال فترة رئاسته الأولى، بقرارات شعبية، ليضمن إعادة انتخابه لفترة رئاسية جديدة، يتخذ خلالها القرارات الصعبة، قبيل رحيله عن الحكم. أما الرئيس السيسى فكان هدفه الإصلاح منذ اليوم الأول، غير آبه بشعبيته، لإيمانه بأن قراراته تصب فى مصلحة البلاد، حتى وإن لم يشعر العامة بأهميتها، على المدى القصير، إلا أن تأثيرها على الاقتصاد المصرى، عظيم فى المستقبل.

وانتهى اللقاء الرسمى، وتقدمنا نحو طاولة جانبية، حيث رُصت عليها الحلوى الأمريكية الشهيرة، الدونات، وفى خلال خمس دقائق، وبينما نتناول القهوة، تحدثت السيدة أولبرايت بحرية أكبر، بعيدا عن الرسميات، فبدأت حديثها بدعابة عن أن تلك الحلوى، من ذلك المتجر الخاص، هى أحب الأنواع إليها، والسبب الرئيسى فى إفساد كل محاولات الحميات الغذائية التى تتبعها، ثم استطردت قائلة بأنها استعدت لاجتماعنا المشترك، بالقراءة عن تاريخى العملى، سواء فى الحياة العسكرية أو المدنية، وعلمت أنى كنت أول محافظ للأقصر، متمنية أن تزور مصر يوما، بغرض السياحة، لمشاهدة آثارها، التى درستها منذ الصغر، كمهد الحضارة، وفجر التاريخ، وأن تقوم برحلة نيلية، التى سمعت عنها من أصدقائها، كأجمل الرحلات.

واختتمت السيدة أولبرايت، ذلك الحديث الجانبى، قائلة، إن بلادكم عظيمة، وتستحق أن تقود العالم العربى، والإسلامى، بما اجتمع لها من مؤهلات القيادة، فمصر عظيمة بتاريخها، وبمواقفها الإقليمية والعالمية، التى جعلتها حجر زاوية الاستقرار فى الشرق الأوسط، مضيفة أن ما حدث فى 30 يونيو قد خلص مصر من الإخوان المسلمين، بفضل وعى الشعب العظيم. والحقيقة أن تلك الدقائق الخمس، التى تلت مناقشة الموقف المصرى، خلال الاجتماع الرسمى، جعلتنى أشعر وكأنها كانت تقرأ الطالع، فعلى الفور بدأت مرحلة التنمية فى مصر، بالتركيز على ما فيه مصلحة المواطن، سواء بتطوير ورفع كفاءة البنية الأساسية، ورفع مستوى معيشة المواطن فى الريف، وبمرور الأيام تأكد لنا أننا نسير على الطريق الصحيح، وهو ما سيجنى ثماره أولادنا وأحفادنا، وسيكون أحد أسباب فخرهم بمكانة مصر المستحقة.



Email: sfarag.media@outlook.com