العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وفى صباح ٣٠ يونيو ١٩٧٠ فوجئت الطائرات الإسرائيلية المغيرة بالصواريخ المصرية التى كبدت سلاح الجو الإسرائيلى خسائر كبيرة.

ملحمة الدفاع الجوى المصرى
 

لواء د. سمير فرج

 13 يوليو 2024


عندما يهل الثلاثون من يونيو من كل عام تحتفل مصر وقواتها المسلحة بأغلى أعيادها، وهو عيد قوات الدفاع الجوى، وهو اليوم الذى سطر فيه رجال الدفاع الجوى المصرى واحدة من أعرق المعارك العسكرية المصرية، حيث بدأت القصة عام ١٩٧٠، حين قام رجال الدفاع الجوى بإنشاء حائط الصواريخ الحصين، الذى حمى السماء المصرية من هجمات سلاح الطيران الإسرائيلى المتكررة بعد حرب ٦٧، التى أسفرت عن خسائر فى أرواح الجنود والمدنيين، ومنها مذبحة بحر البقر التى راح ضحيتها ٣٠ طفلًا خلال قصف لطائرات الفانتوم الإسرائيلية فوق قرية بحر البقر بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية. عقب حرب ١٩٦٧ اتخذت مصر قرارًا بإعادة تنظيم وتطوير قواتها المسلحة، واشتملت تلك القرارات على القرار الجمهورى رقم ١٩٩ الصادر فى ١ فبراير ١٩٦٨ بإنشاء قوات الدفاع الجوى المصرى كفرع رئيسى وقوة مستقلة قائمة بذاتها.

وفى ٢٣ يونيو ١٩٦٩ عُين الفريق/ محمد على فهمى كأول قائد للقوات حديثة النشأة، والذى حمل على عاتقه مهمة إعادة تنظيم القوات وتدبير الكوادر وتدريب الأفراد والارتفاع بمستواهم التعبوى والتكتيكى والفنى، لذلك يعتبر الفريق محمد على فهمى هو الأب الروحى لقوات الدفاع الجوى المصرى. بدأت القيادة العامة للقوات المسلحة فى دعم قيادة الدفاع الجوى بأنواع حديثة من الأسلحة والمعدات الإلكترونية والصواريخ المضادة للطائرات التى تطير على ارتفاعات منخفضة، وتابع رجال الدفاع الجوى إنشاء المواقع الحصينة على اتساع رقعة الدولة من أسوان إلى الإسكندرية، ومن بورسعيد إلى مطروح، قامت قوات الدفاع الجوى بالتحرك لإدخال الصواريخ المضادة للطائرات إلى منطقة القناة، وإنشاء حائط الصواريخ المضادة للطائرات باستخدام أسلوب الزحف البطىء على وثبات، وذلك بإنشاء تحصينات كل نطاق واحتلاله.

وفى صباح ٣٠ يونيو ١٩٧٠ فوجئت الطائرات الإسرائيلية المغيرة بالصواريخ المصرية التى كبدت سلاح الجو الإسرائيلى خسائر كبيرة، ليصبح حائط الصواريخ حقيقة واقعة، وصرحت رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير بأن «كتائب الصواريخ المصرية كعش الغراب، كلما دمرنا إحداها نبتت بدلًا منها أخرى». ومقابل تلك الخسائر الكبيرة التى وقعت سعت إسرائيل وراء وقف إطلاق النار، إلا أن قوات الدفاع الجوى تمكنت فى الساعات القليلة التى سبقت يوم تنفيذ وقف إطلاق النار فى ٨ أغسطس ١٩٧٠ من استكمال حائط الصواريخ على الصورة النهائية له عقب إنشاء حائط الصواريخ، واعتبارًا من ٣٠ يونيو ١٩٧٠ وخلال الأسبوع الأول من شهر يوليو تمكنت صواريخ الدفاع الجوى المصرى من إسقاط العديد من الطائرات طراز فانتوم، وسكاى هوك، وأسر ٧ من الطيارين الإسرائيليين، وكانت هذه أول مرة تسقط فيها طائرة فانتوم، فأطلقت وسائل الإعلام المصرية على ذلك الأسبوع «أسبوع تساقط الفانتوم»، حيث تم إسقاط ١٤ طائرة إسرائيلية، وبعدها بدأت قوات الدفاع الجوى فى التخطيط لمعركة العبور والتحرير، وقابل إعداد تلك الخطة مشكلة خطيرة، تتمثل فى أن معظم قواعد الصواريخ التى تمتلكها مصر مصممة للدفاع عن أهداف حيوية ثابتة، وبالتالى تستغرق وقتًا طويلًا لإعدادها للتحرك وتجهيزها للاشتباك، كما أنها تتميز بضخامة الحجم وبالتالى يسهل تعرضها للإصابة مما يتطلب ضرورة إقامتها فى مواقع حصينة لتوفير الوقاية اللازمة لها، ولمواجهة تلك الحقيقة كان على القيادة العامة للقوات المسلحة التخطيط لإحراز المفاجأة وحرمان إسرائيل من التمتع بمزايا الضربة الأولى، وكان على الدفاع الجوى أن يحرم إسرائيل من المعلومات التى يحصل عليها بواسطة طلعات الاستطلاع الجوى التى تطير شرق القناة لالتقاط الصور عن أوضاع وتحركات القوات المصرية على الضفة الغربية، فمد الدفاع الجوى سيطرته على المجال الجوى من غرب القناة إلى شرقها، وكبد إسرائيل خسائر متلاحقة فى طائرات استطلاعه، فيما تمثل الدور الرئيسى للدفاع الجوى المصرى فى خطة معركة العبور فى تأمين تدفق هجوم القوات المصرية على طول خط القناة ومده إلى جنوب قناة السويس حتى مسافة ١٣٠ كم على امتداد الساحل الشرقى لخليج السويس ودفعه فى عمق سيناء حتى مسافة ٥٠ كم شرقًا، لإرغام إسرائيل على توزيع ضرباته الجوية الموجهة ضد القوات المصرية بما يضمن إضعاف تأثيرها.

فى يوم السبت الموافق السادس من أكتوبر ١٩٧٣، العاشر من رمضان، أصدر قائد قوات الدفاع الجوى الأمر الكودى «جبار» لكى يفتح قادة التشكيلات المظاريف السرية التى سُلمت إليهم فى اليوم السابق، والتى احتوت على خريطة للقطاع الذى يعمل فيه كل تشكيل، موضحة عليها البيانات والتوقيعات الخاصة بالضربة الجوية الأولى للقوات الجوية المصرية، وشرع قادة التشكيلات فى اتخاذ الإجراءات والوسائل التى طالما تدربوا عليها. وفى تمام الساعة الثانية وخمس دقائق ظهرًا عبرت الطائرات المصرية قناة السويس متجهة إلى أهدافها المحددة، فيما قامت فى نفس الوقت الآلاف من مدافع الميدان بقصف مُركز على خط بارليف ونقطه الحصينة، وفى تمام الساعة الثانية وعشرين دقيقة بدأت الموجات الأولى من جنود المشاة تعبر قناة السويس على امتدادها من بورسعيد شمالًا إلى السويس جنوبًا، بينما كانت الطائرات المقاتلة المصرية فى طريق عودتها إلى قواعدها بعد تنفيذ الضربة الجوية الناجحة التى أثرت بإسرائيل فى اللحظات الأولى من المعركة، فى حين كان الصمت والسكون يسيطران على مواقع الدفاع الجوى المصرى فى انتظار الهجوم المضاد من قبل الطيران الإسرائيلى، الذى بدأت تظهر بوادره على شاشات الرادار المصرى اعتبارًا من الساعة الثانية وأربعين دقيقة، فقامت الصواريخ المضادة للطائرات بإسقاط الطائرات الإسرائيلية الواحدة تلو الأخرى، واستمر الحال خلال الساعات التالية التى كانت تدفع فيها إسرائيل بطائراتها على طول الجبهة لتحاول ضرب وإعاقة تقدم القوات المصرية وتدمير جسورها ومعابرها، وقوات الدفاع الجوى المصرى تواجه هجمات إسرائيل وتوقع بطائراته وطياريه، وفى تمام الساعة الخامسة مساءً أصدر قائد القوات الجوية الإسرائيلية أوامره لطياريه بتفادى الاقتراب من القناة لمسافة تقل عن ١٥ كم شرقًا.

ولتجنب حائط الصواريخ على جبهة القناة اقتربت الطائرات الإسرائيلية على ارتفاعات منخفضة فوق البحر المتوسط لتهاجم المطارات المصرية بشمال الدلتا ووسطها، وفوق البحر الأحمر لتهاجم المطارات المصرية بالصحراء الشرقية، بهدف التملص من شبكة الرادار المصرية وتحقيق عنصر المفاجأة، إلا أن قوات الدفاع الجوى المصرى توقعت شن إسرائيل هجمات مماثلة ووفرت الغطاء الجوى الملائم لكل هدف حيوى على الأرض المصرية رغم اتساعها، فوجدت الطائرات الإسرائيلية المقاتلات الاعتراضية المصرية فى انتظارها، ومن نجح فى الإفلات وحاول التسلل على ارتفاع منخفض واجهته نيران المدفعية المضادة للطائرات والصواريخ المحمولة كتفًا، فإذا ما حاول الارتفاع تلقته صواريخ سام بضربة قاتلة، فآثر من تبقى من الطيارين الإسرائيليين الانسحاب وألقوا بحمولاتهم أينما كانت وعادوا إلى قواعدهم، وظلت المطارات المصرية سليمة تواصل دورها فى معركة العبور.

وعندما نرى اليوم قوات الدفاع الجوى المصرى، وهى فى أعلى درجات استعدادها، فالجميع، قادةً وجنودًا، على شاشات الرادار لمدة أربع وعشرين ساعة يوميًا، يُؤمِّنون سماء مصر على مدافعها وعلى صواريخها مستعدة للتعامل مع أى طائرة تقترب من سماء مصر، لذلك هم عيون مصر الساهرة التى تحرس سماءنا. ومثلهم أطقم المراقبة الجوية الموجودة لمتابعة أى شىء يقترب من الحدود ويحاول تجنب شاشات الرادار ليجد تلك العيون فى مناطق لم يطأها إنسان، وموجودة على الأرض تحوم حول حدود مصر بالكامل، حيث تشارك فى تأمين سماء مصر. لذلك نقدم لرجال الدفاع الجوى كل التحية والتقدير على ما يقدمونه لحماية سماء مصر وأمنها.



Email: sfarag.media@outlook.com