العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
وفى موقعى حين جاء المساء شعرت بآلام شديدة ولم يكن لدينا فى الكتيبة سوى عربة جيب لقائد الكتيبة. فأرسلنى بعربته إلى مستشفى فايد العسكرى لأدخل غرفة العمليات مباشرة لإزالة الزائدة الدودية التى كانت قد انفجرت.
|
ذكريات فايد وكلية ضباط الاحتياط
لواء د. سمير فرج
|
20 يوليو 2024
|
بدعوة من اللواء مدير كلية ضباط الاحتياط فى فايد، لمحاضرة طلبة الكلية عن تحديات الأمن القومى المصرى، وجهود مصر لتحقيق الاستقرار، يومها انطلقت بنا السيارة إلى مدينة فايد فى منطقة قناة السويس هذه المنطقة التى قضيت فيها ست سنوات فى حرب الاستنزاف وأنا قائد سرية مشاة برتبة ملازم أول فى الخط الأمامى للدفاعات المصرية على قناة السويس وأمامى مباشرة على مسافة ٢٠٠ متر، هى عرض قناة السويس، خط بارليف الإسرائيلى بنقطتيه القويتين التبة المسحورة والملاحظة.
هكذا أطلقنا هذين الاسمين على موقع خط بارليف، ومع اقترابى ودخولى مدينة فايد رأيت فجأة لافتة مستشفى فايد العسكرى وعاد بى شريط الذكريات سريعًا إلى الوراء إلى تاريخ يوليو ١٩٦٧ إلى فترة النكسة. وأنا ضابط على الجبهة والعدو أمامى. وفى موقعى حين جاء المساء شعرت بآلام شديدة ولم يكن لدينا فى الكتيبة سوى عربة جيب لقائد الكتيبة. فأرسلنى بعربته إلى مستشفى فايد العسكرى لأدخل غرفة العمليات مباشرة لإزالة الزائدة الدودية التى كانت قد انفجرت.
ولن يصدق أحد أنه قد أجريت لى عملية الزائدة الدودية على أنوار مصابيح الجاز. لأنه لم يكن هناك كهرباء وبسبب خطورة الموقف وانفجار الزائدة الدودية كان يجب إجراء العملية بسرعة دون الانتظار للصباح حيث نور النهار.
ودخلت غرفة العمليات المفترض أنها معقمة لكن العملية كانت تجرى على فوانيس الجاز. لذلك بعد خروجى من العملية وجدت أن فتحة العملية تشبه فتحة الولادة القيصرية، يومها قال لى الطبيب «معلش ما فيش نور، اعتمدنا على فانوس الجاز لأن الأمر كان صعبًا». عمومًا كانت ذكريات ومرت كأنها أمس. وانطلقت نحو كلية ضباط الاحتياط التى تعتبر من أهم صروح القوات المسلحة. ليس فى مصر فقط ولكن فى العالم كله. لأن الضابط يتخرج فيها ليعمل مع زميله خريج الكلية الحربية فى باقى وحدات القوات المسلحة، وللمصادفة إننى كنت قبلها بيوم فى جامعة الزقازيق لمناقشة رسالة الدكتوراه وتقابلت مع السيد الأستاذ الدكتور خالد الدرندلى، رئيس جامعة الزقازيق، قبل بدء مناقشة الرسالة وخلال الحديث أشرت إلى أننى غدًا فى ضيافة كلية ضباط الاحتياط فى فايد، وهنا صاح قائلًا: تعرف إن كلية ضباط الاحتياط هى التى أوصلتنى هنا رئيسًا للجامعة. وكان سؤالى: كيف؟.
وأجاب: «عندما التحقت بالقوات المسلحة ودخلت كلية الضباط الاحتياط واتخرجت منها ملازم واتعينت فى أكبر مستودعات الأسلحة والذخيرة فى الجيش الثانى. وكنت أنا والقائد نتناوب القيادة. حقيقى تلك الفترة تعلمت منها الكثير لقد تعودت من يومها الصحيان السادسة صباحا والمرور على الوحدة كنت أقود ألف جندى. كنت لا أنام الليل وتوليت القيادة وأنا فى العشرينيات. تعلمت خلال هذه الفترة معنى اتخاذ القرار والإدارة والمتابعة.
وأعتقد ان كل هذه الصفات التى اكتسبتها من كونى ضابط احتياط كانت أحد مسوغاتى لكى أنال شرف أن أكون رئيس جامعة الزقازيق التى تعتبر خامس جامعة الآن على مستوى الجمهورية». ولذلك عندما دخلت من باب كلية ضباط الاحتياط تذكرت كلمات الدكتور خالد الدرندلى من قبل لأننى سوف أدخل مصنع الرجال والقادة الجدد من القوات المسلحة. ليس للقوات المسلحة فقط ولكن لمصر كلها. وخلال مقابلتى مع اللواء مدير كلية ضباط الاحتياط، حكى لى أنه قبل وصوله إلى الكلية كان قائدا لإحدى الوحدات وتشكيلات القوات المسلحة فى سيناء التى كانت تحارب فى معركة القضاء على الإرهاب. وحكى لى قصة مداهمته أحد أوكار الإرهابيين فى منطقة بالقرب من القسيمة فى سيناء. وخلال التقدم أصيب أحد جنوده واسمه جندى شهيد محمد صبحى من كفر الدوار، وعندما وصل إليه للاطمئنان كان الجندى يلفظ أنفاسه الاخيرة.
ليقول لى الجندى عندما رآنى «يا فندم ولا يهمك أنا خلاص هبقى شهيد. المهم يا فندم كمل. لازم نقضى على الإرهابيين دول». ويكمل اللواء: «وفى لحظات استشهد الجندى. وهو يعطى أوامره لقائده. يا فندم كمل الهجوم. يا فندم كمل». واستطرد قائلًا «عمرك شفت جندى يعطى الأوامر لضابط هذا هو الجندى المصرى العظيم».
وأعتقد أنه برواية اللواء عادت لى ذكريات كثيرة فى الماضى عن عظمة الجندى المصرى خير أجناد الارض.
وبدأ اللواء مدير كلية ضباط الاحتياط، يروى قصة تطوير الكلية خلال عام ونصف. والحقيقة أننى لم أصدق الصورة التى عليها الكلية الآن. تم تطوير أماكن مبيت الطلبة بصورة رائعة. وأماكن تناول الوجبات التى نطلق عليها الميس. وكأنك فى فنادق خمس نجوم. ثم مناطق التدريب على أعلى مستوى احترافى للفرد المقاتل. حتى معامل اللغات التى يتدرب عليها الطالب على اللغة التى سيتعامل بها بعد تخرجه. ومثال الضابط الذى سيلتحق بسلاح الدفاع الجوى رغم أنه خريج كلية الهندسة، لكنه يدخل معمل اللغات لكى يتعلم المصطلحات الإنجليزية حتى يستطيع قراءة كتب استخدام الصواريخ المكتوبة باللغة الإنجليزية وعمليات الصيانة والتشغيل.
كذلك كانت زيارتى لمستشفى الكلية المزود بأحدث الأجهزة والمعدات. وبالطبع وجود الأطباء المجندين ساهم فى أن يقدم المستشفى كافة أنواع الرعاية الطبية للطلبة. كما زرت ميدان التدريب للياقة البدنية وحمام السباحة وقاعات تدريب التكتيك وفنون القتال. حقيقى منشآت على أعلى مستوى مستخدمة أساليب العصر الحديث من شاشات إلكترونية ومفاهيم علمية حديثة، إضافة إلى مكتبة رائعة تضم كافة الكتب العلمية والثقافية والتاريخية، كذلك الاتصال عن طريق الإنترنت بباقى المكتبات العالمية. وعندما أعرض ذلك الأمر هنا فإننى أريد أن أوضح لكل عائلة مصرية سوف يلتحق ابنها بالقوات المسلحة، وبالذات هذه الكلية، سوف يجد مستوى معيشة لائقًا وكريمًا. يسعد كل أسرة أن ابنها يعيش فى ذلك المستوى الحضارى.
أما النقطة الثانية فإنه يجب على الشعب المصرى أن يكون فخورًا ومطمئنًا أن القوات المسلحة تدرب أبناءها على أعلى مستوى من الاحترافية القتالية وهذا هو المثال لضابط الاحتياط.
وحان موعد اللقاء وحاضرت الطلبة بموضوعات الأمن القومى والأبعاد التى تهدد مصر ودور القوات المسلحة فى تأمين البلاد. حقيقة كنت سعيدًا وأنا أناقش الطلبة، وكلهم من خريجى الجامعات، فى كافة الموضوعات التى تهم مصر والمصريين. وفى النهاية غادرت مبنى كلية ضباط الاحتياط وكلى سعادة وثقة بأن افراد القوات المسلحة أصبحوا على أعلى مستوى من الكفاءة القتالية للدفاع عن مصرنا الحبيبة.
Email: sfarag.media@outlook.com
|