العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
وكان أحد أهم انجازات ثورة يوليو 52، هو بناء جيش مصرى قوى، ورفض هيمنة الجيش البريطانى عليه.
|
ثورة 23 يوليو 1952
لواء د. سمير فرج
|
25 يوليو 2024
|
علمنى التاريخ بأن ما يمر بالأمم من أحداث عظام لا يصح تقييمها، واستنباط نتائجها،خلال نفس فترة وقوعها، لما يشوب تلك الفترات، عادة، من اضطراب، وتباين، فى الحكم على الأمور، ما بين إفراط فى التأييد، أو إسراف فى المعارضة، وفقاً للتجربة الشخصية للمقّيم، إن ما كان شابها الأذى أو النفع، فيخرج التقييم متطرفا لأحد الجانبين. لذا من الأفضل عدم التسرع فى الحكم على تلك الأحداث، لحين استقرار الموقف، وهو ما قد يطول لعقود متتالية، حتى يصل المرء إلى رأى موضوعى، خال من الأحكام الشخصية ... فتاريخ الأمم لا يقاس بغنيمة وخسارة شخصية، وإنما بأحكام موضوعية ترتبط بالصالح العام، وصالح السواد الأعظم.
ولقد كانت ثورة يوليو 1952، إحدى تلك الأحداث العظام، فى العصر الحديث، التى طالها الإفراط فى النقد والمديح،منذ قيامها، حتى أثبت التاريخ عظمتها، ومآثرها، ليس على الشعب المصرى، فحسب، وإنما على العديد من شعوب العالم، التى كانت تعانى ويلات الاستعمار، حينئذ، سواء فى المنطقة العربية أو فى إفريقيا. وصار الرئيس جمال عبدالناصر رمزاً للشعوب والدول المتطلعة للحرية والاستقلال، حتى صار اسمه وصوره تزين أهم شوارع وميادين ومدارس المدن العربية والإفريقية، تقديراً وعرفاناً لمصر، بعد 23 يوليو، فى مساعدة ومساندة الدول الإفريقية حتى تحريرها، وأسس بعدها منظمة الوحدة الإفريقية مع إثيوبيا والسودان، والتى كانت القاعدة التى قام عليها الاتحاد الإفريقى، لاحقاً، فى بدايات الألفية الحالية.
شكلت ثورة يوليو مجلساً لقيادتها، ضم 13 ضابطاً، برئاسة اللواء محمد نجيب، وأعلنت مبادئها الستة، الشهيرة، وهى القضاء على الإقطاع، والقضاء على الاستعمار، والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، وبناء جيش وطنى قوى، وإقامة العدالة الاجتماعية، وتأسيس حياة ديمقراطية سليمة، كانت سبباً فى تحقيق العديد من الإنجازات السياسية، منها إسقاط دستور 1923، وحل الأحزاب السياسية، وإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية فى 18 يونيو 1953، برئاسة اللواء محمد نجيب، كأول رئيس للجمهورية، حتى عام 1954.
وكان أحد أهم انجازات ثورة يوليو 52، هو بناء جيش مصرى قوى، ورفض هيمنة الجيش البريطانى عليه، بعد عقود من الإصرار على تحديد حجمه وعدد أسلحته، وهو ما دفع عبدالناصر للاتجاه إلى الاتحاد السوفيتى، فى ذلك الوقت، وعقد صفقة الأسلحة التشيكية، لتبدأ مصر، بعدها، عهداً من العلاقات العسكرية مع الاتحاد السوفيتى، والتخلى عن الهيمنة البريطانية.أما على الصعيد القومى، فكان أبرز إنجازاتها قيام الرئيس عبدالناصر بتأميم قناة السويس، لتعود ملكيتها لمصر، فى عام 1956، ورغم أن ذلك كان سبباً فى العدوان الثلاثى، على مصر، من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، فإن مصر نجحت فى صده، وخرجت من تلك التجربة قوية عظيمة، كعهدها. ويحسب،كذلك، لثورة يوليو 1952، نجاح مصر فى توقيع اتفاقية الجلاء، وخروج المستعمر البريطانى بعد 72 عاماً، ورفع علم مصر على مبنى هيئة قناة السويس.
أما على المستوى الداخلى، فنجحت ثورة 52 فى إقرار مجانية التعليم فى المدارس والجامعات المصرية، ونتج عنها تأسيس العشرات من الجامعات المصرية، بعدما كان عددها ثلاث جامعات فقط، كما اهتمت بنشر الثقافة، وتم بناء قصور ثقافة، فى جميع ربوع مصر، وانتعشت الحركة الفنية فى مصر، سواء فى المسرح أو السينما أو الغناء، وأنشئت أكاديمية الفنون، بمعاهدها المتخصصة فى المسرح والباليه والسينما والنقد الفنى، كما ظهر التليفزيون المصرى، بعد الثورة، ليصبح رائداً للثقافة فى كل العالم العربي. وحقق أبناء التليفزيون المصرى نجاحاً كبيراً فى تطوير كل القنوات التليفزيونية فى العالم العربي.وامتد أثر الثورة المصرية إلى تحقيق حلم العرب بأول وحدة بين مصر وسوريا، فى الجمهورية العربية المتحدة، والتى رغم عدم استمرارها، فإن تلك التجربة كانت، وما زالت، النواة الأولى لحلم التكامل العربى، فى المستقبل.
وفى سياق متصل، يُعد مشروع بناء السد العالى من العلامات الفارقة، فى تاريخ مصر الحديث، وأحد مشروعاتها العملاقة، التى انعكست آثارها إيجاباً على زيادة الرقعة الزراعية فى مصر، إلى واحد ونصف مليون فدان، بعد تحويل الزراعة من رى الحياض إلى الرى الدائم. ورغم ما واجهه مشروع السد العالى من انتقادات لاذعة، عند البدء فى تأسيسه، فى عام 1960، فإن التاريخ أثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، أهميته وقيمته، خلال أزمة مياه النيل، التى نشهدها، اليوم، مع إثيوبيا. كذلك حققت الثورة إنجازات فى تغيير البنية الاجتماعية للمجتمع المصرى، بإصدار قانون الاصلاح الزراعى، لتحرير الفلاح المصرى وقضت على السيطرة الرأسمالية فى مجال الإنتاج الزراعى، والصناعى كذلك، بأن وضعت مصر، لأول مرة، الخطة الخمسية للصناعة، والتى كانت سبباً فى تطوير صناعات الغزل والنسيج فى المحلة الكبرى، والحديد والصلب فى حلوان، والألومنيوم فى نجع حمادى، وغيرها من الصناعات التى حملت شعار صنع فى مصر.
وكأن المصريين اشتاقوا للريادة المصرية، مما جعل بعضهم يحمل صورة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، خلال أحداث 25 يناير، وكأنهم يمدون خطاً بين 1952 و2011، اعتماداً على الأثر الطيب لثورة 52، وهو ما كُلفت يوماً بقياسه، فِى أثناء إدارتى للشئون المعنوية، للقوات المسلحة المصرية، عقب عرض فيلم ناصر 56، الذى حفز المشاعر الوطنية لدى المصريين، خاصة بين الشباب. وبكل ما لها وما عليها، فستظل ثورة يوليو 52 علامة بارزة فى تاريخ مصر وشعبها العظيم.
Email: sfarag.media@outlook.com
|