العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
إلا أن حرب أكتوبر 73 كان لها رأى آخر، إذ فجرت مفاجأة، للعالم، بانتصار القوات المسلحة المصرية على إسرائيل.
|
الفرد المقاتل هو أساس العقيدة المصرية
لواء د. سمير فرج
|
15 أكتوبر 2024
|
تعتمد العقيدة القتالية، لأى قوات مسلحة، فى العالم، على عناصر عدة، من بينها، أولا، توافر أحدث الأسلحة والمعدات، التى تحقق الأمن القتالى للدولة. ومن هذا المنطلق، تعمل كل دولة على شراء أنواع الأسلحة والمعدات، المتطورة، التى تحقق تأمين حدودها، وأمنها القومى، واستثماراتها، التى هى حقوق شعبها. أما ثانى العناصر، فهو تدريب أفراد القوات المسلحة، على تلك الأسلحة والمعدات، وهو ما يقودنا للعنصر الثالث، وهو الفرد المقاتل.
ولقد كان من أهم النتائج التى أبرزتها حرب السادس من أكتوبر من عام 1973، للعالم كله،هو أهمية الفرد المقاتل، فى ضوء ما أكدته جميع التحليلات والدراسات، قبل الحرب،من تفوق إسرائيل على مصر والدول العربية، من حيث الكم أو الكيف، أى النوعية، وهو ما سيضمن لإسرائيل النصر، فى حال نشوب حرب بينها وأى من الدول العربية.
إلا أن حرب أكتوبر 73 كان لها رأى آخر، إذ فجرت مفاجأة، للعالم، بانتصار القوات المسلحة المصرية على إسرائيل، عكس التقديرات النظرية، مما دفع المراكز الاستراتيجية الدولية لبحث وتحليل أسباب انتصار مصر على العدو الإسرائيلى، المتفوق فى التسليح والعتاد المتطور. ووصلت نتائج الدراسات لتحديد السبب المباشر للانتصار المصرى فى تلك الحرب، وهو الجندى المصرى، الذى ظل ست سنوات كاملة، هى عمر حرب الاستنزاف، يرى كل يوم بعيونه أرض سيناء، وقد نهبها العدو الإسرائيلى، ورفع علمه عليها، فكان ذلك أكبر دوافعه للقتال يوم السادس من أكتوبر، حتى يسترد الأرض، ويحفظ الكرامة.
ومنذ نصر أكتوبر 1973، وضعت القوات المسلحة المصرية إستراتيجيتها القائمة على الاهتمام بالفرد المقاتل، جنديا كان أو ضابطا، على مختلف المستويات، أولها تحسين حياة ومعيشة الجندى، داخل وحدته فى القوات المسلحة، ومنها أماكن المبيت، ووجبات الطعام، ووسائل المواصلات، فتم، على سبيل المثال، إنشاء جهاز للنقل والمواصلات، خاص بأفراد القوات المسلحة، فاختفى مشهد كنا نراه، قبل الحرب، وهو رؤية الجنود، فى صباح كل يوم، فى الميادين، لركوب المواصلات العامة.
وعلى مستوى المعيشة تم إنشاء مصانع الطعام، المسئولة عن تقديم الوجبات للجنود، بصورة لائقة، ووصلت الوجبات للجندى على خطوط الحدود، فى نقاط لا يصل إليها مخلوق غيره, فأصبح بها فرن صغير للخبز، وثلاجة تعمل بالطاقة الشمسية، لحفظ الطعام الذى يصل إليه كل ثلاثة أيام، وأصبحت هناك ميسات مجمعة، فى مناطق الإعاشة والمعسكرات، يدخل إليها الجندى، ليتناول طعامه،على صينية مقسمة، ليختار بين أنواع الأطعمة، مثل الأرز أو المكرونة أو أنواع الخضار وغيرها.
أماعلى المستوى التعليمى، وهو العنصر الأساسى، فأصبحنا نرى خروج الضباط فى دورات تدريبية، شرقا وغربا، للتعرف على أحدث أساليب القتال فى مختلف العقائد العسكرية. وقد شرُفت بأن أكون أحد أوائل هؤلاء الضباط، وأنا برتبة رائد، عندما ابتُعثت، فى عام 1975، لدورة كلية الأركان حرب فى كلية كمبرلى الملكية، ببريطانيا، وشارك غيرى فى دورات للضباط فى الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، والهند، وباكستان، وروسيا، وغيرها من الدول. كما تم رفع مستوى الكليات والمعاهد العسكرية، فصار طالب الكلية الحربية، اليوم، يتخرج بعد أربعة أعوام، حاملا شهادة بكالوريوس العلوم العسكرية، بالإضافة إلى شهادة إدارة أعمال من إحدى الجامعات المصرية، وصار ضباط الدفاع الجوى وضباط سلاح الإشارة حاملين لدرجة بكالوريوس الهندسة، وهو ما لم يكن معمولا به، سابقا، فانتسبت، وأنا برتبة مقدم، لكلية الآداب، قسم تاريخ.
وطال التطور كلية الحرب والدفاع، بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، أكاديمية ناصر سابقا،التى اجتذبت الكثيرين من الدارسين الأجانب، خاصة من الدول العربية ومن فرنسا وباكستان وإفريقيا وغيرها، بسبب تميز كلياتها، ورقى سمعتها العلمية، المبنية على الخبرة القتالية للجيش المصرى فى حرب 1973.
وبالنسبة للتدريب الفعلى فى أرض المعركة، وهو ما يعد جوهر القوات المسلحة، فقد تم تحديث جميع ميادين التدريب،للقوات المسلحة المصرية، بكل الأسلحة، فأصبحت معاهد التدريب تستخدم أحدث النظم العالمية، المنقولة من خبرة الدول الأجنبية، خاصة ميادين رماية الفرد، والمدفعية، والدبابات، وصواريخ الدفاع الجوى، وهو ما برهنت عليه التدريبات المشتركة، إذ تعد مصر أكثر دول العالم، التى يجرى فيها تدريبات مشتركة مع قوات الدول الأجنبية، بناءً على طلب من هذه الدول، وأهمها تدريب «النجم الساطع» مع الولايات المتحدة الأمريكية، الذى يتم كل عامين، بمشاركة قوات 14 دولة، وقادة عشر دول.
لذلك لم يكن غريبا أن تصنف مؤسسة جلوبال فاير باور، القوات المسلحة المصرية، ضمن الخمس عشرة دولة الأولى عسكريا، على مستوى العالم، والأولى عربيا وإفريقيا، والثانية بمنطقة الشرق الأوسط، وبعدها إسرائيل، وهو ما يعود فيه الفضل بنسبة كبيرة لمستوى الفرد المقاتل المصرى، المدرب على استخدام الأسلحة الحديثة، ويكفى أن تعرف، عزيزى القارئ، أن طاقم الدبابة الأمريكية M1A1، الأربعة، كلهم مهندسون مجندون، وكذلك أطقم الصواريخ ورادارات الدفاع الجوي.
لقد وضعت المنظومة بأكملها لتوفر للجندى معيشة كريمة، سواء فى المعسكر أو فى التدريب، بما يؤهله للتفوق كمقاتل مدافع عن حدود مصر، وأمنها، خاصة بعد توافر المعدات الحديثة المتطورة، التى يتدرب عليها المقاتل، من خلال برامج الإعداد والتأهيل، ليجيد استخدامها بوحدته فى أوقات السلم، ويتقن استخدامها فى التدريبات المشتركة مع الدول الأخرى، ويستعد لاستخدامها بتفوق، بإذن الله، إذا ما دفعته الظروف للدفاع عن أرض مصر واستثماراتها، ليثبت أنه خير أجناد الأرض.
Email: sfarag.media@outlook.com
|