العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
هذا الرجل الذى خاض خمس حروب فى تاريخ العسكرية المصرية حرب ٥٦، ثم حرب ٦٧، ثم حرب الاستنزاف. ثم حرب ٧٣، حيث كان قائدًا لمعركة المزرعة الصينية.
|
معركة المزرعة الصينية.. والمشير حسين طنطاوى
لواء د. سمير فرج
|
28 سبتمبر 2024
|
فى الذكرى الثالثة لرحيل المشير حسين طنطاوى ٢١ سبتمبر، الرجل العظيم، الذى تولى وزيرًا لدفاع مصر لمدة ٢٠ عاما، أعطى فيها الكثير لمصر وقواتها المسلحة، كما أنه أدار البلاد، وهو رئيس للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد أحداث ٢٥ يناير.
هذا الرجل الذى خاض خمس حروب فى تاريخ العسكرية المصرية حرب ٥٦، ثم حرب ٦٧، ثم حرب الاستنزاف. ثم حرب ٧٣، حيث كان قائدًا لمعركة المزرعة الصينية. كما كان رئيسا لهيئة العمليات فى حرب تحرير الكويت، الذى خطط لعمل القوات المسلحة المصرية هناك، هذا البطل يقول إن أغلى وسام تقلده من ضمن أوسمة عديدة هو وسام الشجاعة عن معركة المزرعة الصينية، وهو برتبة مقدم. ثم وشاح النيل أعلى وسام فى مصر تقديرًا لدوره فى قيادة البلاد فى تلك الظروف الصعبة.
واليوم، أضيف عملا عظيما لهذا البطل العظيم حيث رشح ومعه مجموعة من الضباط المصريين من أبناء القوات المسلحة لإنشاء كلية حربية جديدة فى الجزائر فى شرشال بعد تحرير الجزائر من فرنسا. واليوم فى ذكرى رحيل هذا البطل المشير طنطاوى، ونحن على أعتاب. الذكرى ٥١ لحرب أكتوبر نعرض قصة المعركة الصينية.
كانت البداية عندما تم تعيين المقدم «محمد حسين طنطاوى» قائدًا للكتيبة ١٦ مشاة من اللواء ١٦ مشاة، من الفرقة ١٦ مشاة، بقيادة الفريق اللواء عبد رب النبى حافظ، وكانت الكتيبة ١٦ مشاة، ضمن القوات المصرية المقاتلة فى قناة السويس يوم السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣ الساعة ٢:٠٠ ظهرًا، وعبرت قوات الكتيبة على متن القوارب المطاطية ضمن الموجة الأولى لقوات العبور، واقتحمت الكتيبة خط بارليف فى منطقة الدفرسوار، وتقدمت بعد نجاحها شرقًا بعد اختراق دفاعات خط بارليف وقامت بصد احتياطى العدو القريب بقوة سرية دبابات.
انطلقت الكتيبة بعد ذلك فى اتجاه المزرعة الصينية، التى كانت عبارة عن ثلاثة مبان، قامت الصين بإنشائها قبل حرب ٦٧، بغرض إنشاء مزرعة تجريبية شرق القناة لزراعة المنطقة هناك، وعندما اشتعلت حرب يونيو ٦٧، انسحبت العناصر الصينية التى تقوم بالزراعة، وبقيت المبانى الثلاثة والمنطقة المحيطة بها على الخرائط، معروفة باسم المزرعة الصينية.
واستمرت الكتيبة ١٦ مشاة بقيادة المقدم أركان حرب محمد حسين طنطاوى، ورئيس عمليات الكتيبة الرائد سعيد ناصف فى التمسك بالأرض، وأنشأت الدفاعات فى رأس الكوبرى ضمن الفرقة
١٦ المشاة الميكانيكى.
وخلال هذه الفترة قامت الكتيبة بصد العديد من الهجمات المضادة من احتياطيات الجانب الإسرائيلى ونجحت فى صد وتدمير كافة تلك الهجمات دون حدوث أى اختراق لخطوط دفاعات الكتيبة ١٦ مشاة.
حتى جاءت ليلة السادس عشر من أكتوبر٧٣، ليقوم العدو الإسرائيلى بأكبر هجوم مضاد بقوة لواء مدرع طبقا لخطة الجنرال شارون، التى كانت تهدف إلى إحداث اختراق فى دفاعات الفرقة ١٦، من خلال اختراق دفاعات الكتيبة ١٦ مشاة، وبعد حدوث الاختراق تندفع باقى قوات شارون إلى القناة والعبور بقوات لواء مدرع لتطويق الجيش الثانى، وتندفع فى اتجاه الإسماعيلية، تلك الخطة الإسرائيلية التى كانت معروفة باسم الغزالة.
وبعد منتصف الليل، بدأت العناصر المدرعة الإسرائيلية من لواء أدان وماجن من الاقتراب من خطوط دفاعات الكتيبة ١٦ مشاة، وفى السجلات الخاصة بوقائع حرب أكتوبر قدم المقدم محمد حسين طنطاوى شهادته عن الأحداث قائلا «إنه بدأ يسمع تحرك جنازير الدبابات التى تقترب من دفاعات كتيبته، ومن خلال أجهزة الرؤية الليلية بدأ تقدم كتيبة دبابات المقدمة للواء المدرع الإسرائيلى، الأمر الذى دفعه لإعطاء الأوامر بصفته قائد الكتيبة ١٦ مشاة بحبس النيران حتى تقترب دبابات العدو الإسرائيلى لأقرب نقطة، وتكون فى مرمى النيران المؤثرة لكتيبته حتى يمكن تدميرها فورا».
وفعلا عندما اقتربت المدرعات الإسرائيلية فى مرمى النيران المؤثرة للكتيبة. أطلق المقدم حسين طنطاوى إشارة ضوئية فى الهواء وهنا قامت قوات الكتيبة بفتح النيران فورًا على الدبابات الإسرائيلية المتقدمة والتى أصابتها مباشرة واستمرت المعركة أكثر من ساعتين. وبعد أن شعر العدو بعدم قدرته على اختراق دفاعات الكتيبة، قرر إيقاف هجوم الاختراق والانسحاب للخلف.
وكانت شبورة الصباح قد بدأت لتمنح العدو الفرصة لسحب قتلاه من أرض المعركة، وفشلت قوات شارون فى اختراق دفاعات الكتيبة ١٦ بقيادة المقدم حسين طنطاوى، واضطر شارون أن يلجأ إلى تنفيذ الخطة من خلال العبور من البحيرات المرة، إلى الضفة الغربية لقناة السويس، لينفذ خطته بتطويق الجيش الثانى، ويندفع بقوته فى اتجاه الإسماعيلية، حيث أوقفته قوات الصاعقة فى مدخل الإسماعيلية فى منطقة أبو عطوة.
وقد شاءت الأقدار أن أكون شاهدًا بعد مرور أكثر من ربع قرن على الحرب، على واقعة محاولة شارون لقاء القائد المصرى محمد حسين طنطاوى، الرجل الذى حاربه ببسالة.
فأثناء عملى مديرًا لإدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة، كنت فى أحد الأيام بمكتب السيد المشير طنطاوى وزير الدفاع، وفجأة جاء اتصال من الرئيس مبارك وحاولت الخروج ولكن المشير طنطاوى أشار لى بالبقاء، وكانت مكالمة من السيد الرئيس مبارك للمشير طنطاوى ليبلغه أن الجنرال شارون رئيس الوزراء الإسرائيلى سوف يحضر غدًا لمقابلته فى شرم الشيخ وطلب شارون أن يلتقى بوزير الدفاع المصرى محمد حسين طنطاوى. وكان رد المشير طنطاوى «يا فندم لو كنت مطلوب لمقابلته فى عمل خاص بالقوات المسلحة أو لصالح مصر، أوامر حضرتك»، ولكن الرئيس مبارك قال لا، إنه يريد
أن يراك شخصيًا.
وهنا جاء رد المشير طنطاوى «معلش يا فندم أرجو إعفائى من هذه المقابلة». وكان رد الرئيس مبارك «عمومًا كنت متأكد من ردك»، وانتهت المحادثة، وفى صباح اليوم التالى تابعت ما حدث فى شرم الشيخ، وعلمت أنه بعد انتهاء مقابلة الجنرال شارون رئيس الوزراء الإسرائيلى للرئيس مبارك خرج وسأل رجال المراسم هل سأقابل المشير طنطاوى؟، وكانت الإجابة «المشير طنطاوى لديه التزام مسبق ولم يستطع الحضور»، وكان رد الجنرال شارون على ذلك قائلا «كنت متأكدًا أنه لن يحضر، ولكن كنت أود أن أقابل قائدًا عسكريًا حاربته بشرف، وأحترمه».
ومن هنا كانت هذه المقولة، أن معركة المزرعة الصينية فى رأس الكوبرى شرق قناة السويس، قد أبرزت صلابة وقوة المقاتل المصرى العنيد الذى منع القوات الإسرائيلية من اختراق دفاعاته وتمسك بالأرض، لذلك كان الجندى المصرى هو خير أجناد الأرض.
Email: sfarag.media@outlook.com
|