العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ومازلت أتذكر تفاصيل واحدة من أسعد لحظات يوم السادس من أكتوبر 73، عندما التقطت مخابراتنا الحربية المصرية، إشارة لاسلكية، موجهة من قائد القوات الجوية الإسرائيلية، لجميع طياريه، بمنع الاقتراب من قناة السويس لمسافة 15 كم.

حرب أكتوبر فى الذاكرة... لن تُنسى أبدا
 

لواء د. سمير فرج

 3 أكتوبر 2024


ستظل حرب أكتوبر 1973، هى أغلى انتصارات الشعب المصرى، وقواته المسلحة، التى ورغم مرور واحد وخمسين عاما عليها، فإننى مازلت أشعر وكأنها كانت بالأمس القريب. بدأت الحرب، بالنسبة لنا، منذ هزيمة يونيو 67، عندما استولى العدو الإسرائيلى على شبه جزيرة سيناء، بالكامل، ورفع أعلامه على الضفة الشرقية لقناة السويس، وتوقفت حركة الملاحة فى القناة، لتبدأ بعدها حرب الاستنزاف، التى حارب فيها الشعب المصرى، وجيشه العظيم، ملحمة دامت ست سنوات، تم خلالهم تهجير ثلاث مدن، هى بورسعيد والإسماعيلية والسويس، بالتزامن مع إعادة تسليح وتنظيم وتدريب الجيش المصرى على الأسلحة الجديدة، والتخطيط لحرب أكتوبر 73 والتدريب على الخطة.

وجاء يوم السادس من أكتوبر لتبدأ القوات المسلحة المصرية أعظم حروبها فى التاريخ الحديث، وتحقق نصرا مبينا على الجيش الإسرائيلي.وفى مثل هذا اليوم،من كل عام،أجدنى أستعيد ذكريات كل تفاصيله، التى لم تفارقنى يوماً؛ عندما كنت أحد ضباط غرفة عمليات القوات المسلحة، والتى دخلناها فى صباح يوم السادس من أكتوبر، ونحن على علم بأن اليوم، هو يوم الهجوم، واقتحام قناة السويس. وبدأت البلاغات الأولى تتوالى، بالفعل، سواء بتمام تسلم القادة توقيت الهجوم، وتمام استعداد مجموعة المدمرات والغواصات فى البحر الأحمر، لتنفيذ مهمة إغلاق مضيق باب المندب، أمام الملاحة الإسرائيلية.

وفى تمام الساعة الثانية عشرة ظهرا، رفعنا خرائط التدريب من على جدران مركز العمليات، لنضع خرائط «الخطة جرانيت»، لاقتحام قناة السويس، وتدمير خط بارليف، وتكوين رأس كوبرى بعمق 15 كم شرق قناة السويس. وفى الواحدة ظهراً، وقبل بدء الهجوم، حضر الرئيس محمد أنور السادات، إلى غرفة العمليات، يتبعه جنود يحملون الشطائر والعصائر، ليبلغنا بأن فضيلة مفتى الديار المصرية قد أباح لنا، نحن المقاتلين على الجبهة، الإفطار فى نهار رمضان. فتسلمنا الشطائر والعصائر، إلا أننا وضعناها جانباً، فمن منا يهتم بطعام أو شراب فى تلك اللحظات الحاسمة من عمر الوطن.

وبدأ العد التنازلى لشن الحرب، وتلقينا البلاغات بوصول قواتنا خلف الخطوط، فى عمق سيناء، لإبلاغنا عن تحرك احتياطيات العدو الإسرائيلى، وما هى إلا دقائق حتى انطلقت قواتنا الجوية فى ضربتها الأولى، معلنة بدء الهجوم، ورأينا على شاشات مركز العمليات، طائراتنا الحربية تعبر القناة، فتيقنا حينها من أن المعركة قد بدأت، بعد سنوات وسنوات من الانتظار، وتابعنا، بحماس وشغف وفخر، توالى البلاغات بسقوط نقاط خط بارليف، وعبور موجات الاقتحام الأولى وفقاً لخطة التوجيه 41، التى أعدها الفريق سعد الدين الشاذلى.

ومازلت أتذكر تفاصيل واحدة من أسعد لحظات يوم السادس من أكتوبر 73، عندما التقطت مخابراتنا الحربية المصرية، إشارة لاسلكية، موجهة من قائد القوات الجوية الإسرائيلية، لجميع طياريه، بمنع الاقتراب من قناة السويس لمسافة 15 كم، بعدما شاهد كثافة حائط الصواريخ المصرى، على شاشة الرادار الإسرائيلي. أرسل تلك الرسالة دون تشفير، غير عابئ بالتقاطنا لها، أمام محاولة إنقاذ قواته. حينها تيقنت من نجاح الهجوم المصرى، ومن قدرة قواتنا البرية على عبور القناة، واقتحام خط بارليف، بعدما تمكن رجال الدفاع الجوى المصرى من شل حركة القوات الجوية الإسرائيلية، وتحييد قدرتها على التدخل فى هذه العملية، ليخلد التاريخ فضلهم العظيم، فى تحقيق النصر فى ملحمة أكتوبر 73.

وبعد اقتحام الموجات الأولى من قوات المشاة لخط بارليف، واندفاعها فى عمق سيناء، بدأ المهندسون العسكريون فى فتح الثغرات فى الساتر الترابى، بواسطة مضخات المياه، تلك الفكرة العبقرية التى اقترحها اللواء باقى زكى يوسف، الضابط المهندس، اعتماداً على خبرته فى بناء السد العالي. وخلال أربع ساعات، كانت قواتنا قدنجحت فى فتح الثغرات، فى الساتر الترابى، بارتفاع 20 مترا. وبعد عبور موجات العبور، وعددها 12، بالقوارب المطاطية، ومع آخر ضوء، تقدمت عربات الكبارى لتلقى بالبراطيم، فى قناة السويس، لإنشاء خمسة كبارى، بمعدل كوبرى لكل فرقة مشاة. ومع سطوع القمر، كانت الكبارى قد اكتملت، فاندفعت الدبابات المصرية فى مهمة العبور للضفة الشرقية، يليها وحدات المدفعية، وعربات القيادة على مختلف المستويات. ومع صباح يوم السابع من أكتوبر، كانت فرق المشاة الخمس، بقوام 200 ألف مقاتل مصرى، قد وصلت للضفة الشرقية للقناة، وأسقطت نقاط خط بارليف، وتصدت ودمرت كل الاحتياطات المدرعة الإسرائيلية، التى فشلت فى تدمير قواتنا التى عبرت القناة.

وفى يوم التاسع من أكتوبر من عام 1973، ذلك اليوم الأسود فى تاريخ إسرائيل، وقفت جولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل، حينها، وبجانبها وزير دفاعها، موشى ديان، فى مؤتمر صحفى عالمى، لتعلن هزيمة إسرائيل، وتعترف بأن بلادها تصارع، فى تلك اللحظة، من أجل البقاء، رغم الدعم،غير المشروط، الذى وفرته الولايات المتحدة، بفتح جسر جوى لإسرائيل، لإمدادها بأحدث الأسلحة العسكرية فى الترسانة الأمريكية.

وبعد مرور أكثر من نصف قرن على هزيمة إسرائيل، مازلنا نسمع بعض العواء والنعيق، فى محاولة لتزييف الحقائق، مرة من خلال عرض فيلم لتمجيد جولدا مائير، ومرات بادعاء أن أشرف مروان كان جاسوسا لإسرائيل، متناسين، عن عمد، تقريرهم الذى أعدته «لجنة أجرانات»، والذى رغم عدم نشره كله، بعد، فإن ما نُشر منه عن إقالة رئيس أركان حرب الجيش الإسرائيلى ومدير المخابرات الحربية (أمان)، لتقصيرهم المتسبب فى هزيمة إسرائيل، يكفينا للدفاع عن تاريخنا المجيد، وتخليد ذكرى السادس من أكتوبر،كيوم عز وفخر الشعب المصرى، وجيشه العظيم.



Email: sfarag.media@outlook.com