العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

لذا فقد انصبَّ تركيزى على سماع ما يدور بينهم من مناقشات.

حوارات الخامس من أكتوبر
 

لواء د. سمير فرج

 5 أكتوبر 2024


صحيح أن يوم السادس من أكتوبر من عام 1973هو الأعظم فى تاريخنا الحديث، إلا أن يوم الخامس من أكتوبر يمثل علامة فارقة فى حياتى، إذ كنا فى مرحلة التمهيدات النهائية للحرب، بينما أكاد أجزم بأن أياً منا لم يكن يتوقع أننا على بُعد سويعات من بدئها، ومن عبور قناة السويس، وتدمير خط بارليف.

أذكر أننا كنا فى مركز عمليات القوات المسلحة لحرب أكتوبر، والذى كان يُطلق عليه «مركز عشرة»، وكنا قد بدأنا فى اختبارات تواصل مركز القيادة مع المراكز الأخرى، ومنها مراكز القوات الجوية والبحرية والدفاع الجوى، والجيوش الميدانية، وحتى قيادة القوات فى سوريا. وكان أول يوم أقضيه فى مركز القيادة هو يوم الخامس من أكتوبر، لفتح سجلات الحرب فى صباح اليوم التالى. ولأننى كنت أحدث ضباط القيادة، برتبة رائد، ولم يكن قد مر على انضمامى أكثر من أسبوع، فلم يكن مسموحاً لى، طبقاً للتقاليد العسكرية، بالحديث مع القادة الأعلى رتبة إلا عند تلقى الأوامر بالرد على أمر ما، لذا فقد انصبَّ تركيزى على سماع ما يدور بينهم من مناقشات.

منهم من يقول: «إحنا تعبنا وولادنا اتدربوا كويس وربنا هينصرنا»، وآخر يقول: «التخطيط للحرب هائل بقالنا سنين نعدل فى الخطة، عندما يجد علينا سلاح أو معلومة عن العدو»، وثالث يتساءل: «تفتكر هنعملها ونقتحم القناة بكرا؟»، ونسمع من يقول: «أكيد ربنا هينصرنا فى شهر رمضان المبارك»، فيعقب آخر: «والله صلاح عبقرى إنه اختار شهر رمضان للهجوم».

ويسأل آخر: «هنقدر نفتح الفتحات فى الساتر الترابي»، ويرد العقيد مهندس أحمد نبيه: «إحنا عملنا تجارب أكتر من شعر راسنا، وكلها نجحت، الفكرة هايلة، وربنا معانا»، ثم نسمع من يقول: «هنقدر نحقق الهجوم ونصل للمضايق؟»، فيأتيه الرد: «هنعبر ونصد الاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية وهنوصل»، ويضيف آخر: «التوجيه اللى عمله الفريق الشاذلى مفيهوش غلطة»، ويردد آخر: «المهم ألا تتدخل القوات الجوية الإسرائيلية وإحنا بنعبر»، فيرد أحدهم: «حائط الصواريخ هايل، وولادنا فى الدفاع الجوى كانوا أبطال فى حرب الاستنزاف، وأعطوا إسرائيل درساً يوم إسقاط الفانتوم، ومش هيغامروا بالتدخل وإحنا بنعبر».

كانت جميع الحوارات التى دارت قبل يوم العبور، فى الخامس من أكتوبر، نابعة من القلب، ومفعمة بالأمل، واليقين، والثقة فى القدرة على الهجوم فى اليوم التالي، الذى بدأت فيه الحرب فى تمام الثانية ظهراً، بانطلاق 220 طائرة لعبور قناة السويس، ويبدأ بعدها قصف المدفعية، لتعبر قواتنا المسلحة الباسلة قناة السويس، وتقتحم خط بارليف، وتنتصر على العدو الإسرائيلي، وتُحقق لمصر أغلى نصر فى عصرها الحديث.



Email: sfarag.media@outlook.com