العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ولقد استمرت المناظرة بيننا لمدة ساعة ونصف على الهواء مباشرة.

قصة حرب أكتوبر من خلال مناظرتى مع شارون فى محطة الـBBC فى لندن - 1

 

لواء د. سمير فرج

 5 أكتوبر 2024


كانت الأمطار تهطل بشدة، وأنا أخرج من محطة مترو الأنفاق فى لندن لكى أتجه إلى مبنى إذاعة الـBBC لكى أجرى مناظرة مع الجنرال شارون. حول حرب أكتوبر فى برنامج بانوراما، الذى كان يقدمه الإذاعى البريطانى الشهير، إدجر آلان فى هذا الوقت.

كنت وحيدًا، ليس معى غير المظلة التى أحتمى بها من أمطار لندن الرهيبة، وفى يدى الثانية، البدلة الاسموكن التى قمت باستعارتها من زميلى فى الكلية الرائد الكويتى عدنان عبدالغفور، لأن مرتبى فى البعثة لم يكن يسمح لى بشراء هذه البدلة الإنجليزية الفاخرة.

ووصلت إلى مبنى الـBBC، وكانت هناك جموع غفيرة من الجالية اليهودية ترحب بالجنرال شارون وتشجعه، وهو يدخل هذه المناظرة مع الضابط المصرى الذى جاء يدرس فى بريطانيا، المهم أن ينتصر شارون. فى هذه المناظرة، ولن أحكى تفاصيل قصة دخولى إلى المبنى.

عمومًا كانت حرب ٧٣ عيد الغفران أو يوم كيبور Yom KIPPUR WAR هى أحدث حرب تقليدية تمت فى العصر الحديث بين دولتين تمتلك كل منهما أحدث تقنيات العصر من الأسلحة والمعدات، فلقد نالت هذه الحرب اهتمام العديد من المؤسسات ومراكز الدراسات الاستراتيجية فى كل أنحاء العالم حتى القنوات التليفزيونية.

وهذا ما دعا قناة BBC البريطانية عام ١٩٧٥ إلى أن تدعونى لعمل مناظرة علمية مع الجنرال الإسرائيلى شارون قائد القوات الإسرائيلية فى معركة ثغرة الدفرسوار غرب قناة السويس، ولقد قام بالتحكيم على هذه المناظرة أساتذة من المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية فى لندن The International Institute for Strategic Studies أو IISS، حيث كان هذا المركز يجمع خيرة الباحثين العسكريين فى مجال الاستراتيجية والأمن القومى فى العالم.. وكانت إصداراته كل عام تعد من المراجع العلمية التى يعتمد عليها كل الباحثين العسكريين فى العالم كله.

ولذلك كانت هناك لدى قناعة بحيادية هذا المعهد وقدرته على التحليل الدقيق لما قامت به القوات المصرية فى مرحلة التخطيط وإدارة أعمال القتال.

وكنت قد أنهيت دراستى فى كلية القادة والأركان المصرية، وكان ترتيبى الأول فى التخرج، وطبقًا للنظام المعمول به فى القوات المسلحة المصرية فقد تم ترشيحى للدراسة فى كلية كمبرلى الملكية بإنجلترا فى دورة عام ١٩٧٥ أى بعد انتهاء حرب أكتوبر مباشرة؛ حيث سافرت إلى لندن عام ١٩٧٤ لحضور دورة التأهيل قبل الدورة الأساسية، وبدأت الدراسة وكنت فى هذا العام طالبًا فى كلية كمبرلى الملكية بإنجلترا.. وهى كلية من أعرق وأقدم كليات القادة والأركان فى العالم.. وكانت مصر قد أوقفت إرسال مبعوثيها لهذه الكلية منذ أزمة السويس عام ١٩٥٦.. وبعد عشرين عاماً كنت أول دارس مصرى التحق بهذه الكلية.. لمدة عام كامل.. وكان الجنرال أرييل شارون أيضًا من خريجى هذه الكلية مع إسحاق رابين، وبن اليعازر، وتال، وجونين... وغيرهم من كبار القادة العسكريين فى إسرائيل.

وكان من المهم لمصر أن تبدأ فى إرسال ضباط مصريين لدراسة الفكر والعقيدة القتالية الغربية التى كانت بعيدة عن الفكر المصرى العسكرى الذى يعتنق ويطبق العقيدة القتالية الشرقية، وفور وصولى إلى لندن ومع بدء الدراسة صدرت جريدة «الصن داى تايمز» Sunday Times يوم الأحد فى الصفحة الأولى منها صورتى، لتعلن وصول أول ضابط مصرى للدراسة فى لندن، والذى سيعود ليحارب الإسرائيليين بعد دراسته.

وتساءلت كيف تقبل حكومة جلالة الملكة قبول هذا الضابط المصرى؟! كذلك كان هناك جرحى مصريون من معارك أكتوبر يتلقون العلاج فى لندن فى هذا التوقيت، ومن هذا المقال عرف الجميع أن هناك ضابطًا مصريًّا يدرس فى كلية كمبرلى فى لندن وهذا ما شجع إدجار آلان أن قدم برنامجه الأسبوعى الشهير بانوراما على قناة BBC يوم الأحد فى أهم توقيت من الساعة الثامنة إلى العاشرة مساءً لكى يحضر إلى الكلية ويقابل مدير الكلية آنذاك الجنرال بيتش ويطلب مقابلتى لإقناعى بالاشتراك فى برنامجه بانوراما للحديث عن حرب أكتوبر / يوم Yom Kippur War كما يطلق عليها فى الغرب.

حيث لم يتحدث أى ضابط مصرى على أى قناة فى الغرب عن هذه الحرب عكس الضباط الإسرائيليين الذين يتحدثون فى جميع وسائل الإعلام، وكانت لى شروط لقبول الاشتراك فى البرنامج هى أن جميع الأسئلة يجب أن تكون معدة من قبل ولن أقبل بأى سؤال على الهواء لإحراجى. كذلك من حقى رفض أى سؤال أعتبره مسيئًا للجيش المصرى وثالثًا يجب موافقة حكومتى فى القاهرة، وبالفعل أرسلت إلى وزارة الدفاع فى مصر حيث وافق المشير الجمسى آنذاك على أن أشترك فى ذلك البرنامج ممثلًا عن مصر فى إطار عرض الخطة المصرية لاقتحام قناه السويس وتدمير خط بارليف.

ولقد استمرت المناظرة بيننا لمدة ساعة ونصف على الهواء مباشرة.. تضمنت الساعة الأولى تسجيلات خارجية معى.. ومع الجنرال شارون.. عرضت فيها خطة القوات المصرية فى اقتحام قناة السويس.. وكيف نجح الجيش المصرى فى اقتحام أكبر مانع مائى فى التاريخ، وسقوط خط بارليف.. ويجب أن نوضح أن الحديث.. فى وسائل الإعلام الغربية كان يختلف كثيراً.. فى ذلك الوقت عن الحديث فى وسائل الإعلام العربية.. حيث يعتمد الإعلام الغربى على الحقائق والأرقام والإحصائيات والمقارنات.. وليس على الكلام المرسل.

ومن هنا تظهر صعوبة التعامل، حيث ركزت على أن يكون عرض التخطيط المصرى وإدارة القتال لحرب أكتوبر ١٩٧٣ متسمًا بالوضوح والدقة والصدق معتمدًا على النجاح العظيم.. الأشبه بالأسطورى من وجهة نظر كل المراكز والمؤسسات العسكرية فى العالم لما قام به الجيش المصرى فى مجال الفكر والتخطيط وإدارة العمليات العسكرية على ضفاف قناة السويس، على الرغم من أن كل تقارير معاهد الدراسات الاستراتيجية قبل أكتوبر كانت تؤكد استحالة قيام مصر بأى عمل عسكرى شامل وخاصة اقتحام أكبر مانع فى التاريخ.

جدير بالذكر أنه قبل التسجيل تلقيت الأسئلة من مقدم البرنامج إدجار آلان، ولقد وجدت أن هناك أسئلة من الصعب الرد عليها بمفردى، فأرسلت تلك الأسئلة إلى وزارة الدفاع فى القاهرة، ولما كانت عندى فى تلك الفترة إجازة من الكلية فلقد أمر الفريق الجمسى أن أنزل مأمورية للقاهرة، وتمت معاونتى فى الرد على جميع الأسئلة.. فى مقالى فى العدد القادم نستكمل ما حدث فى تلك المناظرة.



Email: sfarag.media@outlook.com