العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

فإذا بى أمام عرض، على شاشة المحاضرة، لمعركة المنصورة الجوية بين القوات الجوية المصرية، والقوات الجوية الإسرائيلية.

قصة أغلى انتصارات قواتنا الجوية.. معركة المنصورة
 

لواء د. سمير فرج

 10 أكتوبر 2024


تعد معركة المنصورة الجوية، التى دارت يوم 14 أكتوبر 1973، ثانى أغلى الانتصارات التى حققتها قواتنا الجوية المصرية، فى العصر الحديث، بعد الضربة الجوية، الناجحة بامتياز، يوم 6 أكتوبر من العام نفسه. يوضح اسم المعركة، أنها دارت فى سماء المنصورة، وتحديداً فوق منطقة مطارات المنصورة العسكرية. اشترك فى تلك المعركة الجوية 200 طائرة حربية، منها 120 طائرة تابعة لقوات العدو الإسرائيلى، من أنواع الفانتوم وسكاى هوك وميراج 2000، مقابل 80 طائرة حربية تابعة للقوات المصرية، من طراز ميج 21 وسوخوى 7 وميراج 2000، بالإضافة إلى محطات الرادار المصرية، المسئولة عن توجيه وإدارة أعمال قتال تلك الطائرات المصرية. دارت أحداث هذه المعركة، العظيمة، على مدى 53 دقيقة، لتُسجلها المراجع العسكرية، وتُخلدها حتى يومنا هذا، كأطول، وأقوى، وأشرس، المعارك الجوية فى التاريخ العسكرى الحديث، والتى انتهت بانتصار القوات الجوية المصرية. فرغم التفوق العددى والنوعى للطائرات الإسرائيلية، فإن البيانات والحقائق الموثقة عن تلك المعركة، أكدت حجم الخسائر بين صفوفه وصلت إلى 17 طائرة إسرائيلية، بينما خسرت القوات الجوية المصرية خمس طائرات، فقط، سقطت اثنتان منها بسبب نفاد الوقود.

أما بالنسبة لى، فلتلك المعركة قصة خاصة، عاصرتها فى أثناء فترة دراستى فى كلية كمبرلى الملكية بإنجلترا، عام 1975، والتى كان من ضمن برنامجها الدراسى، زيارة كلية أركان حرب الجوية فى براكنل، لمدة أسبوع، فيما يعرف بفترة التزاوج بين القوات البرية التابعة لكلية كمبرلى، والقوات الجوية التابعة لكلية براكنل، ليتعرف خلالها دارسو كل سلاح على أساليب التعاون فى أى معركة، فيما يُطلق عليه «معركة الأسلحة المشتركة الحديثة»، والتى تتعاون فيها مختلف القوات، بتنوع أسلحتهم، لتحقيق النصر. أذكر جيداً، أنه فى أول أيام تلك الزيارة، تجمع فى القاعة أكثر من 250 ضابطا، من أكثر من 60 دولة، من كل أنحاء العالم، لمناقشة فنون القتال، وسبل التعاون بين القوات البرية والقوات الجوية، ودارت المحاضرة الأولى حول نشأة وتطوير القوات الجوية، عبر التاريخ، بدءا من الطائرات المروحية، ثم النفاثات، وصولاً إلى أنواع الطائرات الأسرع من الصوت، فضلاً عن تطور الإمكانات الملاحية للطائرات، والنظم الفنية الحديثة فى علم الطيران، حتى أنظمة المحاكاة الجديدة لتدريب الطيارين. ولما حان موعد المحاضرة الثانية، كانت المفاجأة أن تم عرض أحدث معركة جوية فى التاريخ الحديث، فإذا بى أمام عرض، على شاشة المحاضرة، لمعركة المنصورة الجوية بين القوات الجوية المصرية، والقوات الجوية الإسرائيلية، استعرض خلالها المحاضر تفاصيل القتال الذى دار فى هذه المعركة لمدة 53 دقيقة، وتابع عمليات إقلاع الطائرات الإسرائيلية والمصرية من المطارات المختلفة، خاصة أن طرفى هذه المعركة الجوية استخدما، لأول مرة، أسلحة الحرب الإلكترونية الحديثة، من حيث التشويش على طائرات الخصم لكل طرف، والإجراءات المضادة لكل طرف للتغلب على عمليات التشويش، وهو ما لم يكن متعارفا عليه قبل تلك المعركة.

وعندما تطرق المحاضر لإمكانات طائرات كل طرف، ظهر التفوق العددى، والنوعى، للطائرات الإسرائيلية، أمام الطائرات المصرية، وهو ما علق عليه المحاضر بقوله إن ما حدث فى معركة المنصورة الجوية يؤكد لنا، كضباط طيارين، أن التدريب فى وقت السلم، سواء على فن قيادة الطائرات الحربية، أو التخطيط، أو إدارة العملية، هو ما حقق النصر لمصر، ومكّن طيارى قواتها من التغلب على الضعف النسبى لإمكانات الطائرة الميج، أمام الفانتوم وسكاى هوك. كما أشاد المحاضر بمستوى تدريب إدارة العملية، خاصة فى التنسيق والمزامنة بين الطائرات المصرية ووسائل الدفاع الجوى المصرى، فلم تسقط طائرة مصرية بنيران صديقة، رغم حائط الصواريخ التابع للدفاع الجوى المصرى، الذى كان سببا فى إرباك القوات الجوية للعدو الإسرائيلى منذ اندلاع حرب أكتوبر 1973، وحيّد قدراتها.

وتطرق المحاضر لارتفاع مستوى تدريب الأطقم الأرضية المصرية، المعنية بتوجيه الطائرات، مدللاً على ذلك بتكتيكات المخطط ومدير عملية المنصورة، على الأرض، الذى كان يدفع بالمقاتلات المصرية، بالتزامن مع استهلاك الطائرات الإسرائيلية معظم وقودها، فتندفع خلفها الطائرات المصرية، لتدميرها، يقيناً من أنه لم يتبق لها من الوقود، إلا ما يسمح لها بالعودة للقواعد الإسرائيلية، دون القدرة على الاشتباك. كما أشاد المحاضر بقدرة الأطقم الفنية المصرية، على أرض المطارات المصرية الحربية، فيما يخص سرعة إعادة تموين الطائرات بالوقود بعد عودتها من المهمة، وتطبيق الكشف السريع للصيانة، ثم إعادة تذخير الطائرات بالذخائر المطلوبة، وهو ما كان له الفضل فى سرعة عودة الطائرات المصرية إلى سماء المعركة.

كما أكد مرارا أن كفاءة تدريب الطيارين المصريين، كان أحد الأسباب الرئيسية المساعدة على تخطى عقبة التراجع النسبى لكفاءة الطائرات الميج 21 والسوخوى، أمام نظائرها من الفانتوم وسكاى هوك، لافتاً النظر إلى أن الطيارين الإسرائيليين دخلوا هذه المعركة، مرتكزين على شهرتهم فى حرب 1967، بما أشاعوه عن أنفسهم بأنهم «اليد الطولى» للجيش الإسرائيلى، بينما خاضها المقاتل المصرى، معتمداً على تدريبه، ويقينه، وروحه المعنوية المرتفعة، فتحقق له النصر فى هذه المعركة الجوية.

ستظل هذه المعركة، فوق سماء المنصورة، أهم المعارك الجوية فى التاريخ الحديث، ليس وفق تقديراتنا، فحسب، وإنما بشهادة وتوثيق العالم أجمع، فاستحقت أن تُخلد ذكراها لتفتخر بها القوات الجوية المصرية، والقوات المسلحة المصرية، وعموم شعب مصر العظيم.



Email: sfarag.media@outlook.com