العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وقالت «إن هنرى كيسنجر صديقى، وصديق إسرائيل أبلغنا أن مصر غير قادرة على الهجوم، وإن الروس رفضوا إعطاءهم سلاحا هجوميا».

أول مفاتيح النصر فى حرب أكتوبر 73
 

لواء د. سمير فرج

 17 أكتوبر 2024


وفى آخر أيام شهر أكتوبر العظيم، الذى احتفلت مصر، وشعبها، وجيشها، بأغلى انتصاراتها، فى العصر الحديث، وهو نصر يوم السادس من أكتوبر 1973، أو نصر العاشر من رمضان، أو نصر عيد الغفران (Yom Kippur War)، كما يطلق عليه فى إسرائيل.

وقبل بداية الحرب، التقى الرئيس الراحل أنور السادات، فى برج العرب، فى صيف 1973، مع المشير أحمد إسماعيل، ورئيس هيئة العمليات، وبعض من ضباط التخطيط فى هيئة العمليات، لكى يطلع معهم على اللمسات الأخيرة لخطة العبور، حيث كان سيجتمع بعدها بأيام مع الرئيس حافظ الأسد لوضع التنسيق النهائى للحرب.

ويومها وخلال مناقشة الخطة، تحدث العقيد أحمد نبيه، الذى كان المسئول عن خطة الخداع الإستراتيجى والتعبوى، وخلال عرضه لخطة الخداع، قال للرئيس السادات «نريد أن نستغل حضرتك فى خطة الخداع»، وابتسم الرئيس السادات، وقال له «قول يا سيدي» وقال العقيد أحمد نبيه «يا فندم عايزين نبعت رسالة لإسرائيل، وبالذات لجولدا مائير إننا مش هنحارب»، وضحك الرئيس السادات، وقال له «دى ست داهية» ثم استكمل احمد نبيه «نقولها إحنا مش هنحارب».

وعرض العقيد أحمد نبيه فكرته أن الرئيس السادات يمكن أن يرسل محمد حافظ إسماعيل، مستشاره للدفاع والأمن القومى، لمقابلة هنرى كسينجر وزير الخارجية الأمريكى فى ذلك الوقت، وهو اليهودى الصهيونى المتعصب الذى يعشق إسرائيل، ويكره العرب، ليطلب منه أن يساعد مصر فى إيجاد حل للمشكلة، ويبلغه اننا فى ست سنوات كاملة فى حالة أطلق عليها المصريون اللاسلم واللا حرب، وأن الرئيس السادات يقول أن الروس خدعوه، ورفضوا إمداد مصر بالأسلحة الهجومية، ومن هنا قرر الرئيس السادات طرد الخبراء الروس من مصر، ولم يتبق لنا غيركم أنتم الأمريكان نريد حلا يا سيادة وزير الخارجية.

واستطرد نبيه قائلا «وأعتقد يا سيادة الرئيس، أن كيسنجر سوف يتصل على الفور برئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير اليهودية وسوف يخبرها بعدم نية المصريين للهجوم لهذه الأسباب، وبالطبع سوف تصدقه جولدا مائير».

وبالفعل وافق الرئيس السادات، وقام محمد حافظ إسماعيل بالاتصال بوزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر، يطلب تحديد موعد، وقابله فى فرنسا، وتم اللقاء كما كان مخططا من قبل، ويومها قال كيسنجر «أعطونى بعض الوقت لأجد حلا لهذه القضية».

وكان رد محمد حافظ إسماعيل «أنت قادر على الحل لقد نجحت فى إخراج الأمريكان من مستنقع فيتنام وحصلت بذلك على جائزة نوبل للسلام، أرجوك، نريد حلا، لكى تأخذ جائزة نوبل الثانية، وأن تحقق السلام بين مصر وإسرائيل»، وابتسم هنا كيسنجر، ابتسامة غرور، وعاد حافظ إسماعيل إلى مصر.

وفى الفيلم الذى أنتجته هوليود ليكون قصة حقيقية لحياة جولدا مائير، عرض الفيلم أحداث يوم 6 من أكتوبر.

وفى اجتماع مجلس الحرب لوزراء إسرائيل وفى الساعة العاشرة صباحا، طلب رئيس أركان الجيش الإسرائيلى من جولدا مائير قيام إسرائيل بتنفيذ ضربة استباقية ضد قوات الجيش المصرى، فى منطقة غرب القناة لمنع مصر من القيام بالهجوم واقتحام قناة السويس، وهنا قالت جولدا مائير «ألم يقم المصريون بتنفيذ مثل هذا التجميع والحشد مرتين فى الشهور السابقة وتكبدنا خسائر كبيرة فى استدعاء الاحتياط. وفى كل مرة، لم يحدث شىء. ولو أن هذه المرة، انا متأكدة أنهم لن يستطيعوا الهجوم علينا».

وقالت «إن هنرى كيسنجر صديقى، وصديق إسرائيل أبلغنا أن مصر غير قادرة على الهجوم، وإن الروس رفضوا إعطاءهم سلاحا هجوميا واستطردت يا سيدى، رئيس الأركان أنت تعلم أنه حتى الطائرات المصرية الميج 21 والسوخوي. هى صناعة روسية فى الخمسينيات، لن تستطيع أن تفعل شيئا أمام طائراتنا الحديثة الأمريكية من سكاى هوك، والفانتوم، أنا أثق فى كسينجر أكثر مما أثق فى نفسى، لقد أكد لنا أن المصريين، لن يهجموا أبدا، وما يفعلونه الآن، هى محاولات الضغط علينا، عند إجراء المفاوضات القادمة». وهنا سألت جولدا مائير وزير الدفاع الإسرائيلى موشى ديان، «ما رأيك؟» وكان رد موشى ديان «أوافقك على رأيك أن المصريين لن يهجموا، ولا داعى لهذه الضربة المسبقة».

كان ذلك فى العاشرة صباحا، واستمر الاجتماع حتى الثانية ظهرا ليسمع مجلس الوزراء الإسرائيلى صفارات الإنذار تدوى فى تل أبيب، وتطلب جولدا مائير من الجميع النزول إلى مخبأ الحرب، ويبدو الذهول على وجه، جولدا فى الفيلم، وهى غير مصدقة، وتقول ماذا حدث؟ إن كسنجر لا يكذب أبدا.

وهكذا نجحت مصر فى خداع إسرائيل عن بدء الحرب يوم 6 من أكتوبر، مع غيرها من الإجراءات التى قامت بها، مثل فتح باب العمرة للضباط وعائلاتهم فى شهر رمضان، كذلك تسريح دفعات رديف من الجنود فى أول شهر أكتوبر، والتخطيط لزيارة وزير الدفاع المصرى لأحد الدول الصديقة، وهى زيارة بالطبع لم تتم، ولكن كل هذه الإجراءات أقنعت إسرائيل أن مصر لن تحارب.

وبمتابعة احداث فيلم جولدا مائير، نجد ان من اجمل لقطات ذلك الفيلم انه بعد حرب أكتوبر 1973 عقدت لجنة اجرانات لمحاسبة المقصرين فى الحرب وفيها ظهرت جولدا مائير وهى تحاسب حيث تم سؤالها لماذا لم تنفذى الضربة الاستباقية التى طلبها رئيس الأركان وكانت الإجابة ان موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى وافقها الرأى، لذلك كانت خطة الخداع احد مفاتيح نصر أكتوبر 1973.



Email: sfarag.media@outlook.com