العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

حتى هذا الموقف كانت الخطة المصرية قد حصلت على تقدير ٤ نقاط فى المناظرة من لجنة التحكيم من معهد الدراسات الاستراتيجية.. بينما لم تحصل الخطة الإسرائيلية على أى نقاط.

قصة حرب أكتوبر من خلال مناظرتى مع شارون فى محطة الـBBC فى لندن - 3

 

لواء د. سمير فرج

 19 أكتوبر 2024


اليوم، نستعرض فى هذا الجزء الثالث من قصة مناظرتى على محطة الـBBC فى لندن، مع الجنرال آرييل شارون حول حرب أكتوبر ٧٣. والتى أدارها الإعلامى البريطانى المتميز، أدجر آلان فى برنامجه المشهور بانوراما. وكان يقوم بالتحكيم على هذه المناظرة أساتذة وخبراء من معهد الدراسات الاستراتيجية فى لندن IISS.

وتوقفنا فى مقالى العدد الماضى، عندما عبرت القوات المصرية قناة السويس، واقتحمت خط بارليف، وكان نجاح حائط الصواريخ المصرى سببًا فى نجاح العبور، ونجحت القوات المصرية فى إنشاء خمسة رؤوس كبارى شرق القناة، وفشلت جميع الهجمات المضادة الإسرائيلية فى تدمير القوات المسلحة المصرية شرق القناة، وأصبح لمصر حوالى ٢٥٠ ألف مقاتل على الضفة الشرقية للقناة.

وحتى هذا الموقف كانت الخطة المصرية قد حصلت على تقدير ٤ نقاط فى المناظرة من لجنة التحكيم من معهد الدراسات الاستراتيجية.. بينما لم تحصل الخطة الإسرائيلية على أى نقاط.. بعدها تابعت عرض تفاصيل كثيرة عن تخطيط العبور والتنظيم الرائع لجهود القوات المصرية.. وكيف تم تنفيذ خطة الخداع.. وتحقيق المفاجأة... والتغلب على الساتر الترابى... إلخ.. لذا حصلت الخطة المصرية على نقطتين إضافيتين عن مرحلة إدارة القتال فى رأس الكوبرى حتى يوم ١٥ أكتوبر ١٩٧٣ ليصل عدد النقاط إلى ٦ نقاط بينما لم تحصل الخطة الإسرائيلية على أى نقاط.. وأكد معهد الدراسات الاستراتيجية على أن الخطة الدفاعية الإسرائيلية، المبنية على خط بارليف كانت خطة ذات مفهوم دفاعی غیر متزن.. وافتقدت عدم بناء الأنساق والخطوط الدفاعية المتتالية.. سواء بالاحتياطيات أو المواقع الدفاعية، وسمحت للقوات المصرية بكل سهولة أن تقتحم القناة... وتنشئ رؤوس الكبارى.. وأن هذه النقاط الحصينة فى خط بارليف.. لم تؤد أى دور دفاعى لها.. خاصة أنه لم يكن هناك أى تعاون نيرانى أو تكتيكى بين نقاط خط بارليف.. ولذلك عندما اقتحم المصريون القناة.. تم عزل نقاط خط بارليف.. وتهاوت هذه النقاط فى ساعات.. أو استسلمت.. وشبه خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية IISS على الهواء.. أن ما حدث من سقوط لخط بارليف.. هو بالضبط ما حدث من سقوط لخط ماجينو فى الدفاعات الفرنسية فى بداية الحرب العالمية الثانية.. وإن اختلف الأسلوب، حيث إن القوات المصرية هاجمت خط بارليف بالفعل وبالمواجهة، بينما القوات الألمانية لم تهاجم خط ماجينو والتفت حوله من خلال جبال الأردين فى بلجيكا.

وبعد ذلك جاء استعراض مرحلة تطوير الهجوم المصرى بالقوات المدرعة للوصول إلى خط المضايق فى سيناء.. لتخفيف الضغط على القوات السورية فى جبهة الجولان.. ولقد فقدت الخطة المصرية فى هذا العرض من المناظرة نقطتين.. وعلق أساتذة معهد الدراسات الاستراتيجية على خطة التطوير المصرية.. بنفس التعليق الكلاسيكى الذى يدرس فى كل المعاهد العسكرية فى العالم لكل القادة.. لا تدع السياسى يجبرك على القيام بعمل عسكرى.. ما دمت غير قادر على تنفيذه.. أو غير مقتنع به.. أو أنه خارج التخطيط المسبق للعمليات.

وهو أحد الدروس المهمة التى أكدتها حرب ٧٣ أنه يجب ألا يجبر السياسيون القادة العسكريين على إيجاد الحل السياسى بتنفيذ عمل عسكرى غير معدين له، وهنا كسبت الخطة الإسرائيلية أول نقطتين فى المناظرة بعد نجاحها فى إيقاف تطوير الهجوم المصرى خارج رأس الكوبرى حيث نجحت فى إيقاف تقدم اللواءات المدرعة المصرية نحو منطقة المضايق.

وبدأنا فى المرحلة الأخيرة من المناظرة.. التى أعتقد أن أرييل شارون دخل هذه المناظرة فى التليفزيون البريطانى على الهواء من أجلها ليستعرض ما قام به فى عملية الثغرة غرب القناة.. واستعرض شارون الانهيار الذى كانت عليه الجبهة الدفاعية الإسرائيلية فى سيناء.. وهى التى دفعت موشيه ديان ليعلن هزيمة إسرائيل يوم ٩ أكتوبر.. وبدأت إسرائيل فى طلب إمدادات عاجلة من الأسلحة والمعدات من الولايات المتحدة الأمريكية... التى بدأت فى إرسال الإمدادات من خلال جسر جوى عاجل إلى إسرائيل.. وطلبت إسرائيل من الولايات المتحدة، طبقا لما ذكره شارون، أن تصل هذه الأسلحة والمعدات مباشرة إلى مطار العريش فى سيناء.. لأن الجبهة فى الجولان كانت قد تم الانتهاء منها.. أما الجبهة الإسرائيلية فى سيناء فكانت منهارة تماما.

وهنا نالت القوات الإسرائيلية نقطة فى تلك المرحلة حيث إنها نفذت خطة سرعة التدخل ضد القوات السورية فى هضبة الجولان ثم الانتهاء منها والتحول نحو جبهة قناة السويس.

وأضاف شارون أنه طلب على وجه التحديد الصواريخ المضادة للدبابات من الجيل الجديد من طراز TOW ذات الدقة العالية فى تدمير الدبابات وهو تطوير للجيل القديم «المالوتيكا» الروسى الذى كانت تستخدمه القوات المصرية.. وفعلًا وصل إلى العريش يوم ١٣ أكتوبر أول دفعة من المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات.. ولم تكن جديدة من المخازن ولكن تم سحبها من الوحدات المقاتلة الأمريكية العاملة فى ألمانيا.. وجرى تطقيمها بأفراد من جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم ضمن خطة الاستدعاء الإسرائيلية وأسند لقيادة هذه القوة ملازم أول احتياط إسرائيلى اسمه «جوفى» أو ما أطلق عليه فى المناظرة الملازم Joffy.

وبدأ شارون فى هذه المرحلة يشرح خطته لاختراق رأس الكوبرى فى الدفاعات المصرية للوصول إلى غرب القناة.. ليندفع إلى عمق الدفاعات المصرية.. مطبقًا نظرية ليدل هارت الاقتراب غير المباشر Indirect Approach وهى نفس النظرية التى كان يطبقها روميل فى الصحراء الغربية.. وأيضًا طبقها الجيش الألمانى فى اختراق الدفاعات الفرنسية على خط ماجينو فى الحرب العالمية الثانية.. بتجنب الهجوم على دفاعات خط ماجينو.. والاختراق من اتجاه غابات الأردين فى بلجيكا.. وبعدها انهارت الدفاعات الفرنسية تمامًا.

وشرح شارون هذا الفكر وأنه بدأ التطبيق بمحاولة اختراق الجانب الأيمن للجيش الثانى.. والذى كانت تؤمنه الفرقة ١٦ مشاة.. وذكر أنه هاجم بشراسة لمدة ٣ أيام هذه المواقع.. التى عرفت باسم «معركة المزرعة الصينية» وقاد هذا الهجوم الجنرال أدان.. والجنرال ماجن. ويقول شارون إنه استخدم كافة الوسائل والقوات.. والأساليب.. وأن نيران المدفعية الإسرائيلية ظلت تقصف هذه المواقع المصرية بلا توقف ليومين كاملين.. وتم الهجوم على هذه القوات المصرية بالقوات المدرعة وبوحدات المظلات الإسرائيلية.. والتى هى أرقى الوحدات القتالية الإسرائيلية.. تدريبًا وكفاءة.. وفشلت كل هذه الهجمات الإسرائيلية أمام صلابة الكتائب الأمامية للفرقة ١٦ فى معركة المزرعة الصينية.. وإذا كان لنا من تعليق.. فإنه يجب الإشارة.. إلى أن قائدى كتائب المشاة التى أوقفت هذا الهجوم لمدة ٣ أيام كاملة كانا هما: المقدم محمد حسين طنطاوى.. والمقدم أحمد إسماعيل عطية.. وأتذكر أنه فى إحدى زيارات الجنرال شارون بعد عدة سنوات لمصر فى زيارة رسمية.. وعندما علم أن القائد المصرى فى معركة المزرعة الصينية كان المشير طنطاوى وزير الدفاع المصرى طلب شارون أن يلتقى بالمشير طنطاوى.. ولكن على حد علمى فإن المشير طنطاوى اعتذر عن عدم مقابلته... ولم يقابله.. حتى إن شارون عندما علم بالرد الدبلوماسى لرفض المشير طنطاوى.. قال بالحرف الواحد «لقد كنت أريد أن أقابل قائدًا شجاعًا.. قاتلنى بشراسة».

وفى العدد القادم نستكمل معا ماذا حدث عندما فشل شارون فى اختراق رأس الكوبرى فى المزرعة الصينية.



Email: sfarag.media@outlook.com