العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وبرر شارون خسائره الكبيرة فى المعدات والأرواح.. بل وإصابته هو شخصيا إصابة نقلته للعلاج إلى داخل إسرائيل.. نتيجة لشراسة رجال قوات الكوماندوز المصرية.

قصة حرب أكتوبر من خلال مناظرتى مع شارون فى محطة الـBBC فى لندن - 4

 

لواء د. سمير فرج

 26 أكتوبر 2024


استعرضنا فى مقالى فى العدد السابق كيف نجحت خطة عبور القوات المسلحة المصرية وإنشاء خمسة رؤوس كبارى شرق القناة بقوة ٢٥٠ ألف مقاتل مصرى. وفشل جميع الهجمات المضادة التى قامت بها القوات الإسرائيلية على طول خطوط اختراق الدفاعات وطرد القوات المصرية، لتعود مكانها غرب قناة السويس.

كما عرضنا قصة معركة المزرعة الصينية التى بطلها المقدم حسين طنطاوى قائد الكتيبة ١٦ من اللواء ١٦ وهو يقاتل شرق القناة، ونجاحه فى صد الهجوم المضاد الذى قامت به قوات شارون لاختراق دفاعات المقدم حسين طنطاوى. (وهو الذى أصبح فيما بعد وزير الدفاع المصرى لمدة عشرين عاما).

واليوم.. نستكمل ماذا حدث عندما فشل شارون فى اختراق رأس الكوبرى فى المزرعة الصينية ونستكمل ما ذكره شارون بأنه بعدما فشل الجنرال أدان والجنرال ماجن فى اقتحام دفاعات الفرقة ١٦ مشاة لم يجد أمامه إلا أن يعبر من البحيرات المرة متجنبا هذه الدفاعات المصرية الشرسة فى المزرعة الصينية.. واندفع شارون بمجموعة قتال من سرية دبابات ومشاة واندفعوا إلى عمق منطقة الدفرسوار خلف رأس كوبرى الجيش الثانى الميدانى، حيث بدأ شارون مهاجمة قواعد صواريخ الدفاع الجوى..

وكان يكتفى بالاشتباك عن بعد من مسافة ٣ كيلومترات ليدمر رادار قواعد الدفاع الجوى.. فتتوقف بطارية الدفاع الجوى عن العمل.. حتى نجح فى عمل ثغرة فى حائط صواريخ الدفاع الجوى المصرى.. لكى تندفع القوات الجوية الإسرائيلية لأول مرة يوم ١٧ أكتوبر لتهاجم القوات المصرية.. كما هاجمت قوات شارون مواقع المدفعية المصرية غرب القناة وبذلك تم حرمان قوات رأس الكوبرى من المعاونة النيرانية من البر الغربى.

وذكر شارون أن هدفه من العبور إلى غرب القناة فى البداية كان أن يندفع للاستيلاء على مدينة الإسماعيلية.. بصفتها هدفا ذا أهمية استراتيجية والذى لو تم الاستيلاء عليه.. يمكن للجانب الإسرائيلى.. عندما يتوقف القتال فى أى مفاوضات قادمة.. باستخدام هذا العمل الحصول على مكاسب يوقف بها نزيف الخسائر أمام النصر الكبير الذى حققته القوات المصرية شرق القناة.

ويقول شارون إنه فوجئ بقتال شرس وعنيد من قوات الصاعقة المصرية غرب القناة فى منطقة الدفرسوار.. ومنطقة الجناين.. وبرر شارون خسائره الكبيرة فى المعدات والأرواح.. بل وإصابته هو شخصيا إصابة نقلته للعلاج إلى داخل إسرائيل.. نتيجة لشراسة رجال قوات الكوماندوز المصرية الذين كانوا يظهرون فى كل مكان وسط زراعات المانجو. ولذلك قرر شارون أن يتجه جنوبا نتيجة خسائره الكبيرة فى اتجاه الإسماعيلية، وأن يعيد ترتيب أوراقه.. ليكون هدفه السويس بدلا من الإسماعيلية.

وهنا نالت الخطة الإسرائيلية درجة واحدة من معهد الدراسات الاستراتيجية تحت مفهوم المرونة فى تنفيذ الخطة ما دام الهدف كان هو الاستيلاء على هدف حيوى يتم التفاوض به عند توقف القتال لتكون مدينة السويس بدلا من الإسماعيلية.

ويقول شارون إنه لم يركب طائرة الإخلاء إلا بعد أن تأكد أن قواته بدأت فى التحرك نحو السويس.. وغيرت اتجاهاتها من الإسماعيلية إلى الجنوب. وبدأ سؤال خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية لى عن خطة القوات المصرية ضد عمليات شارون. وأوضحت أن القيادة العامة المصرية أمرت بتحريك اللواء ٢٥ مدرع من الجيش الثالث شرق القناة. وكان هذا اللواء مسلحا بالدبابة ت ٧٢ التى كانت أحدث الدبابات فى الجيش المصرى فى هذا الوقت.

وكان هذا اللواء كاملا بدون أى خسائر.. لأنه حتى ذلك الوقت لم يدخل أى معركة.. واندفع اللواء ٢٥ مدرع وتقدم ببطء وحذر شديد.. من رأس كوبرى الجيش الثالث فى اتجاه الدفرسوار على البر الشرقى.. ليقفل الثغرة بين الجيشين الثالث والثانى.. وقبل وصول اللواء ٢٥ مدرع إلى رأس كوبرى الجيش الثانى بنحو ٣٠ كيلومترا، كان قد وصل إلى ميدان القتال قبلها بساعة واحدة الملازم «جوفى» ومعه كتيبة صواريخ «تو» الأمريكية الجديدة.. التى كانت قد وصلت إلى العريش منذ ثلاثة أيام وتم تدريب الأطقم الإسرائيلية عليها هناك.

وخلال المناظرة.. تم سؤال هذا الضابط الإسرائيلى (جوفى) فى مقابلة تمت معه فى إسرائيل.. عما حدث.. قال لقد وصلت لمنطقة القناة، وشاهدت وأنا متحرك غبار حركة اللواء ٢٥ المدرع المصرى.. وأمرنى قائد الجبهة بعمل ستارة مضادة للدبابات.. وقمت بإيقاف تقدم اللواء المدرع المصرى نظرا لدقة الإصابة العالية لهذا النوع من الصواريخ الذى كان مفاجأة للمصريين.

وجاء تعليق معهد الدراسات الاستراتيجية.. ليقول إن تطبيق شارون لنظرية الاقتراب غير المباشر.. كنظرية عسكرية علمية.. سليمة.. أما التطبيق فكان لا يتماشى مع أسس ومبادئ القتال.. وذكر الخبراء أن شارون لم يؤمن منطقة العبور بأى قوات.. وأن التنفيذ أشبه بعملية خاصة يطلق عليها إغارة بالقوة.. أو إغارة عسكرية.. يمكن أن تنفذها وحدات خاصة وليست عملية عسكرية رئيسية لها هدف هو الاستيلاء على مدينة ذات أهمية استراتيجية.. وأكد خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية أن قرار القيادة العامة المصرية بدفع اللواء ٢٥ مدرع كان سليما.

يستحق عليه نقطتين أيضا.. لكن دخول بطاريات الصواريخ تو غير من ميزان القتال.. وكان تعليق خبراء مركز الدراسات الاستراتيجية: لو كان اللواء ٢٥ مدرع قد نجح فى معركته شرق القناة.. ولو كانت سرعة اللواء منذ خروجه من رأس كوبرى الجيش الثالث أفضل لكان شارون وقواته قد تم تدميرهم أو أسرهم غرب القناة.. ولتغير الموقف العسكرى والسياسى فى الشرق الأوسط لعدة أعوام.

وقال خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية فى لندن إننا لا نوصى أى قائد بأن ينفذ فكر ليدل هارت بهذه المغامرة غير المحسوبة وغير المؤمنة.. وإن شارون يجب أن يشكر الملازم جوفى وأمريكا على صواريخ تو التى لولا تدخلها لفشلت العملية بالكامل، واحتد شارون بشدة على هذا التحليل من خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية وقال لهم: أنا الذى حوّلت هزيمة إسرائيل المهينة إلى نصر على ضفاف القناة.. أنا الذى رفعت العلم الإسرائيلى فوق إفريقيا.. أنا الذى جعلت المفاوض الإسرائيلى فى مباحثات الكيلو ١٠١ قادرا على أن يكون ندا للمفاوض المصرى، وبعد العار الذى جلبه ديان يوم ٩ أكتوبر ١٩٧٣وفى العدد القادم نستكمل الجزء الأخير من المناظرة التى حدثت على شاشة الـBBC مع الجنرال شارون.



Email: sfarag.media@outlook.com