العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وبالتوازى مع قرار تنويع مصادر السلاح، شهدت الصناعات الحربية المصرية تطوراً غير مسبوق، منذ إنشائها فى الخمسينيات.

أهمية قرار تنويع مصادر السلاح فى مصر
 

لواء د. سمير فرج

 13 فبراير 2025


عندما تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة البلاد منذ نحو 10 سنوات، ليصبح القائد الأعلى للقوات المسلحة، والمسئول الكامل عن أمن وسلامة مصرنا العزيزة، بدأ يستمع منذ اليوم الأول إلى تقارير قادة القوات المسلحة المصرية، كما هو متبع فى مثل هذه الأمور فى كل دول العالم، وكان أولها تقرير الاستخبارات من جميع الأجهزة الأمنية للبلاد حول العدائيات المحتملة للدولة المصرية، والتى تهدد الأمن القومى المصرى، بأبعاده المختلفة، ثم استمع لتقارير القادة حول إمكانات التصدى لهذه العدائيات لتأمين مصر؛ سواء أرضها أو استثماراتها، وحتى الأمن المائى الاقتصادى للدولة المصرية. خاصة أن الاتجاهات الإستراتيجية المصرية الأربعة، المحيطة بمصر، صارت جميعها مهددة؛ فالاتجاه الشمالى الشرقى، وهو بوابة مصر الشرقية التى جاءت منها كل الغزوات عبر العصور، بدءاً من الهكسوس منذ أربعة آلاف عام، ثم قمبيز، ثم الإسكندر الأكبر، ثم الحملات الصليبية، والتتار، والمغول، والعثمانيين، ثم الحملات الإسرائيلية عام 1956 و1967، وأخيراً الإرهاب فى سيناء لمدة ست سنوات، ثم الأوضاع فى غزة، الآن.

أما الاتجاه الإستراتيجى الغربى، ناحية ليبيا، فقد أصبح مهدداً لأمن مصر، منذ رحيل القذافى من حوالى ثلاثة عشر عاماً، بعدما حل بها حوالى عشرين ألف مرتزق من شمال سوريا، فضلاً عن القواعد العسكرية التى أقامتها تركيا بها، وانقسام ليبيا بين حكومة فى طرابلس بقيادة الدبيبة، الذى انتهت ولايته لكنه لا يزال فى الحكم، وبين رئيس الوزراء أسامة حماد فى بنغازى، إلى جانب البرلمان الذى انتهت مدته، وقائد الجيش المشير حفتر الذى نجح فى البداية فى القضاء على داعش. ورغم مرور ثلاثة عشر عاماً، لم يتحد الصف فى ليبيا، لإجراء انتخابات برلمانية أو رئاسية لاختيار قيادة موحدة، لتتجه البلاد نحو طريق مسدود، مع استمرار وجود المرتزقة والميليشيات على أرضها، بما يشكل تهديداً للأمن القومى المصرى.

وفى الاتجاه الإستراتيجى الجنوبى، يشهد السودان أزمة مستمرة منذ رحيل نظام البشير، حيث يقاتل الجيش السودانى، الذى يضم مائتى ألف جندى، قوات الدعم السريع، بقيادة الفريق حميدتى، ومعه 100 ألف مقاتل. وقد فشلت كل الجهود، سواء المصرية أو العربية أو الدولية، فى وقف إطلاق النار. ونتيجة لذلك، نزح أكثر خمسة ملايين أسرة سودانية عن منازلها، فيما يعد كارثة إنسانية، صُنفت كواحدة من أكبر المجاعات فى إفريقيا، وهو ما يشكل، مرة أخرى، تهديداً للأمن القومى المصرى.

كما أن سيطرة الحوثيين على باب المندب زادت من تعقيد المشهد، ومع تصاعد التوتر بينهم وبين إسرائيل ودول التحالف الأوروبى، لجأت السفن، بسبب ذلك التهديد، لتغيير مسارها الملاحى، والالتفاف حول طريق رأس الرجاء الصالح، مما كبد مصر خسائر اقتصادية كبيرة، منذ ذلك الحين، تجاوزت سبعة مليارات دولار، من دخل قناة السويس. أما ملف مياه نهر النيل، فلم يعد الأمر يقتصر على إثيوبيا، بل امتد لباقى دول حوض النهر، مما يتطلب استعداداً سريعاً لمواجهة أى تهديد للأمن المائى المصرى مستقبلاً، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة.

وفى الاتجاه الإستراتيجى الشمالى، فى البحر المتوسط، أصبحت حقول الغاز مطمعاً للعديد من الدول، وقد شهدنا استيلاء إسرائيل على البلوك رقم 9، داخل المنطقة الاقتصادية اللبنانية، وكذلك استحواذها بالكامل على حقل كاريش وقانا، مما دفع الولايات المتحدة إلى التدخل ومنح الحقل الثانى مناصفة بين إسرائيل ولبنان. وعلى الرغم من نجاح مصر فى ترسيم حدودها البحرية مع دول الجوار، فإن سعى تركيا لترسيم حدودها البحرية مع سوريا، بعد زيادة نفوذها فيها، الأمر الذى قد يفرض تحديات جديدة، فى الفترة القادمة.

لكل هذه الأسباب، كان من الضرورى أن تمتلك مصر قوات بحرية، قوية، قادرة على تأمين الحدود البحرية فى البحرين المتوسط والأحمر، وكذا مدخل قناة السويس، وهنا تجدر الإشادة بالقرار الاستباقى الأهم، فى العصر الحديث، الذى اتخذه الرئيس السيسى فور توليه الحكم، وهو تنويع مصادر السلاح، الذى يُعد واحداً من أهم القرارات الإستراتيجية، التى اتخذها الرئيس السيسى فى مصر، من حيث المضمون أو التوقيت، حيث بدأ تنفيذ خطة شاملة لتلبية احتياجات القوات المسلحة، عبر شراء طائرات الرافال الفرنسية، وحاملات المروحيات ميسترال، والفرقاطات من فرنسا والفرقاطات الإيطالية، وكذا أربع غواصات وأربع فرقاطات ألمانية، من أحدث الطرازات فى الترسانات البحرية العالمية، منها واحدة تُصنع فى الترسانة البحرية بالإسكندرية، بالإضافة إلى الطائرات المقاتلة الجديدة من روسيا، والمسيرات من الصين، والمدافع بعيدة المدى من كوريا.

وبالتوازى مع قرار تنويع مصادر السلاح، شهدت الصناعات الحربية المصرية تطوراً غير مسبوق، منذ إنشائها فى الخمسينيات، بالتزامن مع ثورة 23 يوليو، مما جعل مصر، اليوم، تمتلك أقوى الجيوش على مستوى إفريقيا، وعلى مستوى الدول العربية.

وبتنويع مصادر السلاح، أصبحت مصر قادرة على تأمين حدودها واستثماراتها فى البحرين المتوسط والأحمر، وأصبحت قواتها المسلحة تؤمن احتياجاتها مما يناسبها من دول العالم، بدلاً من الاعتماد على الولايات المتحدة، كمصدر واحد.

ومع تطور الأحداث العالمية والإقليمية، يتأكد لنا يوماً بعد يوم أن قرار تنويع مصادر السلاح كان أحد أهم قرارات الرئيس السيسى، وتزداد أهميته مع تغير الأوضاع فى المنطقة.



Email: sfarag.media@outlook.com