العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

والحقيقة أن الرئيس عبدالفتاح السيسى، قد خطط لتلك الزيارة بدقة شديدة، واهتم بكل تفاصيلها.

عندما صاح الرئيس الفرنسى .. يا إلهى!

 

لواء د. سمير فرج

 10 إبريل 2025


صعد الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، على سلم الطائرة الرئاسية، عائدا إلى بلاده، بعدما أنهى زيارته الرسمية إلى مصر، وانطلقت الطائرة فى طريق العودة، فنظر من نافذتها، ليرى الطائرات الرافال، التابعة للقوات المسلحة المصرية، يقودها الطيارون المصريون، وهى تحلق من حوله، حتى خروجه من الأجواء المصرية.

وفوق مياه البحر المتوسط، دخل عليه قائد طائرته الرئاسية، ليبلغه بأن قائد سرب الطائرات المصرية يستأذن فى المغادرة، لأن الطائرة الفرنسية أوشكت على الخروج من المجال الجوى المصرى، فنظر الرئيس ماكرون من نافذة الطائرة، مرة أخرى، ليرى سرب الطائرات الرافال المصرية، وهى تلوح بجناحيها، إشارة لتأدية التحية للرئيس الفرنسى، وطلبا بالإذن فى المغادرة، ليصل الرئيس الفرنسى بذلك لآخر مراحل زيارته الرسمية إلى مصر. وأجدنى أتصور الرئيس ماكرون يرجع بظهره للوراء، يسند رأسه على مقعده، بينما يصيح بالفرنسية قائلا، «oh mon dieu»، وتعنى بالعربية «يا إلهى»، انبهارا برحلته التاريخية التى أنهاها لتوه إلى مصر.

والحقيقة أن الرئيس عبدالفتاح السيسى، قد خطط لتلك الزيارة بدقة شديدة، واهتم بكل تفاصيلها، إدراكا منه لقيمة وأهمية تلك الزيارة لرئيس فرنسا، التى جاءت منها حملة نابليون إلى مصر، وفكت طلاسم اللغة المصرية القديمة، بواسطة الجندى بيير فرانسواه بوشاد، الذى اكتشف حجر رشيد عام 1799، ليتمكن العالم الفرنسى شامبليون من قراءة اللغة الهيروغليفية والقبطية القديمة على الحجر الأثرى، الذى كان سببا فى قراءة التاريخ الفرعونى القديم، والتعرف على بعض من أسراره وعجائبه، التى مازلنا ننهل منها دواعى الفخر.

فقد ظهر حسن، ودقة، التخطيط للزيارة فيما حملته كل محطة منها من هدف ورسالة، ففى رأى الجميع، أن أهم المحطات كانت زيارة منطقة خان الخليلى، فى قلب القاهرة التاريخية، والتى أخبره خلالها الرئيس السيسى بأنه وُلد، ونشأ فيها، وبها قضى حياته، بين المسلمين والأقباط واليهود، وعاشوا معا كأسرة واحدة، لا تعرف التعصب، فكانت تلك أول رسالة يتلقاها الرئيس ماكرون، وسينقلها، بالتأكيد لكل دول الاتحاد الأوروبى، أن الرئيس المصرى جاء من وسط هذا الشعب. وتابع العالم اللقطة التاريخية للزعيمين، وهما يتجولان سيرا على الأقدام فى أسواق خان الخليلى، بين ترحيب الأهالى وأصحاب المحال، بالرئيسين، اللذين علت وجهيهما الفرحة والابتسامات، ليشهد العالم بالأمن والأمان اللذين تنعم بهما مصر. وقد ذكرنى هذا المشهد بيوم زيارة الرئيس الأمريكى لمصر، بعد توقيع اتفاقية السلام، عندما نظم له الرئيس السادات موكبا شعبيا، خرج من مطار القاهرة إلى قصر القبة، فى سيارة مكشوفة، يحيط به آلاف المصريين، يلوحون للرئيس الأمريكى والرئيس أنور السادات. ويومها قال البعض للرئيس الأمريكى، إن الرئيس السادات قد جمع له كل هؤلاء بالأمر، فرد عليهم الرئيس الأمريكى، أنه لو صدق كلامهم، فكيف أمرهم بوضع تلك البسمات الصادقة فوق آلاف الوجوه.

أعتقد أن هذا ما لمسه الرئيس الفرنسى من فرحة المصريين بالرئيس السيسى، وضيفه، وتهافتهم على التصوير معهما، فلا أظن أن الرئيس ماكرون قد رأى حشدا شعبيا مثل هذا، فى حياته، ولا حتى فى فرنسا، يندفع فيه أبناء الشعب للترحيب بالرئيس، وضيفه، كل يحمل على وجهه ابتسامات صادقة، تنم عن مشاعر طيبة، عبروا عنها بهتافهم «بنحبك يا ريس ... بنحبك يا سيسي»، وهو ما نقلته للرئيس الفرنسى المترجمة المصاحبة له.

كل ذلك تذكره الرئيس ماكرون وهو ينظر من نافذه الطائرة، والطائرات الرافال المصرية تلوح له بجناحيها، فى وداعه، وكأنه يقول لنفسه ما هذا الشعب العظيم الذى يلتف حول رئيسه بكل هذا الحب. فرغم ما يصله من تقارير مكتوبة، عما تمر به مصر من ضائقة اقتصادية، تنعكس آثارها على عموم المصريين، من تضخم وبطالة وارتفاع أسعار، فإن ما رآه على أرض الواقع، عجزت التقارير عن تدوينه ونقله. والحقيقة، أن هذا هو الشعب المصرى، وتلك طبيعته السمحة، وأخلاقه الكريمة،وعرقه الطيب، خاصة إن ما زاره ضيف، وقد رآه الرئيس ماكرون على طبيعته، فى جولته بينهم فى المناطق الشعبية.

ومن ضمن حكمة التخطيط للزيارة، أن الرئيس السيسى قام بدعوة ملك الأردن لمصر، لعقد قمة ثلاثية، أكد خلالها توحيد الرؤى بشأن ضرورة إيجاد حل سلمى لإنهاء القضية الفلسطينية، مع التأكيد للعالم رفض مصر والأردن ترحيل الفلسطينيين من وطنهم إلى سيناء والأردن، وهو ما أكدته القرارات الصادرة عن القمة الثلاثية بين مصر وفرنسا والأردن. كما أعربت عنه المكالمة الهاتفية بين الرئيس ترامب والقادة الثلاثة، من أن مصر كانت، ومازالت، وستبقى دائما، هى أساس الحل لأى مشكلة فى الشرق الأوسط.

لقد نجح الرئيس السيسى، بجدارة، فى إدارة هذه الزيارة التاريخية، والشكر موصول لكل من قام على تنظيم تفاصيلها، والشكر الأكبر مستحق لهذا الشعب الأصيل، وأهالى منطقة الحسين، الذين قدموا أجمل صورة للشعب المصرى، جعلت الرئيس الفرنسى يكرر صياحه «يا إلهى على عظمة هذا الشعب». وعلى صعيد آخر، فقد حققت هذه الزيارة، مكسبا غير مباشر، على المستوى العالمى، من خلال المواقع الإخبارية، وهو الدعاية السياحية الكبيرة لمصر، إذ أظهرتها على حقيقتها كبلد آمن، وجميل، ومستقر، ويفتح ذراعيه لاستقبال جميع زواره من مختلف بلاد العالم، لينعموا فيه بوجبة تاريخية، وحضارية، وترفيهية دسمة، لا مثيل لها فى أى مكان فى العالم.



Email: sfarag.media@outlook.com