العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وفى عام ١٩٣٤، ورغم استقلال مصر عن بريطانيا ظلت، فعليًا، تحت الاحتلال بوجود الجيش البريطانى فى عدة مدن فى مصر.

عيد الجلاء يجب أن يظل فى الذاكرة
 

لواء د. سمير فرج

 21 يونيو 2025


عيد الجلاء فى مصر هو يوم ٨ يونيو كل عام، وهو العيد الذى يؤرخ يوم خروج أو جلاء آخر جندى بريطانى عن مصر عام ١٩٥٦، بعد ما يزيد على ٧٠ عامًا ظلت فيها مصر محتلة من إنجلترا.

فى ١٩ أكتوبر ١٩٥٤، وقع الزعيم جمال عبد الناصر، واللورد ستانسجيت، اتفاقية الجلاء، التى نصت على خروج الجيش البريطانى من عموم الأراضى المصرية على خمس مراحل، فى مدة عشرين شهرًا، فخرج، بالفعل، ٨٠ ألف جندى بريطانى من منطقة تمركزهم فى قناة السويس، ورحل آخر جندى يوم ١٨ يونيو ١٩٥٦. كما نصت الاتفاقية على عدم جواز استخدام مصطلح التحالف الوارد فى اتفاقية لندن فى ٢٦ أغسطس ١٩٣٦، وتم إعلان قناة السويس مجرى مائيًا دوليًا، وأنها جزء لا يتجزأ من الأراضى المصرية، وأُزيل العلم البريطانى من آخر نقطة فى مصر، وهو مبنى قناة السويس، فى مدينة بورسعيد، وهو أول مبنى قاموا باحتلاله عام ١٨٨٢.

يرجع احتلال بريطانيا لمصر لصيف ١٨٨٢، بعد انعقاد مؤتمر الأستانة، إسطنبول حاليًا، الذى قررت فيه بريطانيا ضرورة السيطرة على مصر، والتحكم فى قناة السويس، ولما رفض، حينئذ، السلطان العثمانى عبد الحميد الثانى ذلك التوجه، قررت بريطانيا احتلال مصر منفردة، وبدأ الأسطول البريطانى بقصف الإسكندرية فى ١١ يوليو ١٨٨٢، واستطاع اقتحام المدينة، والتوجه للقاهرة. وحينها أعلن الزعيم أحمد عرابى التعبئة، واشتبك الجيش المصرى، بقيادته، مع القوات البريطانية الغازية، فى معارك عدة، كان آخرها معركة التل الكبير، التى هُزم فيها عرابى، واحتلت بريطانيا مدن القناة؛ بورسعيد والإسماعيلية والسويس.

وفى عام ١٩٣٤، ورغم استقلال مصر عن بريطانيا ظلت، فعليًا، تحت الاحتلال بوجود الجيش البريطانى فى عدة مدن فى مصر، وباستمرار سيطرتها على منطقة قناة السويس. وشهدت فترة الاحتلال البريطانى لمصر، عددًا من الثورات كان أهمها ١٩١٩ بقيادة الزعيم الراحل سعد زغلول، وصولًا إلى ثورة الضباط الأحرار فى يوليو ١٩٥٢. والحقيقة أن الاحتلال البريطانى لمصر أتى ضمن المطامع العالمية فى مصر، التى ظهرت كذلك من خلال حرص هتلر على ضرورة احتلالها أثناء الحرب العالمية الثانية، لحرمان بريطانيا من طريق المواصلات إلى الهند، المضمون لها من خلال سيطرتها على قناة السويس.

لذا فواجب على الأجيال الجديدة من شعب مصر أن تعى تاريخ وطنهم الغالى، وتعلم أن هذا الشعب العظيم كان من أوائل الشعوب التى نالت حريتها، ولم تقف مصر عند هذا الحد، فحسب، بل ساعدت العديد من الدول، خاصة الإفريقية، على الخروج من عباءة الاستعمار، سواء البريطانى أو الفرنسى. ولقد كان العدوان الثلاثى على مصر، فى عام ١٩٥٦، استمرارًا لنضال شعب مصر العظيم فى الدفاع عن حرية أرضه، الذى كانت بدايته عندما رفع الرئيس عبدالناصر العلم المصرى على مبنى قناة السويس فى بورسعيد، فى ١٨ يونيو ١٩٥٦، وكانت النهاية بعد أن خرج الإنجليز من بورسعيد يوم ٢٣ ديسمبر، من نفس العام، ليسجل اليوم عيدًا للنصر، الذى يطوى صفحة الاحتلال البريطانى لمصر، وتعود مصر، كعهدها، بلدًا حرًا كريمًا.

وتشير العديد من المراجع البريطانية، تحديدًا، إلى أن أسباب حرب السويس فى عام ١٩٥٦، ترجع لشعور بريطانيا بالخطأ فى توقيع وتنفيذ اتفاقية الجلاء عن مصر، ورغبتها فى «تصويب» ذلك الخطأ، والعودة لاحتلال منطقة قناة السويس، مرة أخرى. لذلك، ففور إعلان تأميم قناة السويس، جاء القرار البريطانى سريعًا، باستغلال حقد فرنسا على مصر نتيجة دعمها ثورة الجزائر، واعتمادًا على رغبة إسرائيل فى الرد على هجمات الفدائيين المصريين على قواتها فى فلسطين، لتجعل من كل هذه العناصر وقودًا لشن العدوان الثلاثى على مصر فى أكتوبر ١٩٥٦، والذى لم يصمد أمام المقاومة المصرية حتى نهاية نفس العام. لذلك يُعد الاحتفال بجلاء الإنجليز عن مصر أحد أعظم الانتصارات المصرية فى القرن العشرين، لتعود مصر حرة بعد احتلال دام لأكثر من سبعين عامًا.

واليوم، أكتب مقالى هذا ليكون درسًا للأجيال القادمة، لكى تتعلم تاريخ مصر، وكفاح شعبها العظيم عبر التاريخ لنيل استقلاله وحريته. ورغم تغير الظروف والأزمنة فما زالت مصر تقاتل، حتى الآن، ليس من أجل استقلالها، وإنما للحفاظ على أمنها القومى، على جبهاتها الاستراتيجية الأربع؛ فى الاتجاه الشمالى لمواجهة الأطماع فى غاز المتوسط، وفى الاتجاه الشمالى الشرقى لضمان حقوق فلسطين أمام العدوان الإسرائيلى، وفى الاتجاه الغربى من ناحية ليبيا، التى تعانى انعدام الاستقرار، وفقدان بوصلة تحديد المصير، وفى الاتجاه الاستراتيجى الجنوبى حيث دخل السودان فى نفق مظلم من الحرب الأهلية، فضلًا عما يعانيه باب المندب من سيطرة الحوثيين، وما لذلك من انعكاسات على قناة السويس. ومع ذلك ستظل مصر، دومًا، صامدة وصلبة فى التصدى لكافة التحديات، للحفاظ على أمنها واستقرارها ومقدرات شعبها العظيم.



Email: sfarag.media@outlook.com