|
أربعة أيام قضيتها في تايوان ... إضافة إلى ثلاثة أيام مقسمة بين الذهاب والعودة وما تخللهما من الانتظار في المطارات ... لكي تكتمل أجازة عيد الأضحى بأكملها ... وكنت قد تلقيت دعوة من Taiwan Think Tank، للمشاركة فيمؤتمر الأمن القومي لشرق آسيا، في العاصمة التيوانية، تايبيه. وكان المؤتمر يناقش التهديدات والتحديات التي تواجه الأمن العالمي والإقليمي لحلف الناتو وآسيا. ووجهت الدعوة لي لأكون ضيف شرف المؤتمر، وبالرغم من صعوبة التوقيت، إلا أنني قبلت الدعوة لتدعيم اللواء سيد غنيم، الذي تشرفت بأن أكون قائداً له بالقوات المسلحة، في يوم من الأيام. حيث تم اختياره رئيساً لهذا المؤتمر، فاتصل بي يدعوني للمشاركة، ولأكون بجانبه، باعتبار أنها المرة الأولى التي يترأس فيها ضابطاً مصرياً، مؤتمراً عن الأمن القومي خارج مصر. ومع بدء المؤتمر، شعرت بالفخر باللواء سيد غنيم، وهو يلقي كلمة الافتتاح للمؤتمر الذي يضم ممثلين، رفيعي المستوى، عن حكومات تايوان، واليابان، وإيطاليا، واليونان، وبلجيكا، ودول غيرهم، إضافة إلى ممثلي حلف الناتو. وازداد فخري وأنا أراه يدير المؤتمر بحرفية، ودبلوماسية، وحنكة سياسية، فقد تحدث عن التهديدات الأمنية والسياسية، التي تواجه الشرق الأوسط، وتأثيرها على الناتو، ومنطقة آسيا، موضحاً الاستراتيجية الجديدة، لحلف الناتو، في مواجهة الإرهاب. وبنهاية المؤتمر، اكتسب اللواء غنيم احترام وتقدير جموع الحاضرين، واكتسبت مصر، رجل عسكري متميز، مشهود له في المحافل الدولية، وهو ما آراه إضافة جديدة للقوة العسكرية المصرية، رغم أنف الحاقدين على قدرة القوات المسلحة المصرية. أما المفاجأة الثانية، بالنسبة لي، فتمثلت في شاب مصري ... عالم في أمن المعلومات ... زميل المعهد الملكي لتكنولوجيا المعلومات ... الدكتور محمد الجندي، الذي ألقى كلمته تحت عنوان "الإرهاب في الفضاء الإلكتروني ... تهديدات جديدة ... وتحديات جديدة". والحقيقة أنه أبهر الجميع بدقة معلوماته العلمية، وحديثه عن تاريخ الإرهاب الإلكتروني، منذ بدء تنظيم القاعدة وحتى الآن. وعرض، بدقة شديدة، استخدامات الجماعات الإرهابية، في العالم كله، لتكنولوجيا الفضاء، في تحقيق أهدافها الإرهابية. كما عرض التحديات التي تواجه الأمن القومي، لكافة الدول التي تخوض حروباً مع الإرهاب، وتطرق إلى سبل مواجهة تلك التحديات، في الفضاء الإلكتروني. وتكلم بعده ممثلين عن إيطاليا واليونان، إلا أن حديث الدكتور الجندي ظل عالقاً في الأذهان، مما زادني، به، فخراً. والتقيته، في أعقاب كلمته، مشيراً إلى أنني لم أسمع عنه من قبل، فأجاباني بأن جميع مشاركاته ومحاضراته بالخارج؛ فقد حاضر في الأسبوع الماضي في اليونسكو، وقبلها في الأمم المتحدة. ولم أجد ما أقول ... فهو ليس "نجم" في الفضائيات المصرية، ولكنه، قطعاً، نجم المؤتمرات العلمية حول العالم، والتي يرتفع اسمه فيها عالياً، ويرفع معه اسم مصر، عندما يقدم بصفته عالماً مصرياً. أما الشخصية الثالثة، التي شرفت بالتعرف عليها لأول مرة، فكان رجل الأعمال المصري أشرف حنين ... صورة مشرفة لرجال الأعمال المصريين في الخارج ... واحداً من أهم رجال الاقتصاد في تايوان ... أمضى هناك ثلاثون عاماً ... وأصبح من أكبر المؤثرين في الاقتصاد التايواني، ومازال مهموماً بالشأن المصري، وهو ما دفعه لأن يقدم لي مجموعة من الأوراق التي تحتوي على العديد من الأفكار والمقترحات، التي يمكن تطبيقها في مصر، بالستعانة بالخبرات التايوانية في عدد من المجالات. ولكن تبقى المعضلة، فهل يمكن الاستعانة بالخبرات التايوانية، في ظل الظروف السياسية الحالية، وأقصد هنا الحظر المفروض من الصين، بعدم تعاون أي دولة مع تايوان؟ حملت كل هذه الأوراق معي عند عودتي للقاهرة، ومعها إصدارات المؤتمر، ومعها فخري وتقديري لابناء مصر وفرسانها، أمثال اللواء سيد غنيم، والدكتور محمد الجندي، والسيد أشرف حنين، الذين حققوا لمصر، ما لم يحققه آخرين، وكان اختيارهم للمشاركة مبنياً على سمعة كل منهم، في مجاله، في المحافل الدولية. وتذكرت قول الإمام الشافعي، عن فوائد السفر الخمس، "تفريج هم، واكتساب معيشة، وعلم وآداب وصحبة ماجد". وومما أذهلني أثناء الزيارة، هو رؤيتي لهذه الجزيرة، الصغيرة نسبياً، وقد أصبحت واحدة من أهم قلاع الصناعة والتطوير في الصناعات الإلكترونية، والعسكرية، في منطقة جنوب شرق آسيا. فقد زرت بنفسي أحد المصانع الحربية هناك، ورأيت الإنتاج المتطور من أحدث أنواع الصواريخ، والرادارات، والطائرات الموجهة بدون طيار في الترسانة العالمية، علماً بأن معظم الصناعات الحربية في الترسانة العسكرية الأمريكية، أصبحت تصنع الآن في تايوان، حيث استغلت الولايات المتحدة الأمريكية، الحظر المفروض من الصين، على دول العالم، بعدم التعاون مع تايوان، لتسخر الإنتاج العسكري التايواني، لصالح الترسانة العسكرية الأمريكية. وأثناء مأدبة العشاء، التي أقامها وزير الخارجية التايواني، للسادة المشاركين في المؤتمر، شعرت بكل الفخر بمصريتي، وأنا أجلس إلى جواره، نتحدث عن مصر وتاريخها العظيم، وكيف أنها كانت، ولازالت، وستظل محور التحركات السياسية في المنطقة. وأعرب، حينئذ، وزير الخارجية التايواني، إلى تطلعه لزيارة مصر بمجرد زوال العقبات السياسية. أما وزير الدفاع التايواني، والذي شاركنا على العشاء، فقد عبر عن فخره بالجيش المصري، وانتصاره في حرب أكتوبر 1973، وأنه ظل متابعاً لما حققه المصريون من أفكار عسكرية متطورة في هذه الحرب. وشعرت بالفخر والاعتزاز، مرة أخرى، أثناء زيارة هيئة الأمن القومي في تايوان، وما لمسته من تقدير الجميع لدور مصر في المنطقة وفي الشرق الأوسط، مؤكدين على ريادتها في مجالات السياسة الخارجية، والدبلوماسية، والعسكرية في المنطقة، وخاصة أن معظم تقديرات هيئة الأمن القومي، جاءت مؤيدة لدور مصر الريادي في المنطقة. وخلال الزيارة، هبت، على تايوان، عاصفة التايفون، ورأيت على الطبيعة، ما اعتدنا مشاهدته في الأفلام الغربية فقط، من اقتلاع الأشجار، والمنازل، ومحاولة السكان الاحتماء بأي شئ! فحمدت الله، حمداً كثيراً، على جزيل عطاءه، ونعمه على مصر، فقد حباها بابناء مخلصين، يرفعون اسمها عالياً في مختلف المحافل الدولية، كما ميزها بطقس رائع، طوال شهور العام، لا نشعر بروعته، إلا عندما نرى الأسوأ. عظيمة يا مصر! Email: sfarag.media@outlook.com |