العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
كما عاصر جيلى فارس الرومانسية، يوسف السباعي، صاحب أجمل، وأبدع الروايات التى أنتجتها السينما المصرية، نادية، ورد قلبي، وإنى راحلة ونحن لا نزرع الشوك، واذكريني.
|
نادية.. يوسف السباعي
لواء د. سمير فرج
|
24 يناير 2019
|
أعتبر جيلى من المحظوظين حقا، بالرغم مما قد يدعيه البعض، من أن الأجيال
الحديثة أوفر وأسعد حظا، لما يمتلكونه من أدوات تكنولوجيا العصر الحديث؛
كالحاسبات الآلية، وشبكة الإنترنت، التى تجوب بك العالم فى لحظات، وأنت فى
مكانك.
ولكننى مازلت مُصرا، أننا الجيل المتميز، الذى عاصر عمالقة الأدب العربي،
كعميدها طه حسين، والعقاد الذى ملك أركان الأدب العربي، أديبا وشاعرا
وصحفيا، ونجيب محفوظ صاحب جائزة نوبل، التى استحقها عن جدارة. وغيرهم
الكثيرون من عظماء القصة الرومانسية، أمثال إحسان عبد القدوس، الذى كنت
أترقب، فى مرحلة شبابي، صدور مجلة روز اليوسف، أسبوعيا، لأتابع، كجميع
أبناء جيلي، حلقات قصته الرائعة الرجل الذى فقد ظله.
كما عاصر جيلى فارس الرومانسية، يوسف السباعي، صاحب أجمل، وأبدع الروايات
التى أنتجتها السينما المصرية، نادية، ورد قلبي، وإنى راحلة ونحن لا نزرع
الشوك، واذكريني، وغيرها، ولأنه كان واحدا من الضباط الأحرار، فى ثورة
يوليو 1952، فكانت معظم أعماله الأدبية، تتناول تلك الحقبة من تاريخ مصر.
لقد عشقت أدب هذا الرجل، من قبل أن أراه، وزاد عشق وحبي، بعدما التقيته،
عندما كنت طالبا بالكلية الحربية، وجاء ليحاضرنا، فقص علينا ذكرياته وهو
طالب بالكلية الحربية، ثم وهو مدرس بها، حتى وصل إلى منصب وزير الثقافة.
أعود إلى فترة شبابي، فى مدينتى الحبيبة، بورسعيد، عندما صدرت له قصة
نادية، التى لم أكن أمتلك رفاهة شرائها، آنذاك، فكنت أذهب إلى مكتبة
القنصلية الأمريكية، فى بورسعيد، كل يوم، لأقرأ ما تيسر لى منها، حتى
أنهيتها، وحفظت سطورها وحروفها. وعشت، بخيالي، أدق تفاصيلها، فى مدينتى
جرونوبل وجاب بفرنسا، اللتين تحيطهما جبال الألب الفرنسية، والبحيرات
المنتشرة بينها، والطبيعة الخلابة، التى أبدع يوسف السباعى فى وصفها، حتى
رأيتها رأى العين، وأصبح حلمي، حينها، أن أزور هذه المنطقة الساحرة فى يوم
من الأيام. وفيما بعد، تم تجسيد الرواية فى عمل سينمائى شهير، أخرجه أحمد
بدرخان، وكتب الحوار الأديب يوسف السباعي، وقامت بالبطولة، السندريلا سعاد
حسني، بمهارتها وإتقانها، حيث أبدعت فى تجسيد شخصيتى الرواية؛ نادية
وشقيقتها التوأم مني، بمنتهى الاحترافية، وشاركها البطولة فارس السينما
المصرية أحمد مظهر، مع نخبة من ألمع نجوم ذلك العصر.
مرت الأيام والسنوات، وسافرت فى بعثة دراسية، إلى كلية كِمبرلى الملكية، فى
إنجلترا، ونظرا لتفوقي، وحصولى على المركز الأول، فى نهاية الدورة
الدراسية، فقد تم تعيينى مدرسا بالكلية، لمدة عام، وهو ما كان تكريما
كبيرا، باعتبارها المرة الأولي، التى يتم فيها تعيين مدرس، بتلك الكلية
الملكية العريقة، من خارج دول الكومنولث، وانتقلت للإقامة من سكن الطلبة،
إلى فيلا هيئة التدريس. سمح لى فائض راتبي، من الحكومة البريطانية، فى
نهاية مدة تعييني، أن أشترى سيارة جديدة من إنجلترا، وبدلا من تسلمها من
ميناء الإسكندرية، فور عودتى إلى مصر، قررت تسلمها فى إنجلترا، لأحقق حلمى
القديم، بزيارة مدينة جاب الفرنسية، لأري، على الطبيعة، ما أبدع يوسف
السباعى فى وصفه فى رواية نادية.
ركبت سيارتى الجديدة، ومعى زوجتى وابنتى الكبيرة، الصغيرة حينها، رانيا،
وعبرنا بحر المانش، بالعبارة، من إنجلترا إلى فرنسا، ثم إلى باريس، فقضينا
بها ليلتنا، قبل أن نتوجه فى صباح اليوم التالي، جنوبا إلى مدينة ليون،
ووصلنا إلى جرونوبل، وبعدها إلى مدينة جاب فى منتصف اليوم، فتركت زوجتى
وابنتى فى أحد مطاعم القرية الصغيرة، العامرة بألذ الأطباق الفرنسية
الأصيلة، وانطلقت أتجول فى جنبات المدينة، لساعات طويلة، أستعيد خلالها
تفاصيل وصف يوسف السباعي، التى حفظتها عن ظهر قلب ... فها هى البحيرة التى
تمتلئ بالمياه من جبال الألب الفرنسية، وها هى الصخرة، ولابد أن تلك هى
المدرسة التى عملت بها نادية، وهذه طرقات المدينة الجميلة النظيفة.
لم أنتبه للوقت، إلا على صوت زوجتى تنبهنى أن الليل يقترب، ونحن على موعد
لعبور الحدود الفرنسية إلى إيطاليا، فبدأنا التحرك، وأمامنا جبال الألب،
تكسو قممها الثلوج البيضاء، فى مشهد مبهج أسعد صغيرتي. كنت أستخدم خريطة
للطرق، لا تحتوى هيئات الطبيعة، فلم أدر أننى أصعد جبال الألب بالسيارة،
حتى رأيت منحنيات الجبال، وشيئا فشيئا بدا الطريق كله مغطى بالثلوج، ولا
يظهر منه سوى علامات إطارات السيارات، التى تسير أمامنا. ورغم أن المسافة
كانت 200 كم، إلا فإننا قطعناها فى 5 ساعات، حتى وصلنا إلى نقطة الحدود
الفرنسية-الإيطالية، وكان الليل قد أحكم ظلامه علينا، وتعذرت الرؤية تماما،
فمكثنا على نقطة الحدود أكثر من ساعة، وقام ضابط الجوازات بتفتيش السيارة،
قبل أن يسمح لنا بالمرور، ووجدها ممتلئة بالمراجع الدراسية التى حملتها معى
من إنجلترا، وبعض الأغراض الشخصية لعائلتي.
دخلنا أول استراحة صادفتنا فى إيطاليا، فى إحدى قرى التزلج على الجليد
المنتشرة فى تلك المنطقة الحدودية، لنتناول شيئا من الطعام وشرابا ساخنا،
وفى أثناء حديثى مع ابنتي، تقدم نحوى شاب، وسألنى بالعربية، أنت مصري؟،
فأجبته بالإيجاب، وتصافحنا، وعلمت أنه مصرى يعيش فى إيطاليا، ومعه زوجته فى
رحلة للتزلج. وعندما علم بنيتى للاتجاه إلى إيطاليا، أفاد باستحالة القيادة
ليلا، لخطورة الانزلاق من على مرتفعات جبال الألب الإيطالية، وبكرمه
المصري، أصر على أن نقضى ليلتنا معه، هو وزوجته، التى رحبت بنا بشدة، فى
ذلك الكوخ الخشبي، الذى طالما رأيناه فى الأفلام الأجنبية، حيث تناولنا
العشاء حول نار المدفأة، وخلدنا إلى النوم، واستيقظنا فى السادسة صباحا،
فإذا بهما قد أعدا لنا وجبة الإفطار، ولم يكتفيا بذلك، ولكن بشهامة المصرى
الأصيل، خلع سلاسل حديدية يستخدمها فوق إطارات سيارته، لتعينه فى المناطق
الثلجية، وقام بتركيبها على إطارات سيارتي، لتأمينها ضد مخاطر الطريق.
غادرنا جبال الألب الإيطالية، وأعتقد أنه لولا فضل من الله، ثم هذه
السلاسل، ما وصلنا إلى نابولي، فى قلب إيطاليا، لنصعد إلى السفينة المصرية،
التى أقلتنا إلى الإسكندرية... وهكذا انتهت مغامرتى بالوصول إلى جاب، وحققت
أحد أحلام شبابي، بعدما قرأت رواية نادية للأديب الكبير يوسف السباعى.
Email: sfarag.media@outlook.com
|