العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
وفي هذا العام، اختارت وزارة الثقافة مدينة بورسعيد لتكون “عاصمة الثقافة المصرية”، وقررت الدكتورة/ إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، واللواء عادل الغضبان محافظ بورسعيد، أن يتم تكريم رموز مصر، الأحياء، من أبناء بورسعيد الباسلة.
|
تكريم علي قيد الحياة
لواء د. سمير فرج
|
1 إبريل 2021
|
اعتدنا، في الماضي، أن تكريم رموز مصر، يكون، غالباً، بعد رحيلهم عن الحياة، وهو ما قد يكون مقبولاً في حالة الشهداء، الذين ضحوا بحياتهم فداءً للوطن، أما من يرفع اسم مصر عالياً، في شتى المجالات، فأرى أن تكريمهم واجب على قيد الحياة. وإيماناً بهذا المبدأ، فقد طبقته، وأنا محافظ للأقصر، بتكريم الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء الأسبق، والسيدة فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي الأسبق، والمهندس أحمد المغربي وزير الإسكان الأسبق، بإطلاق أسماءهم على شوارع الأقصر الرئيسية، نظير ما بذلوه من دعم، عظيم، لخطة التنمية الشاملة بالمحافظة.
وفي هذا العام، اختارت وزارة الثقافة مدينة بورسعيد لتكون “عاصمة الثقافة المصرية”، وقررت الدكتورة/ إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، واللواء عادل الغضبان محافظ بورسعيد، أن يتم تكريم رموز مصر، الأحياء، من أبناء بورسعيد الباسلة، ومنهم السيدة فايزة أبو النجا المستشار الحالي للسيد رئيس الجمهورية ووزيرة التعاون الدولي الأسبق، واللواء دكتور/ سمير فرج محافظ الأقصر الأسبق ومدير إدارة الشئون المعنوية الأسبق، والكاتبة الصحفية سكينة فؤاد، والمخرج الكبير سمير العصفوري، والفنان مسعد خضير البورسعيدي، والمخرج الكبير محمد سالم، وكان من ضمن القائمة، الفنان المبدع محمود ياسين، لولا أن غيبه الموت عنا.
كان اختيار بورسعيد “عاصمة للثقافة المصرية”، هذا العام، اختياراً موفقاً من وزارة الثقافة، إذ شهدت المدينة، على مدار تاريخها، تعانق الحضارات المختلفة، فكانت مثل الإسكندرية، في القرن الماضي، مركزاً لتجمع الجاليات الأجنبية من الإنجليز، والإيطاليين، والفرنسيين، واليونانيين، وغيرهم، فامتزجت هذه الثقافات المتعددة مع الثقافة المصرية عامة، والبورسعيدية خاصة، وهو ما انعكس على مختلف مناح الحياة في بورسعيد، سواء في شكل مبانيها القديمة، مثل الحي الافرنجي، أو على عادات وسلوكيات المواطن؛ ففي يوم من الأيام تفوقت أعداد دور السينما، في بورسعيد، على جميع محافظات مصر، وكذلك عدد المكتبات والنوادي الاجتماعية. ورغم ذلك لم تفقد بورسعيد أصالتها، فاستحق محافظها، اللواء/ عادل الغضبان جائزة دولة الإمارات للتميز الحكومي، في مطلع العام الجاري.
أما الاحتفالية، وتكريم رموز المحافظة، فقد خرج في صورة رائعة، تعبر عن أصل مدينة بورسعيد، بدءاً من أغاني السمسمية ورقصات البمبوطية الفلكلورية، التي اشتهرت بها المحافظة، والتي قدمها ثلاثة أجيال من الفنانين، للتأكيد على تواصل واستمرار هذا الفن البورسعيدي، عبر الأجيال. وأعقب ذلك معرضاً لصور تاريخ بورسعيد منذ نشأتها، جيشت المشاعر في داخلنا، ونحن نمر على صور مدينتنا الجميلة، التي عشنا فيها أجمل سنوات عمرنا، فتوقفت الوزيرة فايزة أبو النجا، أمام إحداها، صائحة “شايف مدرستي القديمة يا سمير”، بينما أناديها أنا قائلاً “وده لسان ديليسبس الذي أمضينا عليه أجمل أيام طفولتنا”.
لم يفوّت الحضور صورة دون التدقيق في تفاصيلها، واسترجاع الذكريات معها؛ فتلك معدية بورسعيد القديمة، وحولها طيور النورس البيضاء الجميلة، التي كانت تنقلنا من بورسعيد إلى بورفؤاد، مقابل 2 مليم، في واحدة من أمتع النزهات، لمدة نصف ساعة، على ظهر المعدية، التي صممها الفرنسيون بطراز فريد، غني بالتصميمات الهندسية الرائعة، على عكس ما نراه حالياً. ثم صور كازينو بالاس القديم، ومحل سيمون آرزت، أول سوق تجاري متعدد الطوابق في مصر، وشاطئ بورسعيد الجميل، قبل أن تشوهه القرى السياحية، وغيرهم من الصور التاريخية، التي استدعت أجمل ذكريات العمر، في مدينتنا الحبيبة، بورسعيد.
وكانت أقوى الذكريات، تلك التي استرجعناها، ونحن نطلع على صور عدوان 56، الذي تصدت فيه بورسعيد، ببسالة، لهجوم إنجلترا وفرنسا؛ فعلى الرغم من حداثة سننا، حينها، إلا ذكرياته محفورة في وجدان جميع أبناء بورسعيد، حتى ممن لم يعاصروه، لما يقصه، للأجيال المتعاقبة، عن تاريخ وبطولات شعب بورسعيد، وهو ما أتمنى تعميمه بكل محافظات مصر، بأن يكون لكل منها متحفاً خاصاً، يحكي تاريخها القديم والحديث، لكيلا يقتصر التاريخ المصري على حقبة الفراعنة، فمصر مليئة بالبطولات الجليلة.
ومع بدء مراسم التكريم، اجتاحتني عاصفة من المشاعر، أعجز عن وصفها؛ فالتكريم، هذه المرة، جاء من مدينتي الحبيبة، التي أدين لها بالفضل لكثير مما تراكم لدي من ذكريات جميلة، وخبرات علمية وعملية. ومع كلمات وزيرة الثقافة ومحافظ بورسعيد، مر شريط الذكريات، أمام عيناي، منذ الطفولة ونشأتي في حضن هذه المدينة الجميلة، متعددة الثقافات، التي كان أصدقائي في الصباح بالمدرسة من المصريين، وبعد الظهر من الأجانب من جيراني بالسكن. مروراً بآلام حرب 56، حتى انسحاب القوات المعتدية في 23 ديسمبر، من نفس العام، لنحتفل بعيد النصر، كل عام، بمشاركة الرئيس عبد الناصر. ثم مرحلة الثانوية العامة، ومباريات النادي المصري، أحد أعمدة الحياة في بورسعيد، وأيام وليالي الصيف الجميلة على شاطئ بورسعيد، وحفلات السمسمية، وألذ أكلات السمك في العالم، دون مبالغة.
تلك المدينة الجميلة، التي تركتها في سن الخامسة عشر، لالتحق بالكلية الحربية، وعدت إليها، بعد تخرجي عام 63، كمشارك في طابور العرض، أمام رئيس الجمهورية، أثناء الاحتفال بعيد النصر، بعدما كنت أطير فرحاً وأنا أصفق للمشاركين في هذا الطابور، في طفولتي. قبل أن أسافر للمشاركة في حرب اليمن، التي عدت منها للمشاركة في حرب 67، وما تلاها من معارك الاستنزاف، حتى حققنا النصر في حرب أكتوبر 73 المجيدة.
ورغم مسئولياتي بالقوات المسلحة المصرية، وما بعدها، إلا أن زياراتي لبورسعيد لم تنقطع، حتى بعد وفاة والدي ووالدتي، رحمة الله عليهم، بل ظلت في قلبي والله … وكانت لحظة صعودي للمسرح للتكريم، من بورسعيد، بلد البطولة والشهامة، أغلى اللحظات التي منّ الله بها عليّ وأنا على قيد الحياة.
Email: sfarag.media@outlook.com
|