العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
خلال مسيرتها، وعلى صعيد السياسة الخارجية، ركزت المستشارة ميركل على تعزيز التعاون الأوروبى، حتى وصفها الجميع بالحاكم الفعلى للاتحاد الأوروبى، إذ أصبحت ألمانيا تدير دفة الاقتصاد الأوروبى، بل وتحدد اتجاهاته السياسية
|
«وداعا ميركل... «المرأة الحديدية
لواء د. سمير فرج
|
16 ديسمبر 2021
|
فى مساء يوم 31 ديسمبر، من العام الماضى، وتحت قبة البرلمان الألمانى، البوندستاج، وقفت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، لتهنئ أعضاء البرلمان، والشعب الألمانى، بالعام الميلادى الجديد، معلنة أنها المرة الأخيرة التى ستهنئهم بتلك المناسبة، بصفة رسمية، بعدما قررت عدم الترشح، للمنصب، فى الانتخابات المقبلة، والمقررة بعد تسعة أشهر، من ذلك اليوم، بعد تربع هذه المرأة الحديدة على قمة الدولة الألمانية، لمدة 18 عاما، متواصلة، وهو ما كان مفاجأة مدوية بين الأوساط السياسية، على مستوى العالم أجمع.
بدأت المستشارة الألمانية، المولودة فى عام 1945، حياتها العملية كعالمة أبحاث، بعد حصولها على درجة الدكتوراه فى الكيمياء الفيزيائية، وذلك قبل أن تقرر خوض انتخابات البوندستاج، فى عام 1990،بعد توحيد ألمانيا، وتفوز بعضويته عن ولاية مكلنبورج، ليلمع اسمها فى عالم السياسة، ويتم تعيينها وزيرة للمرأة والشباب فى عام 1991، ثم وزيرة للبيئة عام 1994. وفى عام 1998 انتُخبت ميركل لمنصب الأمين العام لحزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى، قبل أن تصبح زعيمة له بعد عامين، وتترشح منه، فى عام 2005، لمنصب المستشار الألمانى، والتى فازت بها، للمرة الأولى، وأُعيد انتخابها، مرة ثانية،فى عام 2009، ثم مرة ثالثة عام 2013، ثم مرة رابعة عام 2017، والتى قررت فى نهايتها عدم الترشح لمرة خامسة.
خلال مسيرتها، وعلى صعيد السياسة الخارجية، ركزت المستشارة ميركل على تعزيز التعاون الأوروبى، حتى وصفها الجميع بالحاكم الفعلى للاتحاد الأوروبى، إذ أصبحت ألمانيا تدير دفة الاقتصاد الأوروبى، بل وتحدد اتجاهاته السياسية، سواءعلى مستوى دول الاتحاد الأوروبى، أو باقى دول العالم. وبفضل القوة الاقتصادية لبلادها، فقد كان لها القول الفصل، بين دول الاتحاد الأوروبى، فى مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية، عام 2008، لمنع إفلاس دول مثل قبرص واليونان والبرتغال، من خلال حزم الدعم المالى، لتفادى الآثار السياسية لسقوط أى دولة من دول الاتحاد الأوروبى، وما لذلك من انعكاسات سلبية على الكيان الاتحادى، وثقله.
وعلى مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة، فلقد نجحت فى توثيق علاقات بلادها مع كل الرؤساء الأمريكيين المعاصرين لفترة حكمها، ووصفها أوباما بأنها أقرب شريك دولى، إلا الرئيس ترامب، الذى شابت العلاقات الثنائية، فى عهده، بعد التعقيدات، وصلت لحد تهديده بسحب القوات الأمريكية الموجودة فى ألمانيا، ومع ذلك لم تستجب ميركل لضغوطه، وحافظت على علاقات بلادها المتوازنة مع الصين كأحد أهم الشركاء التجاريين. واختارتها مجلة فوربس العالمية، مرتين،كشخصية العام، وفى عام 2015، لقبتها مجلة تايم الأمريكية بنفس اللقب، واحتلت صورتها غلاف المجلة الأمريكية.
أما سياستها الداخلية، فقد أكدتها بلغة الأرقام، بنجاحها فى خفض معدل البطالة، إلى أدنى مستوياته فى تاريخ ألمانيا، ليصل إلى 4,9%، وحولت عجز الميزانية إلى فائض، وبدأت فى تحويل بلادها لاستخدام الطاقة النظيفة. كما حققت، ميركل، طفرة كبيرة فى رفع مستويات التعليم والرعاية الصحية، وقادت حملة إصلاح وتطوير ألمانيا الشرقية، بعد انضمامها إلى ألمانيا الموحدة، لإزالة جميع الفروقات بين مستويات الخدمات والبنية الأساسية. ولإحداث توازن فى النسيج الديمغرافى للمجتمع الألمانى، قررت السماح للاجئين السوريين بدخول ألمانيا، للحد من هجرة الأتراك إليها.
وعلى الصعيد الشخصى، فلقد تزوجت فى سن 23، من زميلها عالم الفيزياء أولريش ميركل، ورغم طلاقهما، فى عام 1982، إلا أنها احتفظت باسم العائلة، وتزوجت، للمرة الثانية، زوجها الحالى، أستاذ الفيزياء الكم يواخيم زاور، الذى آثر البعد عن الأضواء، وليس لديها أطفال من الزيجتين. عُرف عنها ولعها الشديد بكرة القدم، وهو ما ظهر من حرصهاعلى حضور المباريات، خاصة مباريات المنتخب الوطنى الألماني. ورغم نجاحها الباهر فى السياسة والإدارة، إلا أنها تعرضت لانتقادات حادة، كان أبرزها بسبب مشاركتها فى تسليم جائزة M100الإعلامية لرسام الكاريكاتير الدنماركى كورت فيستر جارد، صاحب الرسوم المسيئة للرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، وهو ما تداركته بإدانتها حرق القرآن الكريم من قبل القس تيرى جونز فى فلوريدا.
تتمتع ميركل بشعبية كبيرة داخل المجتمع الألمانى، ليس فقط بسبب سياستها المتوازنة، التى جعلت بلادهم تحتل مكانة كبرى على مستوى العالم، وإنما، أيضا، لما لمسوه منها من بساطة فى المظهر العام، إذ لاحظوا عليها احتفاظها بملابسها، وتكرارها، عبر السنين الطويلة، وهو ما لا يُعهد كثيرا، خاصة من السيدات، كما تجلت بساطتها فى حرصها على تناول طعامها فى الأسواق العامة،خلال عطلات نهاية الأسبوع، رغم ما كان يحمله ذلك، من بعض الرسائل السياسية، مثل تناولها الشاورما فى المطاعم السورية، لتأكيد سياستها بالترحيب باللاجئين السوريين فى ألمانيا.
وهكذا، وبعد 18 عاماً من العطاء السياسى، تم انتخاب مستشار ألمانى جديد، وهو السيد أولاف شولتس، وتغادر المرأة الحديدية، منصبها، كثانى حاكمة سياسية، تحصل عل هذا اللقب، بعد رئيسة الوزراء البريطانية الأسبق، السيدة مارجرت ثاتشر، بعدما استحقت تقدير وحب واحترام، ليس الشعب الألمانى، فحسب، وإنما العالم كله، وهو ما عبر عنه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى، بالثناء على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، واصفا إياها بالشخصية العظيمة ذات النمط القيادى الفريد، الذى يجمع بين الحكمة والقوة، والتى أنجزت طوال مسيرتها السياسية البراقة الكثير تجاه وطنها وشعبها، وأوروبا والعالم، ومشيدا بدورها المحورى، الذى شهده سيادته، خلال السنوات السبع الماضية، فى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين والشعبين الصديقين.
Email: sfarag.media@outlook.com
|