|
طبقاً لمفاهيم علوم الاستراتيجية والأمن القومي، فإن القوى الشاملة للدولة تنقسم إلى ثلاثة عناصر رئيسية؛ القوى العسكرية، والقوى السياسية، والقوى الداخلية التي تحتوي على عناصر القوة الاقتصادية، والقوة الاجتماعية، والقوة الثقافية، والقوة المعنوية، والقوة السكانية. وعند تطبيق هذه المفاهيم العلمية على مصر، فإن القوة العسكرية المصرية تتمثل في قواتها المسلحة، والتي صنفها تقرير جلوبال فاير باور Global Fire Power مؤخراً، أنها في الترتيب العاشر عالمياً، متفوقة بذلك على دول المنطقة عسكرياً، عدا إسرائيل، التي سبقتها مباشرة في المركز التاسع. ولقد حققت القوات المسلحة المصرية هذا المركز المتقدم، نتيجة دعم التسليح الذي نالته مؤخراً من الرئيس السيسي، بإتمام صفقة طائرات الرافال الفرنسية وحاملات الطائرات، إضافة إلى الأسلحة والمعدات الروسية والصينية. كما أن الخبرة القتالية للقوات المسلحة المصرية في حرب أكتوبر 73، قد ميزتها عن باقي القوى العسكرية،ودفعت بها إلى ذلك المركز. وتجئ الصناعات الحربية في مصر، سواء كانت في الهيئة العربية للتصنيع، أو في مصانع وزارة الإنتاج الحربي، لتضيف ميزة نسبية لقوة مصر العسكرية. حيث تغطي احتياجات الجيش المصري من الذخائر، والعربات المدرعة، والدبابة M1A1، أحدث دبابات العالم. ويوضع في الحسبان، وجود قوات الأمن المركزي، المكلفة بمهام الدفاع عن الأهداف الحيوية داخل الدولة، لتتيح للقوات المسلحة التفرغ لمهامها الأصيلة في الدفاع عن الوطن وحدوده ضد أعداء الخارج. أما العنصر الأخير، الذي يضاف إلى قوة الجيش المصري، فهو الجندي المصري، ذو المؤهلات العليا، القادر على استيعاب التطور التكنولوجي في الأسلحة، الذي أصبح سمة التسليح في العصر الحديث. والذي قال عنه الجنرال شارون، في مناظرة التليفزيون البريطاني BBC، أن هذا الجندي المصري كان مفاجأة حرب 73. أما القوى السياسية لمصر، فبوصول الرئيس السيسي إلى رأس الدولة، بدأ في إصلاح كافة الأخطاء في الملفات السياسية الخارجية المصرية، وكان أول ما بدأ به هو الملف الأفريقي، حيث أعاد مصر، مرة أخرى إلى أفريقيا، وأعاد أفريقيا إلى مصر. فقد شهد هذا الملف تدهوراً بعد رحيل الرئيس عبد الناصر، وبعد أن ترك الدكتور بطرس غالي وزارة الدولة للشئون الخارجية، التي كانت متفرغة للعمل على ملف العلاقات الأفريقية. فأعاد الرئيس السيسي التفاعل مع منظمة الوحدة الأفريقية، وحضر اجتماعاتها. ونظمت مصر مؤتمراً اقتصادياً لدول أفريقيا، في فبراير الماضي في شرم الشيخ، كما أحيا رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الزيارات إلى الدول الأفريقية. ولعل آخر هذه التحركات، هو زيارة رئيس موريتانيا، بعد 40 عاماً من الجفاء السياسي، خاصة وأن مصر تعمل، حالياً، على تنمية علاقاتها مع الدول الأفريقية، بهدف الحصول على تأييدهم، لتمثلهم مصر، كعضو دائم في مجلس الأمن. أما عن علاقات مصر مع باقي دول العالم، فقد عاد الدفء، مرة أخرى، إلى العلاقات المصرية مع كل من روسيا والصين، على سبيل المثال، إضافة إلى إعادة مد الجسور مع دول شرق آسيا مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، والهند، وغيرهم. فضلاً عن تركيز الرئيس السيسي على دعم العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي، وذلك من خلال زياراته إلى معظم تلك البلدان، مثل إنجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، وقبرص، واليونان. أما العالم العربي، فإن السياسة الخارجية المصرية تسير بخطى متميزة، وتطورت هذه العلاقات بفضل مجهودات الرئيس المصري، الذي يدير كافة العلاقات الخارجية المصرية بامتياز. وهو ما يؤكده حفاظه على هدؤوه نحو أفعال كل من قطر وتركيا في المنطقة. أما فيما يخص المشكلة الليبية، فإن مصر تراقب الموقف، بكل تفاصيله، باعتبارها مشكلة تهدد الأمن القومي المصري مباشرة، وتعمل بكل الطرق السياسية والعسكرية، لاحتواءه بالأسلوب المباشر. وفيما يخص ملف حوض نهر النيل، فإن الدبلوماسية المصرية، مازالت هي الطرف المسيطر، المطلوب منه الوصول إلى حل لتلك المشكلة، حتى لا تضطر مصر للجوء إلى حلول أخرى. ويتبقى في السياسة الخارجية المصرية، الموقف مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أرى الرئيس يتعامل معه بحذر ونجاح، في انتظار وصول الرئيس الأمريكي الجديد مع مطلع العام القادم. مما تقدم، فإن القوى السياسية المصرية، هي اللاعب الرئيسي في قوة مصر في المجتمع الدولي. ولا شك أن وجود مصر، حالياً، على مقعد غير دائم في مجلس الأمن، سيزيد من قوتها في الفترة القادمة، تمهيداً لأن تشغل هذا المقعد بصفة دائمة، ممثلة لأفريقيا، بإذن الله. أما القوى الداخلية ... فعند الحديث عن القوة الاقتصادية لمصر، ورغم صعوبة ما تمر به من ظروف اقتصادية، حالياً، نتيجة توقف السياحة، باعتبارها من أهم موارد الدخل القومي، إلا أن الأمل موجود باحتمالات اكتشاف الغاز الطبيعي حتى عام 2020، التي ستدفع إلى تحسن الاقتصاد المصري بصورة كبيرة، وهو ما أكدته إحدى الوثائق الأمريكية الحديثة، التي تناولت الاقتصاد المصري حتى عام 2020. إضافة إلى خطة مصر المستقبلية، التي أعلنها الرئيس السيسي، حتى عام 2030. أما القوة الاجتماعية، فإن حضارة مصر العظيمة، وبالرغم من السموات المفتوحة والإعلام الذي قد وصل إلى كل منزل، قد حفظت لها تقاليدها وتراثها، مما جعل شعب مصر قوياً، ومترابطاً رغم محاولات الفتنة الطائفية، التي انكسرت على صلابة هذا المجتمع. تلك القوة الاجتماعية التي تعد أهم قوى الشعب المصري، والتي تميزه عن باقي جيرانه في المنطقة. أما القوة الثقافية، أو القوة الناعمة المصرية، فلازال لمصر تأثيرها القوي على جميع دول المنطقة، بتراثها وكنوزها الثقافية العظيمة، وآثارها التي لا يضاهيها مثل في العالم بأسره. ويضيف الفن المصري، بكافة أطيافه، قوة كبيرة لمصر في المنطقة، بل وقوة مؤثرة بين جيرانها من الشعوب العربية. وحدث ولا حرج عن القوة المعنوية للشعب المصري، ففي أقسى ظروف الهزيمة في يونيو 67، وأيام حرب الاستنزاف، وتهجير أهالي القناة، فإن الشعب لم يشعر يوماً بالهزيمة أو الاستسلام، فهو شعب يملك في مكوناته روحاً معنوية عظيمة. وليس أدل على ذلك، من أن معهدالدراسات الاستراتيجية في لندن، بعد حرب أكتوبر 73، قالت أن الشعب المصري قد غير مفاهيمنا في حساب قوى الدولة الشاملة، فلم نضع في حساباتنا الروح المعنوية للشعب المصري وجيشه في حرب 73، التي قلبت موازين حسابات القوى الشاملة. فحسابات معهد الدراسات الاستراتيجية International Institute for Strategic Studies (IISS)، قبل حرب 73، كانت تؤكد أن النصر سيكون لإسرائيل، حال دخولها حرباً مع المصريين. ولكن جاءت الروح المعنوية للجيش والشعب المصري، لتغير كافة حسابات معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن، وتنتصر مصر في هذه الحرب. وآخر عناصر القوى الداخلية لمصر، هي القوى السكانية وتوزيعها الديموجرافي، والتي وصلت مصر فيها الآن إلى 90 مليون نسمة، يمثل الشباب منها نسبة 60%، وهو ما يعتبر مصدر قوة كبير لمصر، إذا أحسن تدريبها، والقضاء على أميتها، والاهتمام بعناصر التنمية البشرية وهي الصحة والتعليم. فالسرعة التي تتحرك بها الحكومة المصرية للقضاء على فيروس سي، هو تقدم كبير في مجال الصحة. ثم التطوير المنتظر في مجال التعليم، علاوة على ضرورة تدريب عمالة ماهرة لتشارك في مسيرة التقدم الاقتصادي، وإلا تكون هذه القوى البشرية هي أول معاول هدم القوة المصرية، إن لم يحسن استغلالها. من ذلك كله، فإننا نرى أن القوى الشاملة للدولة المصرية، تدفع فينا الأمل إلى مصر جديدة، في عالم جديد، ستظهر بوادره اعتباراً من عام 2020، لتسمح للأجيال القادمة بحياة يستحقها هذا الشعب العظيم، وتعيد لمصر أمجادها. ولن أخوض، هنا، في النظريات الاستراتيجية لحساب القوى الشاملة، ومعادلاتها، وتقديراتها، ولكن هذا العرض كفيل بالتأكيد على رؤية مصر قريباً، دولة قوية وعظيمة ... بإذن الله. Email: sfarag.media@outlook.com |