العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
يأتي تحرك مصر من خلال تعريف مراجع الاستراتيجيات لدوائر الأمن القومي، الذي يقسمها لثلاثة دوائر؛ الدوائر البعيدة، والدوائر القريبة، اللذين يتقاطعان فيما بينهما فيما يعرف باسم الدوائر الخطرة.
|
الاستراتيجية المصرية نحو دول القوي العظمي
لواء د. سمير فرج
|
8 سبتمبر 2017
|
تتبني مصر استراتيجيات محددة
في تعاملاتها مع الدول أوالتكتلات العالمية، بما يتسق مع سيادتها، وبما
يتناسب مع أمنها القومي، الذي هومفتاح وجهتها، وبوصلتها عند اتخاذ القرارات
الاستراتيجية، وتحديد سياساتها المستقبلية.
يأتي تحرك مصر من خلال تعريف مراجع الاستراتيجيات لدوائر الأمن القومي،
الذي يقسمها لثلاثة دوائر؛ الدوائر البعيدة، والدوائر القريبة، اللذين
يتقاطعان فيما بينهما فيما يعرف باسم الدوائر الخطرة، ذات الطبيعة
المتغيرة، وفقاً لتغير الأحداث العالمية.نتناول اليوم في حديثنا
الاستراتيجية التي تتبناها مصر نحودول القوي العظمي، التي تؤثر علي أمنها
القومي، من منظور بعيد، وتعد في ذات الوقت امتداد له. تشمل تلك
الاستراتيجية عددا من الدوائر البعيدة للأمن القومي المصري، وهي الدائرة
الأمريكية، والدائرة الأوروبية (عدا روسيا)، والدائرة الروسية، ثم الدائرة
الآسيوية، وأخيراً دائرة جنوب غرب آسيا. وقد تحدد ترتيب تلك الدوائر وفقاً
لأهميتها بالنسبة لمصر، سوف نتناول كل منها بشئ من التفصيل.
الاستراتيجية المصرية نحوالولايات المتحدة الأمريكية، التي تعد حالياً، أهم
دوائر الأمن القومي المصري البعيدة، نظراً لعدة عوامل، منها اعتماد مصر،
إلي حد كبير، علي التسليح الأمريكي، من خلال المعونة العسكرية الأمريكية
لمصر، المُقررة باتفاقية السلام بكامب ديفيد. إضافة إلي القوة السياسية
للولايات المتحدة الأمريكية، ودعمها الحالي لمصر، بعد وصول الرئيس ترامب
للسلطة، وحرصه علي إعادة التوازن في العلاقات السياسية والعسكرية بين مصر
والولايات المتحدة الأمريكية، بعد سنوات من حدوث خلل في ميزان تلك العلاقة
الاستراتيجية، القائمة، تاريخياً، علي أساس التحالف، وذلك بسبب سياسات
الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، والتي أظهر فيها الكثير من التعنت
تجاه مصر. أما الآن، فقد بلغت العلاقات الثنائية قمتها بدخول أمريكا إلي
الشرق الأوسط للتعاون مع مصر في حربها للقضاء علي الإرهاب، وقطع أواصره في
المنطقة ... ومن ناحية أخري، من خلال اعتبارها لمصر أحد أهم دول الارتكاز
في المنطقة، التي علي أساسها تضع الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجيتها
نحوالشرق الأوسط. ومن هنا جاءت أهمية هذه الدائرة الأولي، المتمثلة في حاجة
مصر إلي الدعم الأمريكي، سياسياً وعسكرياً، خاصة في المحافل الدولية.
أما من حيث الاستراتيجية المصرية نحوالدول الأوروبية، التي تحتل المرتبة
الثانية في ترتيب دوائر الأمن القومي المصري البعيدة، فتكتسب أهميتها من
الناحية السياسية، لما يتمتع به الاتحاد الأوروبي من ثقل سياسي، تحتاجه مصر
في مواقفها الدولية، فضلاً عن اعتبارات الجوار بين مصر وعدد من دول
الاتحاد الأوروبي، علي شواطئ البحر المتوسط، مثل أسبانيا وفرنسا وإيطاليا
واليونان وقبرص، وكل هذه الدول تشارك مصر في أمنها القومي من ناحية البحر
المتوسط، وتشارك في تأمين أي أحداث في شمال أفريقيا، وخاصة الوضع في ليبيا،
الذي يمثل، حساسية خاصة، وامتداداً طبيعياً بالنسبة للأمن القومي المصري.
يضاف إلي ذلك الأهمية العسكرية لتلك الدول، إذ أصبحت دول الاتحاد الأوروبي
تشارك مصر في سياستها الجديدة في تنوع مصادر السلاح، خاصة من السوق
الفرنسي، والسوق الألماني، كما تساند مصر، في حربها ضد الإرهاب. وأخيراً،
تأتي العلاقات الاقتصادية بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي كمحور ثالث لأهمية
تلك الدائرة الأوروبية للأمن القومي المصري، حيث تعمل مصر علي زيادة
معدلات التبادل التجاري بينها وبين دول الاتحاد الأوروبي، وزيادة تبادل
الخبرات ممثلة في اتفاقات التصنيع المشترك. أما فيما يخص الاستراتيجية
المصرية نحو روسيا، التي تعد ثالث دوائر الأمن القومي المصري البعيدة،
بديلاً للاتحاد السوفيتي، الذي اعتاد أن يحتل المركز الثاني، في ترتيب
الدوائر، فيما مضي، من حيث الأهمية؛ فبالرغم من تراجع ترتيب الدائرة
الروسية، إلا أن مصر أفردت لها محاور خاصة في استراتيجية التعامل معها،
بعيدة عن تلك التي حددتها سواء لأوروبا أوآسيا، بالرغم من موقع روسيا
الجغرافي، وذلك لأن روسيا لا تزال أحد أهم الدول التي تربطها بمصر علاقات
قوية ومتينة علي كل الأصعدة، سواء الاقتصادية، أوالسياسية
أوالعسكرية.
فمن الناحية الاقتصادية، تمثل السياحة الوافدة من روسيا، النسبة الأكبر من
دخل قطاع السياحة في مصر، وتغطي النسبة الأكبر من احتياجاته، فكان توقفها
في أعقاب العملية الإرهابية، ضد إحدي الطائرات الروسية، في أكتوبر 2015، في
شرم الشيخ، ضربة قاصمة لقطاع السياحة بصفة خاصة، وللدخل القومي المصري
بصفة عامة، مازالت مصر تعاني من تبعاتها حتي الآن، آملين في عودة السياحة
الروسية إلي ما كانت عليه قبل ذلك الحادث الإرهابي الغاشم. كما أن التبادل
التجاري مع روسيا، يمثل أهمية كبيرة للدخل القومي المصري، خاصة في مجال
المنتجات الزراعية، إذ تمثل الصادرات الزراعية من البرتقال والبطاطس المصري
إلي روسيا، نسبة كبيرة من إجمالي صادرات مصر الزراعية. أضف إلي ذلك عقد
المفاعل النووي بالضبعة، المُوقع بين الحكومتين المصرية والروسية، الذي
يعتبر صفقة كبيرة من منظور الاقتصاد الروسي، ونقلة نوعية لمصر، تدخل
بإتمامه إلي عصر الطاقة النووية.
أما من الناحية السياسية، فإن عودة روسيا، مرة أخري، إلي المياه الدافئة في
البحر المتوسط، قد عزز من دورها السياسي في المنطقة، خاصة دورها في
المشكلة السورية، والتي تعتبر بالنسبة لمصر امتداداً حيوياً لأمنها القومي.
ولذا تجد مصر وروسيا حريصتان علي تقوية العلاقات السياسية بينهما، وهوما
يتجلي في الزيارات المتبادلة بين رئيسيها، ولقاءاتهما الثنائية، والتي كان
آخرها، لقاءهما علي هامش »قمة دول بريكس» الذي انعقد في الصين، في الأسبوع
الماضي ... وحتي علي المستويات الوزارية، خاصة السيادية منها، كتبادل
الزيارات بين وزراء دفاع البلدين، ووزراء خارجيتها.
وأخيراً، ومن الناحية العسكرية، فالسلاح الروسي، يمثل نسبة غير ضئيلة في
الترسانة المصرية؛ سواء القديم منه، الذي لازال في الخدمة، وتعتمد عليه
العديد من أفرع ووحدات القوات المسلحة المصرية، وتحتاج عمليات صيانته إلي
قطع غيار روسية الصنع، أوالحديث الذي تم التعاقد عليه في السنوات الأخيرة،
ضمن الاستراتيجية المصرية في تنويع مصادر الأسلحة.
ننتقل بعد ذلك إلي الاستراتيجية المصرية نحوآسيا، التي تعكس تعاملها مع
رابع دوائر الأمن القومي المصري البعيدة. فمن وجهة نظري، لازال هناك العديد
من الجهود التي يجب أن تبذل، لاستعادة مكانة مصر، التي كانت لها في ذلك
البعد الاستراتيجي، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، من خلال دول عدم
الانحياز. ومع ذلك، فلا ننكر الجهود القائمة والمستمرة في التعاون مع
الصين، وتنمية العلاقات الثنائية معها، باعتبارها أحد أهم عناصر تلك
الدائرة الآسيوية بالنسبة لمصر، في ظل بزوغها كقوة كبري، وذات ثقل في
النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية، فضلاً عن كونها عضواً دائماً
بمجلس الأمن، وتربطها علاقات قوية مع معظم دول قارة أفريقيا. وقد بدأت مصر،
بالفعل، في الاستفادة من الموقف الصيني، في المجال العسكري، ضمن خطة تنويع
مصادر الأسلحة، حيث توفر الصين معدات جديدة ومتطورة، بأسعار تنافسية. كما
تعمل مصر علي وضع خطة لاستقطاب أعداد أكبر من السياحة الصينية، ضمن خطة
جديدة لتنويع مصادر الدخل السياحي، تجنباً للتعرض لهزات عنيفة، كتلك
الناجمة عن توقف السياحة الروسية.
أخيراً، تأتي الاستراتيجية المصرية نحودول جنوب غرب آسيا، التي تعتبر
اليابان، وكوريا الشمالية أهم عناصرها، وبالرغم من ذلك لم تتم الاستفادة
منهما علي الوجه الأكمل. فحجم التعاون الاقتصادي بين كل من مصر واليابان،
لا يرتقي إلي حجم الدولتين. كما أن الأوضاع السياسية في كوريا الشمالية،
قصرت حجم التعاون المصري معها علي مجال التصنيع الحربي، علي أضيق نطاق، لما
لها من خبرة فيه.
كانت تلك نبذة عن الاستراتيجيات المصرية، وحساباتها، عند التعامل مع دول
القوي العظمي، صاحبة التأثير البعيد علي أمن مصر القومي. أما الحديث عن
المؤثرات القريبة والمباشرة علي أمنها القومي، فيرتبط بمجموعة مختلفة من
الاستراتيجيات، تنقسم إلي خمس استراتيجيات أساسية، يتحرك فيها المفكر
الاستراتيجي المصري، قبل اتخاذ قراراته؛ أولها الاستراتيجية المصرية
نحوالدول العربية، ثم استراتيجيتها نحودول القارة الأفريقية، وثالثاً
استراتيجيتها نحودول حوض النيل، يليهم دول حوض البحر الأحمر، ثم خامساً،
وأخيراً، تأتي الاستراتيجية المصرية نحودول حوض البحر الأبيض المتوسط. يأتي
هذا التقسيم والترتيب، لما لتلك الدول من تأثير قوي ومباشر علي أمننا
القومي، خاصة من دول الجوار القريب، والتي علي أساسها توضع الاستراتيجيات
المباشرة تجاه هذه الدول ... وتبني عليها خطط التسليح المستقبلية للقوات
المسلحة المصرية ... وعلي أساسها يتم توقيع الاتفاقات السياسية
أوالاقتصادية وحتي الثقافية والرياضية ... وسوف نفرد مقالات متتابعة،
لاحقاً، نتناول فيها تفاصيل كل استراتيجية علي حدة.
Email: sfarag.media@outlook.com
|