العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
ولكن الحقيقة أن هذا الفعل العدائي، يستهدف مصر، حتى وإن بدا بصورة غير مباشرة، حيث تهدف تركيا، من ورائه، أن تصبح المنطقة، بكل أبعادها، منطقة ملتهبة.
|
هل بدأ التحرش التركى؟! - 2
لواء د. سمير فرج
|
15 فبراير 2018
|
كتبت مقالى فى الأسبوع الماضي، فى نفس هذا المكان، تحت عنوان «هل بدأ
التحرش التركي؟!»، رداً على إعلان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش
أوغلو، عدم اعتراف بلاده باتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص،
المبرم عام 2013، مضيفاً أن تركيا ستتقدم بإعلانها لرفض الاتفاقية ومطالبة
بإسقاطها، بزعم أن الاتفاقية تنهك الجرف الفارسى التركى عند خطوط 32، 16،
18 درجة. واعتبر وزير الخارجية أن القبارصة الأتراك لهم الحق فى النقاش بها
حول قبرص. وكانت تركيا قد اجتاحت جزيرة قبرص فى عام 1974، وأعلنت ما اسمته
«جمهورية شمال قبرص التركية»، التى لم تعترف بها أى دولة فى العالم سوي،
حكومة أنقرة، بينما جمهورية قبرص، دولة مستقلة، ذات سيادة على أراضيها،
وعضو فى منظمة الأمم المتحدة، وعضو مستقل فى الاتحاد الأوروبي.
ورداً على ادعاءات وزير الخارجية التركي، فقد أكدت مصر التزامها
بالقوانين الدولية المعمول بها فى مثل تلك الاتفاقات، إذ إن اتفاقية ترسيم
الحدود مع قبرص مُودعة فى الأمم المتحدة، بعد الموافقة عليها، وبناء على
ذلك، بدأت مصر فى عملية التنقيب فى المياه الإقليمية، التى حددتها
الاتفاقية، علماً بأنه لا يمكن التنقيب إلا بعد ترسيم الحدود البحرية مع
الدول المجاورة، وإبرام اتفاقية دولية بشأنها. ولقد أكدت مصر تأسيس هذه
الاتفاقية على قواعد، وقوانين، ومبادئ القانون الدولي، واتفاقية الأمم
المتحدة لقانون البحار عام 1982، وأن مصر راعت، فيها، حقوق كل الدول
المجاورة.
بهذا يتأكد للجميع أن تصريحات وزير خارجية تركيا، جزء من مرحلة التحرش السياسى والاقتصادى الجديدة بمصر.
واليوم أكتب، مرة أخري، بعد التصعيد التركى الأخير، هذا الأسبوع،
بتحرش آخر فى المنطقة، إذ اعترضت قطع البحرية التركية، أحد الحفارات
العملاقة، التابع لشركة إينى الإيطالية، المسئولة عن أعمال الحفر،
والتنقيب، والأعمال الاستكشافية فى المياه القبرصية، طبقاً لاتفاقية ترسيم
الحدود بينها وبين مصر. ولقد بررت تركيا ذلك السلوك، بأسباب واهية، مفادها
أن قواتها البحرية تقوم، حالياً، بمناورات عسكرية فى البحر المتوسط. ونظراً
لما فى ذلك من تأثير سلبى على سلامة معدات الحفر، التى تتكلف المليارات من
الدولارات، فقد اضطرت شركة إينى الإيطالية إلى سحب معداتها من المنطقة،
وتوقيف أعمال الحفر والتنقيب بالكامل. وأمام هذا العمل العدائى ضد جمهورية
قبرص، وما يمثله من تهديد مباشر لأمنها القومي، فقد تقدمت بشكوى إلى مجلس
الأمن، ضد تركيا. ولم يكتف الرئيس التركي، بتلك القرصنة البحرية، وإنما
أعقبها بتصريح أطلقه أمام تكتل حزب العدالة والتنمية، فى البرلمان التركي،
مهدداً الشركات الأجنبية التى تقوم بعمليات التنقيب قبالة سواحل قبرص «بألا
تكون أداة فى أعمال تتجاوز حدودها وقوتها»!!
وقد يعتبر البعض أن هذا الإجراء غير مؤثر على مصر، باعتبار أن ذلك
التحرش موجهاً لدولة قبرص، وفى مياهها الإقليمية، ومهدداً لاقتصادها. ولكن
الحقيقة أن هذا الفعل العدائي، يستهدف مصر، حتى وإن بدا بصورة غير مباشرة،
حيث تهدف تركيا، من ورائه، أن تصبح المنطقة، بكل أبعادها، منطقة ملتهبة،
وقابلة للاشتعال، مما يبث الرعب لدى الشركات البترولية العاملة، فى تلك
المنطقة، والتى تستثمر مليارات الدولارات فى أعمال الكشف، واستخراج الغاز.
وكما يقال دائماً أن «رأس المال جبان»، فقد يدفع، ذلك السلوك التركي،
العديد من الشركات البترولية لسحب استثماراتها، ليس من جمهورية قبرص فحسب،
وإنما من المنطقة بأسرها، وهو ما يؤثر على الاكتشافات البترولية، وأعمال
التنقيب فى هذه المنطقة من البحر المتوسط، ومنها مصر، وتحديداً فى «حقل
ظهر».
وهكذا تنكشف محاولات تركيا لتحويل المنطقة إلى منطقة صراعات سياسية،
والتى قد تتجاوز ذلك إلى مرحلة من النزاعات العسكرية. والأمر ليس ببعيد أو
غريب، فلقد شهدت هذه المنطقة الحرب بين تركيا واليونان حول جزيرة قبرص.
ولذلك أؤكد أن هذا العمل العدائى ضد جمهورية قبرص، هو تحرش ثانٍ بمصر ...
صحيح أنه غير مباشر، ولكنه موجه للتأثير سلباً على مستقبل التنمية فى منطقة
البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك تبقى مصر غير قلقة من أى محاولات تركية
عشوائية للتدخل العسكري، ضد أى أهداف مصرية فى البحر المتوسط، ليقينها من
قدراتها العسكرية؛ سواء البحرية أو الجوية، المسلحة بأحدث الأجهزة
والمعدات، والقادرة على تأمين حدودها، وصد أى محاولات اعتداء على مقدرات
شعبها. وبهذا تكون دولة مصر قد تحملت مسئوليتها من الناحية العسكرية.
أما من الناحية الاقتصادية، وفى ظل التزام الدولة المصرية بمعاهداتها،
واتفاقاتها الدولية، فأتمنى على شعب مصر أن يكون له موقف اقتصادى ضد
تركيا، بمقاطعة منتجاتها التى تغزو الأسواق المصرية، خاصة فى ظل وجود بدائل
مصرية، عالية الجودة. علماً بأن سلاح المقاطعة الشعبى سلاح ذو فاعلية
كبيرة، وله تأثير قوى على اقتصادات الدول، حتى العملاقة منها، وهو ما لا
يجب على الشعب المصري، بتعداده، الاستهانة بقدرته على إحداثه. وأؤكد، من
خلال خبرتي، كملحق عسكرى فى تركيا لمدة 3 سنوات، من أن ذلك السلاح الشعبي،
سيرغم الإدارة التركية على الكف عن أعمال التحرش المباشر، وغير المباشر، ضد
مصر.
إن الأمن القومى المصرى يا سادة ليس مسئولية القوات المسلحة والحكومة
فقط، بل تقع مسئوليته على جميع فئات الشعب، كل فى موقعه، وهنا أعنى السادة
المستوردين تحديداً.
Email: sfarag.media@outlook.com
|