العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
وإذا تجولت، اليوم، في العاصمة اليمنية، صنعاء، ستجد الشارع الرئيسي بها، يحمل اسم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وسيدلك ضخامة النصب التذكاري لشهداء القوات المسلحة المصرية، في صنعاء، على حجم التضحيات التي قدمتها مصر لشعب اليمن.
|
مصر واليمن من جديد
لواء د. سمير فرج
|
17 أغسطس 2018
|
تابعت زيارة الرئيس اليمني، عبد ربه منصور، للقاهرة، ولقاءه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، فتداعت في ذهني الأحداث، منذ عام 63، بعد تخرجي من الكلية الحربية، أثناء ثورة اليمن، بقيادة المشير عبد الله يحيى السلال، ودعم مصر لهذه الثورة ضد الإمام محمد البدر. حيث أرسلت مصر قواتها العسكرية، من أجل نصرة الجمهورية الجديدة، وكنت أنا ممن حاربوا في اليمن، مع الكثير من زملائي، لمدة ثلاث سنوات متواصلة، فقدت مصر خلالهم الآلاف من خيرة شبابها، ممن استشهدوا من أجل حرية ونصرة الشعب اليمني.
وإذا تجولت، اليوم، في العاصمة اليمنية، صنعاء، ستجد الشارع الرئيسي بها، يحمل اسم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وسيدلك ضخامة النصب التذكاري لشهداء القوات المسلحة المصرية، في صنعاء، على حجم التضحيات التي قدمتها مصر لشعب اليمن. وجاءت حرب أكتوبر 73، فقدمت الحكومة اليمنية تسهيلات كبيرة للقوات المسلحة المصرية، أعانت القوات البحرية المصرية، على تنفيذ أكبر مفاجأة في حرب أكتوبر73 المجيدة، بإغلاقها مضيق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية، ذلك القرار الذي أفقد الجانب الإسرائيلي توازنه، ودفعه طوال فترة مباحثات الكيلو 101، بين الجانبين العسكريين المصري والإسرائيلي، إلى الإلحاح في المطالبة بفتح الملاحة أمام السفن الإسرائيلية.
تمثلت التسهيلات اليمنية في دعم لوجيستي، مثل الإمداد بالمياه، والتعينات، والتأمين الطبي للقوات المصرية، كذلك تأمين مخازن قطع الغيار، فأصبح ميناء الحديدة اليمني، ظهيراً للقوات البحرية المصرية في البحر الأحمر. ولم تنسى مصر، ولم تنسى قواتها المسلحة، هذا الدعم اليمني للقوات المسلحة المصرية.
واليوم تغيرت الظروف، وعادت الفرقة تقسم أبناء الشعب اليمني من جديد، بدعم من إيران، بل وأصبح الحوثيون يهددون دول الجوار في اليمن، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، وصارت اليمن منصة لإطلاق الصواريخ، الإيرانية الصنع، في اتجاه السعودية، لتهديد أراضيها ومواطنيها. ورغم تكوين قوات التحالف العربي، لنصرة السلطة الشرعية في اليمن، إلا أن الأمور لازال يغلفها الانقسام الواضح؛ فالعاصمة صنعاء خارج سيطرة القيادة اليمنية الشرعية، التي اتخذت من مدينة عدن مقراً لها. وزاد من تعقيد الأمور، تمكن الحوثيون من السيطرة على ميناء الحديدة، الذي يعتبر شريان الحياة لليمن، بوقوعه على مضيق باب المندب، عند مدخل البحر الأحمر، مما مكن ميليشيات الحوثيين، في الأيام الماضية، من تهديد ناقلات النفط السعودية، أثناء عبورها لباب المندب، متجهة إلى قناة السويس، حاملة النفط إلى دول أوروبا، مما اضطر المملكة إلى الإعلان عن توقف مرور ناقلاتها النفطية عبر مضيق باب المندب، حتى تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية، وقيادات حلف الناتو، بإرسال تهديد مباشر إلى الحوثيين، بالتدخل ضدهم في اليمن. وبناءً عليه انسحب الحوثيون، على الفور، معلنين عدم التعرض للناقلات السعودية، مرة أخرى، وبالفعل استؤنفت الملاحي عبر باب المندب.
والحقيقة إنني لا أتوقع أن يستقر الموقف عند هذا الوضع، بل لا أستبعد تكرار تلك التهديدات، مرة أخرى، في باب المندب، والتعرض لطريق الملاحة عموماً في البحر الأحمر، وبالتالي في قناة السويس. وهنا تبرز المشكلة الكبرى، المتمثلة في التهديد المباشر للأمن القومي المصري، من خلال تهديد الملاحة في قناة السويس، التي تمثل ثلث الدخل القومي المصري، وقد كانت مصر متفهمة لخطورة هذا الوضع في باب المندب، لذلك قامت بدعم تسليح قواتها البحرية، وتكوين أسطول بحري مصري، خاص لمنطقة البحر الأحمر، منوط به تأمين خطوط الملاحة بالبحر الأحمر، لتأمين الملاحة في قناة السويس، وبالتالي في باب المندب
ومن هنا جاءت أهمية زيارة الرئيس اليمني إلى مصر، والتي أعلن خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي، رفض مصر لأن تتحول اليمن إلى منصة لتهديد الملاحة في البحر الأحمر، وهو ما رد عليه الرئيس اليمني عبد ربه منصور بالشكر، لدعم الرئيس السيسي للشرعية في اليمن، مشيداً بدور مصر في استضافة الأخوة اليمنيين، الذين اضطرتهم الظروف، إلى النزوح إلى مصر، فاستقبلتهم كأنها وطن ثان لهم، واستقروا بها.
وبهذا عادت اليمن، مرة أخرى، إلى الساحة العربية من حيث تهديد الأمن القومي المصري، من خلال باب المندب، الأمر الذي سوف تعمل مصر، مع باقي قوة التحالف العربي، على سرعة تغييره، بعودة الاستقرار لليمن، في إطار القوانين الدولية. وأرى أن هذه الزيارة هي بداية أخرى طيبة للعلاقات المصرية اليمنية، الممتدة منذ الستينات، وستكون اليمن، مستقبلاً، درعاً للأمن في المنطقة، سواء لمصر أو لدول الخليج العربي. وأرجو أن يبرز، في القريب العاجل، دوراً رئيسياً لجامعة الدولة العربية، لحل هذه المشكلة؛ فمن غير المنطقي أن يترك حلها لمبعوث الأمم المتحدة، في ظل وجود جامعة الدول العربية، وقدرتها على التدخل بصور شتى مناسبة، مثل الدعوة إلى وساطة دولة عربية، كسلطنة عُمان، أحد دول الجوار لليمن.
وبالرغم مما تمر به إيران من أزمات سياسية مع الولايات المتحدة الامريكية، وما تواجهه من صعوبات اقتصادية داخلية، لازالت تصر على التدخل في شئون دول المنطقة، وعندما اندلعت المظاهرات بها، كانت مطالب الشعب تنادي بتوقف حكومة طهران على الإنفاق على الإرهاب في دول المنطقة. لذا نأمل في ألا تكون اليمن، مستقبلاً، أداة في يد إيران، لإشعال نار الفتنة في المنطقة، وهو ما تراقبه مصر عن كثب، بالمراقبة المستمرة للتحركات الإيرانية في المنطقة، وقطع الطريق عليها في دعم الحركات الإرهابية، في سوريا ولبنان والعراق، وأخيراً اليمن، وذلك في إطار تأمين منطقة باب المندب، الذي هو أحد دوائر الأمن القومي لمصر.
وأخيراً، فإن التحالف العسكري ضد الحوثيين في اليمن، يجب أن يسانده تحالف سياسي بين الدول المشاركة، للوقوف ضد أطماع إيران في المنطقة، وخاصة في اتجاه اليمن، ويجب على قوات التحالف السياسي الاستفادة من النزاع الأمريكي-الإيراني، للضغط على إيران، خاصة أن دول الخليج هي أكثر الدول المتضررة من الاتفاق النووي الأمريكي-الإيراني، الذي أبرمه الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما … آملين أن تشهد الفترة القادمة إعادة الاستقرار إلى اليمن، وبالتالي إلى منطقة مضيق باب المندب.
Email: sfarag.media@outlook.com
|