العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
وطبقا للمفاهيم الاستراتيجية فإن مصر تواجه حاليا تهديدات على الاتجاهات الاربعة الاستراتيجية، الاتجاه الشمالى الاستراتيجى فى البحر المتوسط بهدف تأمين حقول الغاز الجديدة والاستثمارات فى هذا المجال والمتمثلة فى منصات استخراج الغاز والبترول وخط الغاز المنتظر ان يمتد من مصر الى قبرص ومناطق تسهيلات الغاز الطبيعى لتكون مصر مركزا للغاز الطبيعى واسالته.
|
حصاد العام إستراتيجيا وسياسيا وعسكريا
لواء د. سمير فرج
|
6 يناير 2019
|
تمضى الأيام وتمر السنون وتتوالى الأحداث لكن علينا أن نراقب ونحلل ما يحدث
ويدور حولنا، فالذكاء أن نتعلم من خبرة السنين حتى لا تتكرر أخطاء الماضى
وأن نتعلم مما يدور من حولنا سلبيا كان أو إيجابيا، ومن هنا تبرز قيمة
التحليلات والتقديرات لكل ما يحدث من متغيرات.
والآن وبعد آن مر عام 2018 أن لنا أن نتوقف وندرس ونحلل وندقق فى تلك
الأحداث خاصة فيما يهم ويؤثر على دوائر الأمن القومى المصرى وتأثيرها على
مجريات الأمور فى الأيام المقبلة من عام 2019
وطبقا للمفاهيم الاستراتيجية فإن مصر تواجه حاليا تهديدات على الاتجاهات
الاربعة الاستراتيجية، الاتجاه الشمالى الاستراتيجى فى البحر المتوسط بهدف
تأمين حقول الغاز الجديدة والاستثمارات فى هذا المجال والمتمثلة فى منصات
استخراج الغاز والبترول وخط الغاز المنتظر ان يمتد من مصر الى قبرص ومناطق
تسهيلات الغاز الطبيعى لتكون مصر مركزا للغاز الطبيعى واسالته. والاتجاه
الآخر هو الاتجاه الاستراتيجى الجنوبى الذى يتكون من 4 اتجاهات رئيسية هى
البحر الأحمر حتى منطقة باب المندب، ثم المنطقة الثانية هى منابع نهر
النيل، والمنطقة الثالثة هى تقارب مصر مع إفريقيا وعودة إفريقيا الى مصر،
ثم تأمين خط الحدود الجنوبية مع دولة السودان ومنع اَى تسلل من هذا الاتجاه
لزعزعة الاستقرار فى مصر.
ثم يأتى الاتجاه الاستراتيجى الشمالى الشرقى او كما يطلق عليه الاتجاه
السيناوى حيث تتمركز العمليات الإرهابية والتى تقاومها مصر حاليا بالعملية
سيناء 2018،ولقد حققت نجاحات كبيرة فى ذلك الاتجاه.
ثم هناك الاتجاه الاستراتيجى الغربى فى اتجاه ليبيا حيث تقوم مصر بتأمين خط
الحدود البالغ 1200كم مع تركيز مصر على بذل جهود سياسية وعسكرية لتهدئة
الأوضاع بليبيا وتحقيق الاستقرار وإعادة سيطرة الدولة على مقاليد الحكم
وإعادة الحياة الطبيعية المستقرة لدولة ليبيا . وعلى المستوى العسكرى نجحت
مصر فى تنويع مصادر السلاح وهو حلم كان يراود كل قادة القوات المسلحة منذ
عشرات السنين بدلا من أن تكون الولايات المتحدة هى المصدر الرئيسى للسلاح
لمصر، وهذا الاحتكار كان يعنى أن تكون الولايات المتحدة متحكمة دائما فى
مصير القوات المسلحة. ولكن القوات المسلحة الآن قامت بتدبير العديد من
الأسلحة والمعدات من روسيا وفرنسا والصين وألمانيا وهى بداية مشجعة للقوات
المسلحة فى السنوات المقبلة.
أما النشاط الثانى فكان زيادة حجم التدريبات العسكرية مع العديد من دول
العالم حيث وصل فى عام 2018 الى 32 تدريبا على رأسها عودة تدريبات النجم
الساطع مع الولايات المتحدة باشتراك 7 دول ووجود 16دولة بصفة مراقب، ثم
التدريب البحرى المشترك مع فرنسا كليوباترا 2018 ثم التدريب المشترك «حماة
الصداقة 3» بمشاركة وحدات المظلات الروسية ثم مناورات درع العرب بمشاركة
خمس دول عربية ثم تدريبات «تبوك4 « مع المملكة العربية السعودية ، ثم جاءت
مرحلة تطوير الصناعات الحربية المصرية سواء فى مصانع وزارة الانتاج الحربى
والهيئة العربية للتصنيع ثم مصنع البصريات. وهذه الصناعات لم تشهد اَى تطوير
فى السنوات السابقة وكان لزيارة الرئيس السيسى الى روسيا والولايات المتحدة
اثر كبير فى تطوير هذه الصناعات.
وكان أعظم حدث عسكرى هذا العام وهو المعرض العسكرى المصرى للأسلحة والأنظمة
الدفاعية «ايديكس 2018» والذى ظهر بصورة مشرفة لم يتوقعها الكثيرون ومنهم
انا خاصة انها المرة الأولى فى تاريخ العسكرية المصرية والتى تأخرنا فيها
كثيرا بسبب عدم توافر التسهيلات. لذلك كان قرار الرئيس السيسى بإنشاء منطقة
المعارض الجديدة هو الذى شجع وزارة الدفاع لإقامة هذا المعرض وكان واجهة
مشرفة للصناعات الحربية المصرية، كذلك تأكيد قدرة مصر الهائلة على تنظيم
مثل هذا الحدث على أعلى مستوى بهذا الحضور المتميز من وزراء الدفاع ورؤساء
الأركان والوفود العسكرية، ثم شركات التصنيع العالمية. وان كنت اتمنى ان
يعطى هذا المعرض فى دورته المقبلة 2020 الفرص لعدد أكبر من الشباب وطلبة
الجامعات فى زيارته. صحيح ان إدارة الشئون المعنوية نظمت رحلات لطلبة
الجامعات لزيارة المعرض ولكنى آمل ان يصل العدد للآلاف من الشباب ومن
الممكن ان تزيد فترة عرض الجناح المصرى الى عشرة أيام بعد إقامة المعرض.
وكذلك جاء تصنيف مصر هذا العام من خلال شركة جلوبال فايرباور لتحصل على
المركز 12 من بين اقوى 25 جيشا عالميا لتؤكد قدرة القوات المسلحة وتفوقها
لتكون مصر أقوى دولة عربية والثانية على مستوى دول الشرق الأوسط، خاصة ان
القوات البحرية المصرية قد حصلت على المركز 6 عالميا بين الولايات المتحدة
وروسيا والصين واليابان وفرنسا.
وبالنسبة لعلاقات مصر الخارجية فسنبدأ بالولايات المتحدة والتى تشهد حاليا
فترة من أزهى وأقوى الفترات منذ عهد السادات وكارتر. ووقع الرئيس ترامب هذا
الشهر قانونا لتكريم الرئيس الراحل السادات بمناسبة مرور 100عام على ميلاده
بمنحه ميدالية الكونجرس الذهبية والتى سبق ان حصل عليها نيلسون مانديلا
وتشرشل والجنرال چورچ واشنطن.
ويذكر انه بوصول الرئيس ترامب الى كرسى الرئاسة عدل اتجاه السياسة فى الشرق
الأوسط لتصبح مصر نقطة ارتكاز للاستراتيجية الامريكية فى المنطقة، وأعاد
المعونة العسكرية لمصر والتى سبق ان أوقفها الرئيس السابق أوباما وأعاد
التدريب المشترك المصرى الامريكى (النجم الساطع) وأعاد التعاون العسكرى
المصرى الامريكي.
واستقبل الرئيس ترامب الرئيس السيسى فى البيت الأبيض بعد قطيعة دامت 7
سنوات فى عصر الرئيس السابق اوباما والتى شهدت فترة حكمه أسوأ الفترات فى
العلاقة المصرية ـ الامريكية، ورغم قرار ترامب سحب القوات الامريكية من
سوريا واستقالة وزير الدفاع الأمريكى جيمس ماتيس فإن ذلك لن يكون له تأثير
على العلاقات المصرية ـ الامريكية.
أما العلاقات المصرية ـ الروسية فرغم العقوبات التى تفرضها الولايات
المتحدة وأوروبا على روسيا بسبب أحداث شبه جزيرة القرم فإن العلاقات
المصرية الروسية تمر بأزهى فترات الصداقة ـ حيث تقابل الرئيس السيسى مع
الرئيس الروسى بوتين اكثر من سبعة لقاءات خلال الفترة السابقة وهناك تطابق
فى المفاهيم نحو المشكلات الدولية، كذلك قيام روسيا بإنشاء المفاعل النووى
المصرى فى الضبعة. كما تم توقيع شراء مصر لأحدث الأسلحة الروسية كذلك تطوير
المصانع الحربية المصرية. كما رفعت روسيا الحظر على البطاطس والبرتقال
المصريين. وتبقى مشكلة واحدة بين الدولتين هى عودة السياحة الروسية الى شرم
الشيخ والغردقة.
وبالنسبة لدولة فرنسا فإن العلاقات المصرية ـ الفرنسية على أحسن ما يرام
وهناك تطابق كامل فى السياسة الخارجية نحو المشكلات الخارجية وأهمها الموقف
فى ليبيا حيث تبذل فرنسا مساعى كبيرة بالتعاون مع مصر لعودة استقرار ليبيا
خاصة أن فرنسا سبق وأيدت الرأى المصرى بعدم تدخل قوات الناتو لتنفيذ أى
أعمال عسكرية داخل ليبيا.
أما العلاقات المصرية الإيطالية فإنها تشهد بلا شك توترا فى الأجواء بخصوص
قضية الشاب ريجينى والتى تصاعدت أخيرا بدخول البرلمان الإيطالى ليصبح طرفا
فى المشكلة.
أما بشأن العلاقات المصرية مع المملكة المتحدة (بريطانيا) فإن الأمور تبدو
هادئة على السطح ورغم ظروف بريطانيا الآن بسبب مشكلة كيفية الخروج الآمن من
الاتحاد الأوروبى فإن مصر تأمل ان تقوم بريطانيا بالسيطرة على تحويلات
أموال جماعة الإخوان المسلمين لدعم عمليات الإرهاب خارج البلاد.
وعلى صعيد العلاقات المصرية ـ الألمانية فإنها تسير فى اتجاه ناجح وهناك
تطابق كامل فى الرؤية السياسية لكل الدولتين حول معظم مشكلات منطقة الشرق
الأوسط.
أما بالنسبة لتركيا فالواقع أن العلاقات تغيرت بعد رحيل الرئيس التركى
تورجوت أوزال والتى شهدت تعاونا رائعا فى جميع المجالات ولكن بوصول الإخوان
المسلمين فى تركيا الى الحكم خاصة فى فترة الرئيس اردوغان تغير الموقف
التركى ليصل الى أن نطلق عليه بالموقف العدائى تجاه مصر، خاصة بعد عزل
الرئيس محمد مرسى وبدأت تركيا فى شن حملة عدائية إعلامية ضد مصر وبدأت فى
إيواء جميع العناصر الهاربة من مصر لتستقر فى إسطنبول كذلك احتضنت القنوات
الإعلامية الفضائية الموجهة ضد مصر، و يأتى التحرش التركى ضد مصر حاليا فى
البحر المتوسط لآبار الغاز فى اتجاه منطقة قبرص التركية ولهذا فإن التحرك
البحرى المصرى فى البحر المتوسط هو ردع غير مباشر لتركيا.
وجاء التدخل الإيرانى حاليا فى اليمن لتدعيم الحوثيين ليضيف خطرا جديدا
يهدد الاستقرار فى الشرق الأوسط، حيث تتعرض السعودية لضربات الصواريخ
الإيرانية الصنع من اليمن. كما أن سيطرة الحوثيين وإيران على الحديدة جعلت
ايران تهدد باب المندب الذى يؤثر على الملاحة فى البحر الأحمر الى قناة
السويس، كما ان تطوير الصواريخ الباليستية الإيرانية الصنع قد تطور مداها
ليصل الى الأراضى المصرية وباب المندب،. كل ذلك يجعل مصر حاليا تعتبر
الوجود الإيرانى فى المنطقة تهديدا لأمن مصر القومى بتهديده لباب المندب
وبالتالى لقناة السويس التى تمثل ثلث الدخل القومى لمصر. ومن هذا المنطق
جاء قرار مصر إنشاء أسطول من القوات البحرية لتأمين البحر الأحمر ومضيق باب
المندب قرارا سليما لتامين مصادر الثروة المصرية فى قناة السويس.
وفى اتجاه البحر الأحمر فإن مصر قد بدأت فى تقوية علاقاتها مع أريتريا
لتعويض ما فقدته مصر من خروج اليمن من التجمع العربى والتى كانت تعتمد
عليها مصر فى تأمين مضيق باب المندب. وعلى الاتجاه الآخر فلقد فقدت مصر
خلال الفترات السابقة علاقاتها بأفريقيا التى كانت على أحسن ما يرام فى
فترة الرئيس الراحل عبد الناصر.
وفى اتجاه إفريقيا جاء الرئيس السيسى ليقرر عودة مصر الى إفريقيا وبعد أيام
قليلة تصبح مصر رئيسا للدورة القائمة للمنظمة الإفريقية حيث تعمل مصر بجميع
الطرق على اعادة العلاقات مع الدول الإفريقية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا
وثقافيا.. إلخ. ولقد كان نجاح شركة المقاولون العرب أخيرا فى الحصول على
عقد إنشاء وتنفيذ سد روڤيجى فى تنزانيا اولى الخطوات البناءة للدخول الى
قلب إفريقيا خاصة ان هناك العديد من الدول الإفريقية تحتاج الى المزيد من
بناء السدود وليس تنزانيا فقط.
أما الاتجاه الاستراتيجى الغربى فان مصر تعمل على إعادة الاستقرار فى ليبيا
وتأمل ان تنجح الانتخابات مع مطلع 2019.
تلك كانت لمحة سريعة عن حصاد العام 2018 ونظرة مستقبلية على الأوضاع فى
العام الجديد الذى نأمل أن يزيد التحرك المصرى السياسى على مختلف الاتجاهات
الاستراتيجية بهدف تحقيق الرخاء والاستقرار لمصر.
Email: sfarag.media@outlook.com
|