العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
ولذلك، فإنه من المنتظر، خلال الفترة القادمة، ومن خلال متابعة الاتحاد الأفريقي، أن تتم تحريك الأوضاع، في كلا الاتجاهين؛ السوداني والليبي.
|
ليبيا والسودان في دوائر الأمن القومي المصري
لواء د. سمير فرج
|
26 إبريل 2019
|
سبق وأن أشرت، في كتابات ولقاءات عدة، إلى أن دوائر الامن المصري، تنقسم إلى نوعين؛ الدوائر القريبة، والدوائر البعيدة، ولكل منهما أبعاده، وأثره المباشر، وغير المباشر على الفكر والقرار المصري، على كافة الاتجاهات. يتحرك المفكر الاستراتيجي المصري، بين تلك الدوائر، بحذر، وحنكة، قبل اتخاذ أي قرارات مصيرية.
تعتبر ليبيا والسودان من دوائر الامن القومي المصري القريبة، والمباشرة، حيث تمثل ليبيا الاتجاه الاستراتيجي الغربي، بحدود تمتد لطول 1200 كم تقريباً، بينما تمثل السودان الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي. لم يحدث، في تاريخ مصر، أن كان كلا الاتجاهين يمثلان اهتمام مصر بهذا الشكل، وما أعنيه هنا، أنه لم يحدث أن كانت جميع الجبهات الاستراتيجية لمصر، مهددة عبر التاريخ، مثلما يحدث الان.
فقد شهد الموقف، في ليبيا، توتراً كبيراً بعد سقوط الرئيس القذافي، ونظامه، في 2011، بالتزامن مع أحداث “الربيع العربي”، إذ اندفعت كافة العناصر الإرهابية، من مختلف بقاع الارض، لتتخذ من ليبيا مستقراً لها، فاجتمع على أراضها عناصر داعش الليبية، وعناصر داعش الفارين من العراق، وعناصر داعش الفارين من سوريا، إضافة إلى عناصر من جماعة بوكوحرام الإرهابية من نيجيريا، وأولئك العائدون من أفغانستان ولم يجدوا لأنفسهم مأوى، علاوة على عناصر المليشيات المسلحة في الصحراء من مناطق مالي، مستغلين انعدام سيطرة الدولة على حدودها، أو على شؤونها الداخلية، مما ممكنهم من الاستيلاء على الكميات الضخمة من الأسلحة والذخيرة، التي كان القذافي قد جمعها أيام فترة حكمه الطويلة. وأصبحت ليبيا، منذ ذلك الحين، من أخطر مناطق تجمع العناصر الإرهابية في العالم، إن لم تكن أخطرها على الاطلاق … وأصبحت مناطق الهلال النفطي، في ليبيا، تحت سيطرة بعض هذه الجماعات، والبعض الاخر تحت سيطرة عدد من القبائل الليبية.
وأمام ذلك الوضع الملتهب، كان الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، هو الامل في القضاء على كل هذه العناصر، والسيطرة على الموقف، ونجح، بالفعل، في تطهير بني غازي، ومن بعدها درنة، التي استمرت في أيدي الدواعش لأكثر من 4 سنوات متواصلة، تمكنوا خلالهم من فرض أفكارهم الإرهابية المتطرفة على مجريات الامور. ولم يتبق، للمشير حفتر، إلا أن يتقدم في اتجاه العاصمة طرابلس، الواقعة تحت سيطرة رئيس الوزراء فايز السراج، للقضاء على آخر جيوب العناصر الإرهابية الموجودة بها.
أما من ناحية الاتجاه الجنوبي، فإن ما مرت به السودان من أحداث، تحت حكم الرئيس عمر البشير، خلال الثلاثون عام الماضية، وما شابها من اضطرابات سياسية وفساد السلطة، فضلاً عما صحبها من تدهور الظروف الاقتصادية، دفع الشعب السوداني لأن يثور، أخيراً، ويطيح بالرئيس البشير وأعوانه، وهو ما تتابعه مصر عن كثب، نظراً للعلاقات التاريخية التي تربط الشعبين، والمصالح المشتركة بين البلدين، والامتداد الطبيعي والجغرافي الذي يجمعهما.
ومن هذا المنطلق، فقد دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي، بصفته رئيساً للاتحاد الأفريقي، إلى عقد قمة تشاورية، لأول مرة، في القاهرة، تمكن خلالها من إقناع الزعماء الأفارقة المشاركين بمنح المجلس الانتقالي بالسودان مهلة ثلاثة أشهر، بدلاً من 15 يوماً، لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية، مؤكداً دعم مصر الكامل لاستقرار السودان، وخيارات الشعب السوداني في صياغة مستقبل بلاده. كما قرر الرئيس السيسي، بصفته رئيس الاتحاد الأفريقي، على عقد اجتماع على مستوى وزراء خارجية الدول الأفريقية، بعد شهر، لمتابعة تنفيذ القرارات التي اتخذتها القمة التشاورية.
وعلى صعيد متصل، وأملاً في القضاء على جميع العناصر الإرهابية في ليبيا، وعودة الأمن والسلام والاستقرار إليها، فقد ترأس الرئيس السيسي اجتماع قمة الترويكا، ولجنة ليبيا رفيعة المستوى بالاتحاد الأفريقي، حيث دعا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته، مؤكداً ضرورة استئناف الحل السياسي، والعودة إلى المفاوضات السياسية، من خلال قنوات الاتصال، مع مختلف الأطراف السياسية الليبية. وتأتي أهمية ذلك الاجتماع، بعد فشل مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، في الخروج بقرارات هامة تجاه ما يحدث في ليبيا، فكان تحرك الرئيس السيسي بصفته رئيساً للاتحاد الأفريقي، رسالة واضحة مفاداها أن الدول الأفريقية هي الأقرب إلى ليبيا، والأكثر حرصاً على عودة الاستقرار إليها.
ولذلك، فإنه من المنتظر، خلال الفترة القادمة، ومن خلال متابعة الاتحاد الأفريقي، أن تتم تحريك الأوضاع، في كلا الاتجاهين؛ السوداني والليبي، وترى مصر ضرورة الحفاظ على هدوء الأوضاع في السودان، حتى يتمكن الشعب السوداني من تقرير مصيره، دون أية تدخلات خارجية، خاصة من قطر، وإيران، وتركيا، التي ألغى لها المجلس العسكري السوداني، الاتفاق الذي أبرمته مع البشير لإطلاق يدها في جزيرة سواكن السودانية، في البحر الأحمر، تحت زعم تطوير الآثار العثمانية الباقية الموجودة بالجزيرة.
وعلى الجانب الليبي، فستستمر مصر في دعم الجهود السياسية لصالح الاستقرار في ليبيا، والعمل على منع أي تدخلات أجنبية على الأراضي الليبية، سواء من جانب تركيا أو قطر، كما تسعى مصر لأن يتم رفع الحظر عن تزويد الجيش الليبي بالأسلحة، حتى يتمكن من القضاء على العناصر الإرهابية داخل ليبيا، التي تجد لها تمويلاً من الخارج، خاصة بعدما ضبطت السلطات الليبية، مؤخراً، سفينة تركية، محملة بالأسلحة والذخائر، في طريقها للجماعات الإرهابية في ليبيا. كما تنادي مصر بضرورة فك الودائع الليبية المجمدة، في الخارج، حتى تستطيع ليبيا البدء في مشاريع إعادة الإعمار، وعودة الحياة المدنية الطبيعية إلى البلاد، وإعادة تشغيل المدارس، والمستشفيات، والمصالح الحكومية، لتستعيد الدولة الليبية كفاءتها، وتتمكن من تقديم خدماتها للمواطن الليبي، حتى تنتظم الحياة، وتستقر.
إن مصر تنظر، بترقب، على الأوضاع في الاتجاهين الغربي والجنوبي، وتدعو لهذه الدول بالاستقرار، وتوفير حياه كريمة للشعبين الشقيقين، الليبي والسوداني، وفي نفس الوقت، فإن مصر لن تسمح بأي تهديد لأمنها القومي، ولن تقف قواتها المسلحة مكتوفة الأيدي، أبداً، أمام أي نية لتهديد الأمن القومي المصري، وتحتفظ لنفسها بحق التدخل، في أي وقت، لتحقيق أمن مصر القومي، تماماً مثلما أكد الرئيس السيسي، في مناسبات مختلفة.
Email: sfarag.media@outlook.com
|