العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
ومن هنا تساءل الجميع عما يحدث، ولماذا أقدمت تركيا على هذه الخطوة، فى محاولة التقرب إلى مصر، بعد أن تدهورت العلاقات بين الدولتين منذ 30 يونيو عندما تخلصت مصر من حكم الإخوان وإصرار إردوغان على دعم الرئيس المصرى الأسبق محمد مرسى.
|
تركيا وطلب التقارب
لواء د. سمير فرج
|
14 مارس 2021
|
فى مفاجأة سياسية غير مُتوقَّعة، خرج الرئيس التركى رجب طيب إردوغان، يوم الجمعة الماضى، بعد أداء صلاة الجمعة، وأمام جميع وسائل الإعلام، ليعلن فى تغير كبير للسياسة التركية تجاه القاهرة أن هناك تعاونًا اقتصاديًا وسياسيًا واستخباراتيًا مع مصر، بل أضاف أنه ليست لديه مشاكل مع مصر، وسوف تتحسن الأمور مستقبلًا بين الدولتين. قبلها بيومين، أعلن وزير الخارجية التركى، مولود تشاووش أوغلو، أن علاقات تركيا مع مصر تتطور، ويمكن أن تتحسن مستقبلًا. أما وزير الدفاع التركى فقد أعلن أيضًا أنه يُثمِّن احترام مصر حدود الجرف القارى التركى خلال قيام مصر بأنشطتها للتنقيب عن الغاز فى شرق «المتوسط». بعدها خرجت وكالات الأنباء ومراكز الدراسات الاستراتيجية لتعلن أن تركيا مستعدة لإرسال وفود إلى مصر للتباحث بهدف تطوير العلاقات مع مصر.
ومن هنا تساءل الجميع عما يحدث، ولماذا أقدمت تركيا على هذه الخطوة، فى محاولة التقرب إلى مصر، بعد أن تدهورت العلاقات بين الدولتين منذ 30 يونيو عندما تخلصت مصر من حكم الإخوان وإصرار إردوغان على دعم الرئيس المصرى الأسبق محمد مرسى. وتأتى الإجابة عن هذا السؤال من خلال النقاط التالية:
أولًا: أن تركيا الآن أصبحت فى عزلة دولية كبيرة نظرًا لأن قواتها تحارب فى 6 جبهات، وهى شمال سوريا وشمال العراق وناجورنو كاراباخ وليبيا واليونان وقبرص، وأصبحت تعادى الجميع.
ثانيًا: تغير الموقف مع الولايات المتحدة الأمريكية ووصول جو بايدن إلى السلطة، وبالتالى اختفاء الدعم الذى كان يمنحه دونالد ترامب لإردوغان، وأصبحت العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية فى وضع سيئ، مع إصرار بايدن على توقيع العقوبات نتيجة صفقة الصواريخ الروسية إس 400.
.. ثالثًا: أنه خلال الشهر الحالى، من المقرر أن يجتمع قادة دول الاتحاد الأوروبى لتوقيع العقوبات على تركيا لاستمرارها فى انتهاك السيادة لدولة قبرص، بعد التحذيرات المتكررة من الاتحاد الأوروبى وعدم التزام تركيا واستمرارها فى التحرش بالحدود القبرصية، وهى إحدى دول الاتحاد الأوروبى. كذلك استمرار تركيا فى مد الدعم العسكرى للميليشيات فى ليبيا، مخالفة بذلك مخرجات مؤتمر برلين، الذى أكد عدم دعم أى من أطراف الصراع فى ليبيا بالسلاح وعدم إرسال المرتزقة إلى هناك.
رابعًا: جاء ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان ضربة قاسمة للتواجد التركى فى شرق «المتوسط»، خاصة أن اليونان عدو تركيا اللدود، كما أن التقارب المصرى اليونانى فى كافة المجالات، خاصة التدريبات العسكرية المشتركة، قد وضع تركيا فى موقف لا تُحسد عليه فى الفترة الماضية.
خامسًا: يأتى التقارب المصرى القبرصى بعد ترسيم الحدود البحرية بين البلدين وتنامى التعاون، خاصة فى مجال التدريبات العسكرية المشتركة.
سادسًا: هناك تراجع كبير فى الاقتصاد التركى حاليًا، أدى إلى تدهور سعر الليرة التركية وارتفاع معدلات التضخم وزيادة معدلات الفقر والبطالة والأسعار. كل ذلك يضع ضغطًا على تركيا بضرورة تغيير سياساتها فى المنطقة.
سابعًا: نجاح مصر فى إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط (أوبك الغاز)، بعضوية جميع الدول المعنية بالمنطقة، ومعها الولايات المتحدة وفرنسا، بينما تركيا خارج هذه المنظومة تمامًا.
ثامنًا: لا يمكن إغفال الخسائر التى تلقتها تركيا مؤخرًا من قطع العلاقات الاقتصادية مع المملكة العربية السعودية ومعظم دول مجلس التعاون الخليجى، بعد الهجمات السياسية والإعلامية على السعودية فى أزمة مقتل جمال خاشقجى. ونتيجة لذلك أوقفت السعودية ودول مجلس التعاون الخليجى السياحة إلى تركيا، مما كبدها خسارة نحو 3 مليارات دولار سنويًا. كذلك تم إيقاف استيراد الخضروات والفاكهة من تركيا، والتى كانت تتم يوميًا بخسائر سنوية وصلت إلى 3 مليارات دولار، كما انخفض حجم التبادل التجارى لضعف الاستيراد من هذه الدول بشكل كبير، الأمر الذى أدى إلى استياء أعضاء البرلمان التركى، الأسبوع الماضى، من الأضرار الكبيرة الناتجة عن توقف التبادل التجارى بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجى.
تاسعًا: يأتى تغير الموقف فى ليبيا ووصول قيادات جديدة بعد موافقة البرلمان الليبى على تشكيل الحكومة الجديدة والتصميم على خروج القوات الأجنبية (المقصود بها القوات التركية) والميليشيات والمرتزقة، الأمر الذى سيُضعف من نفوذ تركيا فى ليبيا خلال الفترة المقبلة.
عاشرًا: التقارب السعودى اليونانى الذى حدث مؤخرًا، وقيام السعودية بإجراء تدريب عسكرى مشترك مع اليونان، العدو اللدود لتركيا.
النقطة الحادية عشرة: أنه على الرغم من أن سياسة مصر الخارجية لم تتعرض لتركيا خلال الفترات السابقة، لدرجة أن الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى لم يذكر اسم تركيا أو رئيسها ولو مرة واحدة منذ توتر العلاقات بين الدولتين، فإن هناك أصواتًا داخل تركيا قامت بتحذير الرئيس التركى بأن مصر لن تسكت طويلًا أمام ما تفعله تركيا من إيواء عناصر جماعة الإخوان الإرهابية واستضافة ودعم المنصات الإعلامية التى تهاجم ليلًا ونهارًا. ويمكن لمصر أن تتخذ موقفًا مماثلًا وتسمح لعناصر حزب العمال الكردستانى التركى المعارض (PKK) من العمل من مصر أو أن تفتح منصاتها الإعلامية وتسمح لحزب العمال بأن يطلق منصات إعلامية باللغة التركية من داخل مصر تجاه نظام إردوغان. صحيح أن تلك ليست سياسة مصر، لكن هناك أصواتًا فى القيادة التركية تحذر إردوغان بأن استمرار العداء ضد مصر ليس فى صالح تركيا.
النقطة الثانية عشرة: أن أحزاب المعارضة التركية، وعلى رأسها الحزب الجمهورى، دائمًا ما ينتقد إردوغان، متسائلًا عن أسباب العداء مع مصر، مع أنها أكبر دولة فى المنطقة، والعداء معها يكلف تركيا الكثير والكثير.
ومع كل هذه الضغوط الاقتصادية داخل تركيا، فإن أصوات المعارضة أصبحت مسموعة، وتلقى قبولًا متزايدًا يومًا بعد يوم.
وفور إعلان إردوغان هذه التصريحات، ليلة الجمعة الماضى، أعلنت مصر، فى بيان دبلوماسى هادئ، تعقيبًا عما صدر من المسؤولين الأتراك على مختلف المستويات، أن ما يُطلق عليه استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قائم حتى الآن على مستوى القائم بالأعمال وفقًا للأعراف الدبلوماسية، وأن الارتقاء بمستوى العلاقات يجب أن يكون على أساس احترام مبدأ السيادة وحماية الأمن القومى المصرى والعربى، وأن مصر تؤكد أن أى دولة تتطلع إلى إقامة علاقات طبيعية معها عليها أن تكف عن محاولات التدخل فى الشؤون الداخلية لدول المنطقة.
ومن ذلك كله نعود إلى ما قاله السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى أحد اللقاءات- ولم يكن موجهًا لتركيا بالتحديد- أن مصر تنتظر من كل الدول الأفعال وليس الأقوال. لذلك نقولها بوضوح إنه إذا أرادت تركيا أن تكون لها علاقات سَوِيّة ومتزنة مع مصر، يجب عليها أن توقف هذه المهاترات حول احتضان عناصر جماعة الإخوان فى تركيا وهى تعلم أن مصر قد صنفت هذه الجماعة كجماعة إرهابية، وأن احتضان تركيا للعناصر المعادية لمصر، والتى تهدف إلى هدم الدولة المصرية، هو أمر غير مقبول، كذلك استضافة تركيا للمنصات الإعلامية التى تبث سمومها ليل نهار ضد مصر وشعبها أمر غير مقبول وفقًا لكافة الأعراف الدولية. ويأتى بعد ذلك تدخل تركيا السافر ضد الأمن القومى المصرى بتواجد قواتها العسكرية فى ليبيا، الدولة المتاخمة للحدود المصرية، مع استمرارها فى الدفع بالمرتزقة من شمال سوريا إلى ليبيا لخلق حالة من عدم الاستقرار هناك، وبالتالى تهديد الأمن القومى المصرى. كما أن قيام تركيا بنشر قواتها فى كل من سوريا والعراق قد أسهم فى زيادة حالة عدم الاستقرار فى المنطقة.
عمومًا، فإن المصريين فى الفترة القادمة ينتظرون ما ستقدم لهم تركيا بالأفعال وليس الأقوال، فالشعب المصرى وقيادته لن ينخدعا أبدًا بالأقوال والكلمات المعسولة، لذلك فإن الكرة الآن فى ملعب القيادة التركية، وعليها أن تترجم ذلك بوضوح بعدم تهديد الأمن القومى المصرى والعربى.. بعدها يكون رد شعب مصر وقيادتها!.
Email: sfarag.media@outlook.com
|