العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
ورغم ذلك شهد الشرق الأوسط أكبر ارتفاع فى مشتريات السلاح، عن باقى دول العالم، نتيجة لزيادة المشتريات بكل من قطر والسعودية والأردن ومصر والجزائر.
|
مستقبل تجارة السلاح فى الشرق الأوسط
لواء د. سمير فرج
|
26 أغسطس 2021
|
رغم تخصصية هذا الموضوع، وما يرتبط به من تفاصيل فنية، قد تصعب على غير المتخصصين، إلا أننى رأيت أن أجتهد فى عرضه للقارئٍ الكريم، فى محاولة لشرح ما يحدث فى المنطقة، بصورة مبسطة، بعدما أصدر معهد استكهولم الدولى لبحوث السلام تقريره السنوى، عن حركة بيع وشراء الأسلحة بين دول العالم، وهو التقرير الذى يعد أحد أهم مصادر جمع المعلومات فى العالم، لما عرف عنه من نزاهة وحيادية فيما يقدمه من رصد دقيق للمعلومات، بعيداً عن سياسات وتوجهات الدول.
لقد أشار التقرير السنوى، لهذا العام، للتغيرات التى شهدتها مبيعات الدول الخمس الكبرى المصدرة للسلاح فى العالم، وهى الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وفرنسا، وألمانيا والصين، فرغم الحفاظ على ترتيب المراكز، وبقاء الولايات المتحدة فى المركز الأول لتصدير السلاح فى العالم، فإن فرنسا، التى تحتل المركز الثالث، قد زادت مبيعاتها بنسبة 44%، كذلك ألمانيا التى تشغل المرتبة الرابعة، زادت مبيعاتها بنسبة 21%، بينما روسيا التى مازالت تحتل المرتبة الثانية فقد تراجعت نسبة مبيعاتها للسلاح، نظراً لتراجع مشتريات الهند، التى تعد أكبر مستورد للسلاح الروسى، أما الصين فاحتفظت بالمركز الخامس، رغم تراجع مبيعاتها فى دول العالم الثالث، وخاصة الإفريقية، التى تعتبر السوق الأساسى لصناعاتها العسكرية، نظراً للانخفاض النسبى لأسعارها، والتسهيلات التى تقدمها عند الدفع.
ورغم ذلك شهد الشرق الأوسط أكبر ارتفاع فى مشتريات السلاح، عن باقى دول العالم، نتيجة لزيادة المشتريات بكل من قطر والسعودية والأردن ومصر والجزائر، بينما سجل التقرير انخفاض مشتريات تركيا، والذى يرجع للعقوبات التى فرضتها الولايات المتحدة على تركيا بعد شرائها منظومة الدفاع الجوى الروسية S400، وعلى أثر ذلك منعت الولايات المتحدة تركيا من شراء طائرات الشبح الجديدة، وقطعت تدريب الطيارين الأتراك، الجارى حينها، بالولايات المتحدة، بل وأعادتهم إلى بلادهم.أما إيران، فقد سجل التقرير الارتفاع النسبى لمشترياتها من السلاح، بعدما خففت الأمم المتحدة من بعض القيود المفروضة عليها، فاستخدمت إيران الأسلحة الجديدة، فى إمداد أذرعها العسكرية فى المنطقة؛ حزب الله فى لبنان، والحوثيين فى اليمن، وحماس فى غزة، والحشد الشعبى فى العراق.كما وجهت بعض مشترياتها لتطوير إمكاناتها فى التصنيع العسكرى للطائرات الموجهة بدون طيار، والصواريخ الباليستية.
ويرجع مركز استكهولم زيادة شراء الأسلحة فى منطقة الشرق الأوسط، إلى استمرار التهديد الإيرانى لدول المنطقة خاصة دول الخليج العربى، بالإضافة للتهديد التركى للمصالح البترولية والغاز فى شرق المتوسط،مع استمرار الصراعات والحروب الداخلية فى بعض دول المنطقة. ويستشهد تقرير استكهولم بمقولة هنرى كيسنجر أن الشرق الأوسط هو بؤرة الصراعات حالياً فى العالم كله، ومادامت الصراعات موجودة فسيستمر الشرق الأوسط فى شراء الأسلحة. ولم يغفل التقرير الإشارة إلى أنه بالرغم من التأثير السلبى لجائحة كورونا على اقتصادات دول المنطقة، فإن شراء الأسلحة أصبح مطلباً، رئيسياً، لتحقيق الاستقرار،مؤيداً ذلك الرأى، بزيادة مشتريات السعودية من الأسلحة والمعدات العسكرية، نتيجة لعمليات الحوثيين فى اليمن.
ويضيف التقرير أن معرض السلاح المنعقد فى دبى، يعتبر، الآن، أهم أسواق بيع السلاح فى العالم، حتى إن روسيا عرضت فى، دورته الماضية، بيع المنظومات الجديدة من صواريخ S300-S400 للسعودية، لكفاءتها فى التصدى للصواريخ التى يطلقها الحوثيون باتجاهها، خاصة بعد الهجوم على منشآت أرامكو السعودية للنفط، وهو ما يثير حفيظة، الولايات المتحدة، بالطبع،لما يمثله استخدام تلك الأنظمة الروسية، من وجهة النظر الأمريكية، من فرصة للتجسس على طبيعة عمل المنظومة الدفاعية للصواريخ الأمريكية باتريوت، المستخدمة فى دول حلف شمال الأطلنطى، والمنتشرة فى معظم دول الشرق الأوسط، التابعة لمظلة الولايات المتحدة الأمريكية. جدير بالذكر، أن أسعار الأسلحة الروسية، تقل بكثير عن مثيلاتها الأمريكية والفرنسية والألمانية، فضلاً عن كفاءة صواريخ S400مقارنة بالصواريخ الأمريكية الباتريوت، إلا أن دول الخليج تخشى البعد عن المظلة الأمريكية، خاصة بعدما شهدت رد الفعل الأمريكى على شراء تركيا الصواريخ الروسية.
ومن ذلك التقريريتضح لنا أن مصر قامت بتطوير إمكاناتها العسكرية، من الناحية الدفاعية، وهو ما يؤكد أن مصر ليس لها أى نوايا هجومية، لتهديد الأمن القومى لدول المنطقة، بل تهدف مصر لتكوين قوة عسكرية،لتأمين حدودها واستثماراتها فى البحر المتوسط،المتمثلة فى حقول الغاز الطبيعى، وكذلك لتأمين المجرى الملاحى لقناة السويس، التى تمثل ثلث الدخل القومى لمصر، بالإضافة إلى تأمين حقها فى مياه النيل، فى ظل التهديدات الجديدة من اتجاه حوض نهر النيل، وهو ما ترفضه مصر، بأن تهدد أى دولة، من دول منابع النيل، وصول مياهه إلى مصر والسودان، وهو ما أيدته قرارات الأمم المتحدة التى تحفظ للدولتين حقوقهما القانونية والتاريخية فى مياه نهر النيل.
وبذلك يتضح أن هدف مصر من امتلاك قوة عسكرية، متطورة، هو ردع من قد تسول له نفسه تهديد الأمن القومى المصرى من أى اتجاه، فقوة مصر العسكرية تندرج تحت تعريف القوة الدفاعية، وليس الهجومية، التى تستهدف تأمين حقوق مصر ومقدرات شعبها، وليس لتهديد أى من دول المنطقة، إيماناً بسياستها القائمة على تحقيق الأمن والسلام لها ولجيرانها فى المنطقة.
Email: sfarag.media@outlook.com
|