العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
وطبقا للمدة المحددة من رئاسة الأركان الروسية، وهى خمسة أيام، حققت روسيا تدميرا كاملا للبنية الأساسية التحتية للقوات الأوكرانية، وأصبحت السماء الأوكرانية مباحة تماما للقوات الروسية.
|
الحرب الروسية الأوكرانية بعد شهر من القتال
لواء د. سمير فرج
|
31 مارس 2022
|
مر شهر على اندلاع القتال عندما قامت القوات الروسية بغزو أوكرانيا بعد أن رفضت الأخيرة وحلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية تقديم تعهد مكتوب بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو وعدم وجود أى قوات أجنبية داخل حدود أوكرانيا، وبالتالى تهدد الأمن القومى الروسى، وتمسك كل طرف بقراره، ووصلت الأمور إلى حافة الهاوية، مما دعا روسيا إلى بدء هجومها على أوكرانيا يوم 24 فبراير الماضى ولقد كانت خطة الهجوم الروسى تعتمد على شكل جديد فى أعمال القتال لم نتعود عليه من قبل.
حيث حددت القيادة الروسية أن تقوم خلال الخمسة أيام الأولى من القتال بتدمير البنية الأساسية التحتية للقوات المسلحة الأوكرانية، حيث بدأت العملية الهجومية ضد أوكرانيا بفكر عسكرى جديد هو تنفيذ ضربة صاروخية بدلا من الضربة الجوية المعتاد عليها فى الفكر العسكرى سواء كان فى العقيدة الغربية أو العقيدة العسكرية الشرقية، حيث استغلت روسيا إمكانيات نظام الصواريخ الباليستية الجديدة المتطورة من حيث دقة الوصول لأهدافها وضعف وسائل الدفاع الجوى الأوكرانى للتصدى للصواريخ المعادية لذلك نفذت روسيا ضرباتها الصاروخية ضد مراكز القيادة العسكرية الأوكرانية ومحطات الدفاع الجوى ومحطات الرادار والقواعد الجوية وأماكن تمركز الطائرات الأوكرانية، ثم أخيرا التجمعات القتالية للقوات المدرعة والميكانيكية.
وطبقا للمدة المحددة من رئاسة الأركان الروسية، وهى خمسة أيام، حققت روسيا تدميرا كاملا للبنية الأساسية التحتية للقوات الأوكرانية، وأصبحت السماء الأوكرانية مباحة تماما للقوات الروسية، وهى ما نطلق عليه «السيادة الجوية» «Air Supremacy»، ومع بدء القتال تقدمت القوات البرية الروسية داخل الأراضى الأوكرانية من خلال أربعة محاور، الأول كان من اتجاه شبه جزيرة القرم فى اتجاه مدينة خيرسون الأوكرانية.
حيث تم الاستيلاء عليها، أما المحور الثانى فكان من اتجاه الجمهوريتين المنفصلتين لوجانسيك ودونتيسك لسرعة الاستيلاء على ماريبول، ومازالت القوات الروسية تقاتل حاليا داخل هذه المدينة بعد أن تعرضت لأكبر تدمير شهدته المدن الأوكرانية فى هذه الحرب، حيث أصبح الهدف فى هذا الاتجاه هو الاستيلاء وتأمين منطقة دونباس، وتشير التقارير إلى أن روسيا تهدف إلى ضم هذا الإقليم والجمهوريات الموجودة إليها، بعد إجراء استفتاء شعبى، خاصة أن معظم سكان هذا الإقليم يتحدثون اللغة الروسية ويدينون بالولاء لروسيا، حيث إنه بالاستيلاء عليه يصبح بحر آزوف تحت سيطرة روسيا والذى هو هدفها الرئيسى للقتال فى هذه المنطقة.
أما المحور الثالث للقوات الروسية فهو اتجاه مدينة خاركيف، حيث تدور أعمال قتالية شرسة حاليا فى هذا الاتجاه بعد حصار شامل للمدينة، والمحور الرابع القتالى الروسى من الأراضى الروسية فى اتجاه تشيرنوبل والعاصمة الأوكرانية كييف، وعلى نهاية شهر القتال كانت القوات الروسية قد حققت السيطرة على معظم الأطراف الأوكرانية من ناحية الجنوب والشرق، وبدأت القوات الأوكرانية تحتمى بالمدن بعد أن فقدت السيطرة الجوية على مناطق القتال، ورغم أن القوات الروسية فى البداية لم تهاجم منطقة لفيف فى غرب أوكرانيا فى اتجاه الحدود مع بولندا، إلا أنها بدأت تنفيذ ضربات صاروخية شديدة ضد مخازن الذخيرة والبترول، خاصة أنها أصبحت الاتجاه الذى سيدفع منه حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية دعمها العسكرى إلى أوكرانيا.
وخلال هذه الفترة تقوم القوات الروسية بحصار المدن الرئيسية الأوكرانية، بدءا من كييف العاصمة وخاركيف ودينيرو سومى وميكولايف، وأخيرا أوديسا التى من المنتظر اقتحامها من القوات الروسية بعملية إنزال بحرى من اتجاه البحر الأسود، حيث إنها أهم ميناء لأوكرانيا، ويتم تصدير معظم الصادرات من خلاله، وفى حالة استيلاء القوات الروسية عليه سيصبح بحر آزوف والبحر الأسود تحت سيطرة روسيا، الأمر الذى سيضع روسيا فى موقف قوى خلال أى مفاوضات قادمة لإحلال السلام فى المنطقة، وتقول المصادر الغربية إن القوات الروسية عاجزة عن اقتحام المدن الأوكرانية، نظرا لاعتبارات عديدة أوردتها هذه المصادر الغربية.
لكن الواقع أن الرئيس الروسى بوتين أعلن، منذ البداية، أنه لا يريد تحقيق النصر على الأرض ضد القوات الأوكرانية، ونخسر حب الشعب الأوكرانى بإحداث أكبر خسائر فى المدنيين، لذلك فإن تقدم القوات الروسية نحو المدن الأوكرانية المحاصرة يتم بطريقة محسوبة للغاية، ويكفى حجم التدمير الحاصل الآن فى ماريبول نتيجة أعمال القصف والقتال، وترى روسيا أن مطالبها من أوكرانيا فى الفترة القادمة عندما تبدأ المحادثات للوصول إلى اتفاق سلام هو أولا أن تعلن أوكرانيا أنها دولة محايدة ولا يسمح لها بتملك قوة عسكرية وإن كانت بعض المصادر أعلنت أن روسيا قد تسمح لها بقوات محدودة ٤٠-٦٠ ألف مقاتل، وثانيا إعلان أوكرانيا عدم انضمامها إلى حلف الناتو أو أى أحلاف أخرى أن تتعهد بعدم السماح بوجود أى قوات أجنبية على أرضها، وثالثا أن تعترف أوكرانيا بحق ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.
ورابعا أن تتعهد أوكرانيا بعدم امتلاك أى سلاح نووى، وأخيرا أن تعترف أوكرانيا بحق الجمهوريتين الانفصاليتين فى استقلالهما عن أوكرانيا ونظرا للموقف العسكرى الأوكرانى غير القادر على مواجهة الهجوم الروسى، فقد طلب الرئيس الأوكرانى أن يتم فرض حظر جوى على سماء أوكرانيا لمنع الطائرات والصواريخ الروسية من مهاجمة أوكرانيا، الأمر الذى رفضه حلف الناتو والولايات المتحدة، كذلك طلب طائرات «ميج 29» الروسية وصواريخ باتريوت.
لكن جاء الدعم العسكرى الغربى إلى أوكرانيا فى صورة أسلحة دفاعية محدودة المدى من صواريخ الجافلين المضادة للدبابات وصواريخ ستينجر المضادة للطائرات و100 طائرة انتحارية بدون طيار من طراز سويتشبليد يصل مداها إلى 20 ميلا، وهذه الأسلحة ليست قادرة بالطبع على مواجهة الدب الروسى فى ميدان القتال، وخلال هذا الأسبوع قام الرئيس جو بايدن بحضور ثلاثة مؤتمرات: الأول لدول حلف الناتو لإعطاء دفعة قوية لأعضاء الحلف ثم اجتماع الدول الصناعية السبع واجتماع الاتحاد الأوروبى.
حيث تأكد فيه مسؤولية حلف الناتو عن الدفاع عن كل الدول الأوروبية ضد أى تهديد روسى قادم ورغم العقوبات التى فرضت على روسيا إلا أن الدول الأوروبية رفضت قطع الغاز الروسى التى تصدر 40% من احتياجات أوروبا، ويكفى أن ألمانيا تستورد 49% من احتياجاتها من الغاز الطبيعى من روسيا، وكذلك إيطاليا 46% وبلجيكا 77%، وغيرها من الدول الأوروبية التى رفضت بالطبع الحظر على الغاز الروسى، ولم يتم تفعيل حظر التعامل بنظام سويفت المالى العالمى، حيث إن استيراد الغاز الروسى لايزال يتم تسديد ثمنه من خلال هذا النظام، ولعل رد الرئيس بوتين على ضرورة تسديد الغاز الروسى بالروبل بدلا من الدولار اعتبارا من 31 مارس الحالى والذى لم يلق موافقة الدول الغربية التى تصر على الدفع بالدولار الأمريكى طبقا لما هو مخصص فى عقود الشراء.
وهناك أربع دول طلبت أن تقوم بدور الوساطة بين روسيا وأوكرانيا وكانت فى البداية الصين وجنوب إفريقيا وفرنسا، لكن تركيا قامت بدور ايجابى حيث تمت المقابلة الأولى بين وزير خارجية الدولتين فى أنطاليا فى تركيا، ثم جاءت المقابلة الثانية فى إسطنبول هذا الأسبوع ورغم طلب الرئيس الأوكرانى أن يلتقى مباشرة مع الرئيس الروسى بوتين الذى رفض هذا اللقاء حاليا لحين وضع مجموعات التفاوض الأسس النهائية التى يمكن بعدها أن يلتقى الرئيس الروسى بنظيره الأوكرانى.
ولقد انتهت المفاوضات الثانية فى إسطنبول بقرار من وزارة الدفاع الروسية بتخفيض عملياتها القتالية فى كييف نظرا للاتفاق المبدئى على الوضع الحيادى وغير النووى لأوكرانيا مع تحقيق الضمانات الأمنية، حيث طلبت أوكرانيا ضمان تركيا وإسرائيل وكندا.
على أى حال مازال الجميع ينتظر ما ستسفر عنه الأحداث مستقبلا، وهل ستنجح القوات الروسية بدخول العاصمة كييف، وهل ستنجح فى الاستيلاء على مدينة أوديسا وحرمان أوكرانيا من البحر الأسود وتصبح دولة لا شاطئية، وهل ستنجح روسيا فى الصمود أمام الضربات والعقوبات الاقتصادية، والتى من المنتظر أن تظهر نتائجها الفعّالة له بعد ثلاثة أشهر، حيث يعتقد العديد من المحللين أن هذه الحرب لن تستمر أكثر من ثلاثة أشهر، بعدها ستبدأ روسيا فى ضرورة الوصول إلى حل نهائى لهذه الأزمة التى أثرت على العالم كله، سواء الدول الغنية أو دول العالم الثالث.
Email: sfarag.media@outlook.com
|