العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
فبالنسبة لتحقيق الأهداف حتى الآن نجد أن روسيا حققت هدفها الرئيسى منذ بدء القتال، وهو تدمير البنية الأساسية للقوات المسلحة الأوكرانية.
|
!روسيا وأوكرانيا والشهر الثانى من الحرب
لواء د. سمير فرج
|
11 إبريل 2022
|
دخلت الحرب بين روسيا وأوكرانيا شهرها الثانى، ومع مرور الأيام ظهر العديد من التساؤلات، أولها: ماذا حقق كل طرف حتى الآن من الناحية السياسية والعسكرية؟، والسؤال الثانى: هل هناك بصيص من الأمل أن تنتهى هذه الحرب؟، وإن كان هناك أمل.. فمتى سيتوقف القتال؟، والسؤال الثالث: ما الهدف من استمرار القتال حاليًا سواء لروسيا أو أوكرانيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والصين وأخيرًا دول حلف الناتو؟. وسنحاول هنا أن نجيب عن تلك الأسئلة.
فبالنسبة لتحقيق الأهداف حتى الآن نجد أن روسيا حققت هدفها الرئيسى منذ بدء القتال، وهو تدمير البنية الأساسية للقوات المسلحة الأوكرانية، وأصبحت الآن سماء أوكرانيا مباحة تمامًا أمام القوات الروسية، مما دعا الرئيس الأوكرانى إلى أن يطلب من الناتو التدخل بفرض حظر جوى على أوكرانيا، الأمر الذى رفضته أمريكا والناتو لأنه يعنى الدخول فى حالة حرب مباشرة مع روسيا، وهو ما أعلناه منذ البداية بأنه لا تدخل عسكرى ضد روسيا.
وعلى المستوى العسكرى، فشلت روسيا فى اقتحام العاصمة الأوكرانية كييف، بعد أن انسحب الجيش الأوكرانى من الأماكن المفتوحة وتحصن داخل المدن، وأهمها كييف العاصمة، وأجبر الجيش الروسى على الدخول فى حرب قتال المدن، وهو أصعب أنواع القتال لأى جيش نظامى. ولا شك أن وصول الدعم العسكرى من أمريكا بصواريخ جافلين المضادة للدبابات وستينجر المضادة للطائرات ساعد المقاتلين الأوكرانيين على صد هجمات الجيش الروسى ومنعه من دخول كييف. إلا أن هذا لا يعنى استحالة دخول كييف، حيث سيتطلب ذلك من الجيش الروسى اتباع سياسة الأرض المحروقة، أى تدمير المدينة بالكامل، وروسيا قادرة بقوة نيران جيشها على ذلك، وسوف تحدث خسائر كبيرة فى المدنيين، وهو ما ترفضه روسيا حتى لا تسوء سمعتها عالميًّا. كذلك فإن بوتين يعتبر الشعب الأوكرانى جزءًا من روسيا، وهنا سيخسر الشعب الأوكرانى للأبد. لذلك بدأت روسيا فى اتباع سياستها المعهودة بعدم فتح جبهتين استراتيجيتين فى وقت واحد، فبدأت فى إعادة التمركز وسحب جزء من قواتها من منطقة كييف وتشيرنوبل والتركيز على الجبهة الشرقية فى أوكرانيا فى اتجاه بحر أزوف والبحر الأسود، حيث نجحت فى الاستيلاء على مدينة خيرسون، وحاليًا تقاتل القوات الروسية ومعها دعم قوات الشيشان حوالى 1000 مقاتل للاستيلاء على مدينة ماريوبول، حيث نجحت فى الوصول إلى قلب المدينة وبنجاح، وبذلك تكون قد حققت الاستيلاء على اتجاه دونباس، حيث جمهوريتى لوغانسك ودونيتسك المنفصلتين عن أوكرانيا. وبعدها تتوجه القوات الروسية للاستيلاء على أوديسا، وهنا تحرم روسيا دولة أوكرانيا من بحر أزوف والبحر الأسود، وسوف تكون ضربة استراتيجية كبيرة ضد أوكرانيا تعطى روسيا قوة كبيرة عند الجلوس على مائدة المفاوضات.
ومن الناحية السياسية كسبت روسيا حتى الآن موافقة أوكرانيا من حيث المبدأ على تحييد الدولة الأوكرانية بشرط وجود ضمانات دولية لأوكرانيا ألّا تُكرر روسيا هجومها عليها مرة أخرى، لكن مشكلة موافقة أوكرانيا على ضم روسيا شبه جزيرة القرم أمر معقد لم يتم الوصول إلى حل بشأنه حتى الآن.
وعلى مستوى أوكرانيا، فقد نجحت فى حشد القوى الدولية، وخاصة الاتحاد الأوروبى، لاتخاذ موقف ضد روسيا وزيادة العقوبات الاقتصادية عليها، كما نجحت فى الحصول على دعم عسكرى متزايد ودعم مالى لمجابهة الوضع الاقتصادى الذى وصلت إليه البلاد، ولكن لا تزال أوكرانيا ترى أن دول الناتو لم تقدم لها الأسلحة الهجومية اللازمة مثل طائرات ميج 29 وصواريخ الباتريوت والرادارات رغم أن أوكرانيا تحصل على معونة حربية غير ملحوظة، وهى حجم المعلومات العسكرية عن روسيا، والتى تصلها يوميًّا من الولايات المتحدة.
وعندما نتناول الإجابة عن السؤال الثانى عن الأمل فى انتهاء تلك الحرب قريبًا، نرى أن روسيا تعمل على سرعة تحقيق انتصارات على الأرض، خاصة فى منطقة دونباس، بعدها تبدأ فى المفاوضات المباشرة الجادة مع أوكرانيا، حيث إن التوقيت الذى وضعته روسيا لإنهاء هذه الحرب هو ثلاثة شهور، أى تنتهى فى شهر مايو القادم، وإلا فستبدأ العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا فى التأثير المباشر عليها. أما أوكرانيا فترى أن مد هذه الحرب يعنى المزيد من تدمير البنية الأساسية المدنية للدولة مثل المياه والكهرباء والمواصلات والمستشفيات.. إلخ، لذلك تعمل على عدم تطويل مدة القتال. وعلى الطرف الآخر، نرى الولايات المتحدة وبريطانيا تعملان على زيادة مدة الحرب لاستنزاف الاقتصاد الروسى لأطول فترة ممكنة، وذلك بزيادة الدعم العسكرى لأوكرانيا وزيادة العقوبات الاقتصادية على روسيا، لكن لا تزال بعض دول حلف الناتو وبعض دول الاتحاد الأوروبى ترى سرعة إنهاء هذه الحرب، ومنها ألمانيا والمجر وإيطاليا، بهدف إعادة روسيا ضخ الغاز الطبيعى لهذه الدول، التى لا تستطيع تحمل إيقاف تدفئة الغاز، رغم أن روسيا لا تزال تدفع الغاز الطبيعى لهذه الدول حتى الآن. ولعل باقى الدول الأوروبية والصين ودول العالم تأمل فى سرعة انتهاء الحرب لتفادى استمرار التأثيرات الاقتصادية الكبيرة التى أثرت على الجميع، حتى بريطانيا، التى لديها إمكانيات بترول بحر الشمال، اضطرت إلى زيادة سعر البنزين للمواطن البريطانى، ورغم انشغال فرنسا بالانتخابات الرئاسية حاليًا، فإنها تأمل فى سرعة انتهاء الحرب لنفس الأسباب الاقتصادية.
ولقد أظهرت هذه الحرب بعض النتائج المؤثرة رغم أنها لم تنته بعد، لعل أهمها إدراك معظم الدول، ومن بينها دول الناتو، ضرورة أن تعتمد كل دولة على قوتها العسكرية، فلن يحارب «الناتو» مستقبلًا عند تهديد أى دولة منها، وأبسط مثال على ذلك قيام ألمانيا بزيادة إنفاقها العسكرى هذا العام بمقدار 100 مليار يورو وشراء 35 طائرة أمريكية F35، وهذا الأمر كانت ترفضه المستشارة الألمانية ميركل من قبل، ولكن الظروف الآن تغيرت، وستصبح ألمانيا خلال السنوات الخمس القادمة من أكبر خمس قوى عسكرية على مستوى العالم. كذلك بدأت دول أوروبا فى التفكير فى الاعتماد على الطاقة البديلة والعودة إلى المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة، بعد أن كان العمل قد توقف بها بعد حادثة تشيرنوبل، كذلك اللجوء إلى الطاقة الشمسية وباقى مصادر الطاقة بعدما حدث فى هذه الحرب. على أى حال فإن الحرب لم تنته بعد، ولا تزال الآثار تظهر كل يوم، ونحن فى انتظار اليوم الذى تنتهى فيه أعمال القتال لنجلس معًا ونُحلل ونفسر ما حدث، ونرى ما أهم نتائج حرب القرن الواحد والعشرين.
Email: sfarag.media@outlook.com
|