العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
لذلك قررت روسيا تغيير اتجاه الهجوم من كييف إلى شرق أوكرانيا ويظل زيلينسكى الرئيس المنتخب من الشعب موجودًا ليوقع هو بنفسه على اتفاق سلام قادم بعد انتهاء الحرب.
|
الحرب الروسية الأوكرانية بعد تسعين يومًا!
لواء د. سمير فرج
|
23 مايو 2022
|
تسعون يومًا مرت تقريبًا منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية يوم 24 فبراير الماضى، عندما فشلت الجهود الروسية فى إقناع أوكرانيا بعدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسى «الناتو»، حيث إن ذلك يؤثر مباشرة على الأمن القومى الروسى بوجود قوات من حلف الناتو على الأراضى الأوكرانية على الحدود المباشرة لروسيا، ويعد هذا أمرًا مرفوضًا فى علوم الاستراتيجية والأمن القومى عالميًّا. وسبق للولايات المتحدة الأمريكية نفسها أن رفضته عام 1962 فيما عرف بأزمة الصواريخ الكوبية عندما قام الاتحاد السوفيتى السابق بنقل صواريخ سوفيتية إلى كوبا على الحدود المباشرة الأمريكية، الأمر الذى رفضته أمريكا وكاد الرئيس الأمريكى جون كنيدى يأمر بإطلاق الصواريخ النووية الأمريكية على كوبا وإزالتها من الوجود. إلا أن الأمر انتهى بعد 14 يومًا بسحب الاتحاد السوفيتى صواريخه من كوبا.
وهذا العام تكررت الأزمة ولكن من الطرف الآخر؛ لذلك كان الرئيس الروسى فلاديمير بوتن واضحًا فى طلبه بتعهد أوكرانيا بأنها لن تنضم لحلف الناتو أو سيقوم باتخاذ إجراءاته العسكرية، وبالفعل قام الجيش الروسى بالهجوم على أوكرانيا يوم 24 فبراير الماضى. فى البداية كان الهجوم الروسى على أوكرانيا فى مراحله الأولى بهدف تدمير البنية التحتية العسكرية الأوكرانية والتى نجح فيها خلال عشرة أيام، حيث قام بتدمير المطارات والقواعد الجوية والطائرات ومحطات الرادار ومراكز القيادة وقوات الدفاع الجوى والتجميعات الرئيسية للقوات الأوكرانية. بعدها بدأ بتركيز الهجوم الرئيسى فى اتجاه العاصمة الأوكرانية كييف، وهنا بدأ الجيش الأوكرانى الذى فقد قواته الجوية والدفاع الجوى وقواته الرئيسية فى اتخاذ أسلوب الدفاع عن المدن، وهى أصعب أساليب القتال لأى قوات تقليدية. لذلك تعثرت القوات الروسية على مداخل العاصمة كييف ولم يكن أمام روسيا إلا اقتحام كييف بأسلوب الأرض المحروقة، أى تدمير المدينة بالكامل..
وهذا يعنى تدمير البشر، وتفقد روسيا حينها ما كانت تهدف إليه وهو أن يتم النصر على أوكرانيا ويظل الشعب الأوكرانى صديقًا للشعب الروسى. كذلك فكر بوتين أنه بالاستيلاء على كييف سينتهى حكم الرئيس الأوكرانى زيلينسكى وتأتى حكومة جديدة توقع مع روسيا اتفاق سلام، إلا أنها لن تكون معترفًا بها. لذلك قررت روسيا تغيير اتجاه الهجوم من كييف إلى شرق أوكرانيا ويظل زيلينسكى الرئيس المنتخب من الشعب موجودًا ليوقع هو بنفسه على اتفاق سلام قادم بعد انتهاء الحرب.
وبدأت روسيا الحرب فى اتجاه شرق أوكرانيا فى إقليم دونباس حيث الجمهوريات التى أعلنت انفصالها عن أوكرانيا وهى لوغانيسك ودونيتسك. وبالفعل نجح هذا الاتجاه واستولت على مدينة ماريوبول وسيطرت روسيا على منطقة بحر آزوف وحرمت أوكرانيا من موانئها فى هذا الاتجاه، وتتقدم الآن للاستيلاء على ميناء أوديسا أكبر موانئ أوكرانيا. ولو نجحت فى هذا الهجوم سوف تحرم أوكرانيا تمامًا من موانئها على البحر الأسود وتصبح أوكرانيا دولة لا شاطئية، وأعتقد هنا سوف تتوقف روسيا عن الهجوم وتبدأ فى الجلوس على طاولة المفاوضات وتنفذ المقولة الشهيرة التى تقول إن من يحدد الجلوس على طاولة المفاوضات ونقاط التفاوض وضع القوات العسكرية على الأرض. كما استمرت روسيا فى نفس الوقت بضرب كافة المراكز العسكرية الأوكرانية فى كل أنحاء أوكرانيا وخاصة الصناعات العسكرية والمدنية لإضعاف أوكرانيا، كذلك مهاجمة مدينة لفيف على الحدود البولندية الأوكرانية لتدمير الإمدادات والأسلحة الأمريكية والأوروبية القادمة إلى أوكرانيا.
ونود هنا أن نؤكد أن معظم الأسلحة والمعدات التى قدمتها أمريكا وأوروبا إلى أوكرانيا هى أسلحة دفاعية لأن هدف أمريكا هو إطالة أمد الحرب بهدف إضعاف روسيا اقتصاديًّا، حيث اقتصر الدعم العسكرى على إمداد أوكرانيا بصواريخ جافلين المضادة للدبابات وستينجر المضادة للطائرات والتى يبلغ مداها نحو 3-6 كيلومترات بدلًا من إمدادها بطائرات ميج 29 أو بطارات باتريوت أو الرادارات المضادة للصواريخ البالستية الروسية والتى دمرت الجيش الأوكرانى. وحاولت أمريكا أن تقنع دول الاتحاد الأوروبى بأن توقف وارداتها من الغاز الروسى خاصة بعد قيامها بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، لكن جاء الرد من بوتين بأنه لن يقبل دفع ثمن الغاز بالدولار بل طلب الدفع بالروبل. وكانت المفاجأة أن معظم الدول الأوروبية رفضت قطع علاقاتها مع روسيا واستمرت فى استيراد الغاز الطبيعى بل الدفع بالروبل. ونتيجة لذلك ارتفعت قيمة الروبل وفشلت أمريكا فى منع دول أوروبا من الحصول على الغاز الروسى، خاصة أن أوروبا تستورد 40% من احتياجاتها من الغاز من روسيا. ثم جاء ما لم يكن فى الحسبان وهو طلب فنلندا والسويد الانضمام لحلف شمال الأطلسى «الناتو» الذى يضم 30 دولة. وبما أن فنلندا تتشارك مع روسيا بحدود مباشرة يبلغ طولها 1300 كيلومتر، فهذا سيضع روسيا فى موقف ضعيف لأول مرة بوجود أسلحة لحلف شمال الأطلسى على حدودها مع فنلندا، مما يشكل تحديًا كبيراً للأمن القومى الروسى مستقبلًا. وكان أول رد روسى على هذا القرار وقف صادرات الغاز إلى فنلندا، مما جعل حلف الناتو، فى محاولة منه لتخفيف التوتر، يلمح لعدم نشر قوات للناتو فى فنلندا. كما تحفظت تركيا كأحد أعضاء حلف الناتو على انضمام فنلندا والسويد وهو حق لها حيث إن قوانين الحلف لا تسمح لأى دولة بالانضمام إلا بموافقة جميع الأعضاء. وكانت مبررات تركيا أن الدولتين تقومان باستضافة أعضاء حزب العمال الكردستانى (ب.ك.ك) والذى تصنفه تركيا كحزب إرهابى، وأن تركيا أخطأت من قبل بالموافقة على قبول اليونان العدو اللدود لها ضمن أعضاء الحلف.
وتهدف تركيا من ذلك للضغط على فنلندا والسويد لتسليمهم 40 عضوًا من حزب العمال الكردستانى والضغط على أمريكا لإلغاء العقوبات التى فرضتها على تركيا بعد شرائها نظام الدفاع الجوى S400 من روسيا وخاصة قيام أمريكا بتعليق صفقة بيع طائرات F35 إلى تركيا. ورغم تشدد تركيا فى رفضها انضمام السويد وفنلندا للناتو، أعتقد أنها فى مرحلة ابتزاز للحصول على أكبر مكاسب لها ولكن فى النهاية سوف ترضخ وتوافق على عضويتهما بالناتو وإلا ستكون العواقب عليها وخيمة، ولعل أحدها قيام الناتو بطرد تركيا من الحلف. كذلك فإن الجيش التركى يعتمد على أسلحة أمريكية بنسبة 90%، ويعنى ذلك الكثير، لذلك أعتقد أن تركيا سترضخ وتوافق على انضمام الدولتين إلى الحلف. أما روسيا فإنها حاليًّا تفكر فيما ستفعل أمام هذا القرار الجديد. بالطبع سوف تعلن روسيا حشد قواتها وأسلحتها النووية أمام فنلندا، ولكن هذا الإجراء لن يكون فعالًا، ومن هنا علينا أن ننتظر ماذا سيحدث فى المستقبل بعد أن كنا نأمل أن تنتهى هذه الحرب سريعًا ويعود السلام إلى أوروبا.
Email: sfarag.media@outlook.com
|