القمة الروسية الإيرانية التركية.. ما لها وما عليها

لم تكد زيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى الشرق الأوسط تنتهى إلا وبدأت القمة الروسية الإيرانية التركية في طهران، وكأنها رد على هذه الزيارة، حيث كانت ضد الأطراف المعادية للولايات المتحدة، وهى إيران وروسيا، وكان الهدف الظاهر والمعلن منها هو بحث الملف السورى في إطار عملية «أستانا للسلام»، التي تهدف إلى إنهاء المشكلة السورية منذ عام 2011، وعلى جانب هذا المؤتمر ظهرت مشاكل أخرى مثل مشكلة تصدير الحبوب الأوكرانية العالقة في الموانئ الأوكرانية خوفًا من نشوب أزمة غذائية عالمية، خاصة أن هذه القمة جاءت بعد محادثات تفصيلية تمت في تركيا حول أسلوب تنفيذ ممر مائى آمن لمرور السفن التي تحمل حبوب أوكرانيا إلى العالم الخارجى.

ونعود مرة أخرى إلى مؤتمر القمة، الذي شهد اجتماعًا ثلاثيًّا بين الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى ونظيره الروسى فلاديمير بوتين والرئيس التركى رجب أردوغان، لمناقشة مستجدات الوضع في سوريا، حيث أعلنت تركيا أنها بصدد شَنّ عملية عسكرية في شمال سوريا بهدف تأمين منطقة داخل سوريا على طول الحدود بين تركيا وسوريا بعمق 30 كم.. لذلك حاولت القمة خفض العنف على الحدود السورية، على الرغم من أن إيران وروسيا هما أقوى الداعمين للرئيس السورى بشار الأسد، بينما تدعم تركيا العناصر المناهضة لبشار الأسد.

ولا شك أن بشار الأسد يدين بالفضل إلى روسيا، التي ساعدته في القضاء على معظم عناصر داعش، التي كانت قد سيطرت على معظم الأراضى السورية، لكن بفضل القوات الروسية تمكن بشار الأسد من استعادة السيطرة على معظم الأراضى السورية مرة أخرى، ولم يتبقَّ إلا بعض القطاعات التي مازالت تحت سيطرة عناصر داعش.

وشمال سوريا تسيطر تركيا على جزء منه وأجزاء أخرى تحت سيطرة العناصر الكردية السورية الموالية للولايات المتحدة الأمريكية، «قوات سوريا الديمقراطية»، ونظير معاونة روسيا لنظام الأسد، نجحت في إقامة قاعدة بحرية روسية في طرطوس وقاعدة جوية روسية في أحميم، وبذلك عادت روسيا مرة أخرى إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط.

كما تم الإعلان في مؤتمر القمة الثلاثية أنه ستتم مناقشة موضوع إعادة إعمار سوريا، خلال آلية مؤتمر أستانا الأسبق، خاصة أن الجميع يتسابقون على هذه الكعكة.

وشملت زيارة بوتين إلى إيران اجتماعًا بالمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، على خامنئى، في خطوة للتقارب بين البلدتين، حيث كان بوتين يهدف إلى إعادة تشكيل سوق النفط العالمية، حيث وقّعت شركة الغاز الروسية «غازبروم» وشركة النفط الوطنية الإيرانية مذكرة تفاهم بشأن التعاون الاستراتيجى تشمل استثمارات بمليارات الدولارات في قطاع موارد الطاقة الإيرانى، وذلك بمقدار 40 مليار دولار، كذلك تم توقيع عدد من اتفاقيات التعاون المشترك الثنائى الاستراتيجى لبحث التبادل التجارى والاقتصادى بين طهران وأنقرة، والذى من المنتظر أن يكون ضربة قوية ضد العقوبات الاقتصادية الأمريكية نحو كل من إيران وروسيا.

وحول الشأن السورى، قررت إيران رفضها أي عملية عسكرية تركية في شمال سوريا، حيث أكد «خامنئى» خلال لقائه مع أردوغان أن أي عملية عسكرية من تركيا تجاه الشمال السورى ستعود بالضرر على مختلف دول المنطقة، رغم أن الرئيس الإيرانى أعلن خلال المؤتمر الصحفى أن التنظيمات الكردية تمثل مشكلة كبيرة بين كل من تركيا وإيران، وأكد أن علينا أن نقاتل هذه المنظمات الإرهابية بالتكامل والتحالف على حد كبير، وبالطبع، فإن تركيا وإيران تخشيان اتحاد أكراد الدولتين معًا ومعهم أكراد العراق من أجل بناء دولة كردستان الكبرى، التي هي أمل الشعب الكردى في هذه الدول الثلاث، وخاصة أن أكراد العراق قد قاموا بمحاولة تكوين دولة كردية شمال العراق، ولكنها فشلت، وتمت عودتهم مرة أخرى إلى حضن الدولة الأم العراق.

لذلك فإن الأمل مازال موجودًا لدى الشعب الكردى في الدول الثلاث، سوريا والعراق وإيران، لتحقيق الحلم الأكبر بدولة كردستان بأهلها من شمال العراق وشمال إيران وشمال سوريا، وحاليًا تواجه تركيا تأييد الولايات المتحدة الأمريكية لأكراد سوريا، «قوات سوريا الديمقراطية»، الذين نفذوا عملية القضاء على عناصر داعش في منطقتهم بالأسلحة والمعاونة الأمريكية.. الأمر الذي رفضت بعده أمريكا أي مساس بهم، بعد سحب ترامب قواته من هناك، خاصة أنه مازال بعض القوات الأمريكية تؤمِّن مناطق البترول في هذه المنطقة.

ويعتقد البعض أن حضور أردوغان هذه القمة كان بهدف حصوله على مباركة إيران وروسيا للقيام بهذه العملية العسكرية شمال سوريا وتأمين المنطقة الحدودية بعمق 30 كم، ولكن يبدو أن روسيا وإيران رفضتا هذه العملية العسكرية، وبالطبع هناك رفض أمريكى مسبق، لذلك فإن الأمور أصبحت صعبة لأردوغان لشَنّ هذه العملية مستقبلًا، وإن كان من الممكن أن يقوم أردوغان بتنفيذها، رغم كل هذه الظروف لأنها من وجهة نظره تمثل تهديدًا للأمن القومى التركى.

وعلى أي حال، فإن الأيام القادمة سوف تحدد مصير قرار أردوغان لاحتلال المنطقة العازلة لشمال سوريا، حيث إن أردوغان لا يريد إغضاب بوتين في مرحلة قيام تركيا بدور الوساطة لمرور القمح الأوكرانى عبر الممر المائى الجديد، حيث يمكن أن يكسب أردوغان بهذه العملية رضا الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى، خاصة أن أردوغان قد يواجه مشكلة أخرى مع الاتحاد الأوروبى بسبب تحفظه مرة أخرى على انضمام فنلندا والسويد إلى الاتحاد الأوروبى بسبب ما يدعيه أن الدولتين لم تنفذا تعهداتهما بشأن العناصر الإرهابية- «كما يدّعِى»- الكردية الموجودة في تلك البلاد، والتى يرغب أردوغان في سرعة تسليمهم إلى تركيا أو على الأقل طردهم من البلاد، الأمر الذي ترفضه فنلندا والسويد، خاصة الأكراد الذين حصلوا على جنسيتى هذين البلدين.

وعلى الجانب الآخر، أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض أن تحرك روسيا وحضورها مؤتمر القمة في إيران هو شكل من أشكال الخروج من الحصار المفروض عليها من الاتحاد الأوروبى وأمريكا.. وعلى الطرف الآخر، أعلن نائب وزير الدفاع الروسى أن روسيا لا تفكر في شراء المُسيَّرات التركية البيرقدار، حيث كانت هناك شائعات تقول إن روسيا تفكر في شرائها من تركيا أو إن روسيا أرادت الضغط على تركيا لمنع قيامها ببيع أي طائرات مُسيَّرة مرة أخرى إلى أوكرانيا أو حتى قطع الغيار اللازمة لها.

وهكذا نرى من هذه القمة أن العالم يسير في نظرية الأوانى المستطرقة، فكل الأمور تسير في اتجاهات عديدة متشابكة مع مصالح الدول الأخرى، وهكذا تظل لعبة السياسة هي المصالح أولًا.