العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
دخلت المشكلة الروسية الأوكرانية إلى النفق المظلم، الذى لا تُرى نهايته، فى المستقبل القريب، وصار أمل الوصول إلى حل، أو اتفاق بشأنها، بعيد المنال.
|
الحرب الروسية الأوكرانية إلى النفق المظلم
لواء د. سمير فرج
|
29 سبتمبر 2022
|
فجأة دخلت الحرب الروسية الأوكرانية إلى نفق مظلم، لا يبدو فيه أى بارقة ضوء، رغم ما بدا منذ ثلاثة أشهر من احتمالية الوصول لحل للمشكلة، عندما أعلنت روسيا شروطها الخمسة للحل، أولها أن تعلن أوكرانيا حيادها، مثلها مثل سويسرا، على سبيل المثال، وثانيها إعلان أوكرانيا عدم انضمامها لحلف الناتو، أو أى أحلاف عسكرية أخرى مع أمريكا، والدول الأوروبية. أما ثالث الشروط فتمثل فى اعتراف أوكرانيا بحق روسيا فى شبه جزيرة القرم، ورابعاً اعتراف أوكرانيا بحق جمهوريات لوجانسيك، ودونتسك، فى الاستقلال، وأخيراً تعهدأوكرانيا بعدم امتلاك السلاح النووى مستقبلاً، واشترطت روسيا أن تكون موافقة أوكرانيا على تلك الشروط من خلال برلمانها.
وخلال مباحثاتها مع المفاوض التركى،أبدت أوكرانيا، موافقتها على الشروط الثلاثة الأولى، ورفضت، تماماً، الموافقة على ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وأعلن الرئيس الأوكرانى أن الموافقة على ذلك الشرط يعد خيانة للشعب الأوكرانى، لن يقبلها، أبداً، ما بقى على قيد الحياة.أما شرط الاعتراف بالجمهوريتين الانفصاليتين؛ فقد اقترح المفاوض التركى منحهما الحكم الذاتى، فى إطار الدولة الأوكرانية. ومع احتمال تجميد موقف شبه جزيرة القرم، ليتم بحثه مستقبلاً، خاصةً أنها تحت السيطرة الروسية، حالياً، توقع البعض الوصول إلى حل فى المستقبل القريب،وتوقيع اتفاقية السلام المنتظرة.
إلا أن الأمل لم يدم طويلاً، إذ تعقدت الأمور، عندما رفضت الولايات المتحدة أن يتم هذا الاتفاق بين روسيا وأوكرانيا، فإذا بالرئيس الروسى، بوتين،يكثف عملياته العسكرية، حتى سيطر على إقليم دونباس، بالكامل، لترتفع نسبة الأراضى الأوكرانية الواقعة تحت السيطرة الروسية إلى 20%. ورغم نجاح أوكرانيا فى الهجوم المضاد، فى عملية محدودة، على الدفاعات الروسية، فإن بعض المحللين، يرون أن أوكرانيا قد ورطت نفسها بتلك العملية، التى اعتمدت فيها على دقة المعلومات التى جمعها الجانب الأمريكى، بواسطة الأقمار الصناعية، حول الأوضاع الدفاعية للقوات الروسية، وحددت القيادة الأمريكية نقاط الضعف فى الدفاعات الروسية، وأنسب الأماكن لاختراقها، ووضعت خطة الهجوم، التى نفذتها القوات الأوكرانية باستخدام الأسلحة الأمريكية الجديدة. فرغم نجاح العملية، فإن القيادة الروسية لم تهتز لها، بل وتحولت إلى تنفيذ استراتيجيتها الجديدة، المعتمدة على إطالة زمن الحرب،حتى أوائل العام القادم، على أقل تقدير، لتنفيذ خطتها فى منع الغاز عن الدول الأوروبية.
وفى نفس الوقت، فجرت روسيا مفاجأة ثانية، بقيامها بإجراء استفتاء فى الأقاليم الأربعة لدونباس، وهى جمهوريتا دونيتسك، ولوجانسيك الشعبيتان، وإقليما خيرسون، وزابورجيا، رغم معارضة الولايات المتحدة، والدول الأوروبية على هذا الاستفتاء، تطبيقاً للقانون الدولى، الذى لا يعترف بنتائج الاستفتاءات تحت ظروف الاحتلال، إلا أن روسيا أكملت الإجراء، مثلما فعلت عند ضم شبه جزيرة القرم، فى 2014، واليوم ستضم الأقاليم الأربعة، بعد موافقة الدوما، أو البرلمان الروسى، لتصبح أراضى روسية. ورغم إعلان الرئيس الأمريكى، جو بايدن، أن الولايات المتحدة أمريكية لن تسمح بهذا القرار الروسى، وأنها ستتخذ الإجراءات اللازمة، مهما يصل مداها، لمنع روسيامن ضم تلك الأراضى التى تعادل نحو 15% من مساحة أوكرانيا، إلا أن الكثيرين يرون أن الإجراءات الأمريكية لن تتعدى مزيداً من العقوبات ضد روسيا، فى ظل الحذر الأمريكى من اتخاذ إجراءات قد تؤثر سلبياً على النتائج المرتقبة للتجديد النصفى للكونجرس خلال الشهرين القادمين.
وحتى وإن انضمت تلك الأقاليم إلى الأراضى الروسية، فلا يعنى ذلك استقراراً فى الأوضاع، بل ينتظر أن تزداد الأمور تعقيداً؛ فتخيل معى، عزيزى القارئ، السيناريوهات المحتملة لأى محاولة أوكرانية لمهاجمة تلك الأقاليم لاستردادها، فحينها ستعتبر روسيا ذلك اعتداءً على أراضيها، وهو ما لن تتهاون، أبداً، فى الرد عليه بمنتهى القسوة، قد تصل إلى توجيه الضربات العسكرية فى عمق الأراضى الأوكرانية، ضد الأهداف المدنية، مثل مهاجمة محطات الكهرباء، والمياه، والسكك الحديدية، والطرق الحيوية، بهدف شل المجتمع المدنى الأوكرانى، والضغط على الرئيس زيلينسكى، وعلى حكومته.
ومن المتوقع أن يتزامن كل ذلك،مع دخول فصل الشتاء القارس، الذى بدأ يقرع أبواب الدول الأوروبية، واحتياج الدول الأوروبية للغاز الروسى، خاصة لأغراض التدفئة، إذ تعول روسيا على غضب الشعوب الأوروبية ضد حكوماتها، وما يمثله من قدرة لإجبار تلك الحكومات للتخلى عن دعمها لأوكرانيا، ما دام يتعارض مع مصالح الشعوب الأوروبية، وهو ما كان الهدف الاستراتيجى لروسيا خلال الشهور الماضية، والذى بنت عليه استراتيجيتها لإطالة زمن الحرب، مع استغلال عدم قدرة الإدارة الأمريكية على اتخاذ قرارات عسكرية حاسمة ضد روسيا قبل ظهور نتائج التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى.
وهكذا، فقددخلت المشكلة الروسية الأوكرانية إلى النفق المظلم، الذى لا تُرى نهايته، فى المستقبل القريب، وصار أمل الوصول إلى حل، أو اتفاق بشأنها، بعيد المنال، وصارت مثل الشوكة فى قلب أوروبا، وانسحبت آثارها على العالم كله، فما من دولة حول العالم، إلا وطالتها مغبات الحرب الروسية الأوكرانية، خاصة على الصعيد الاقتصادي... وصار العالم فى حالة ترقب لما ستسفر عنه الأسابيع أو الشهور القليلة المقبلة، فى ظل تشابك الخيوط، واختلاط المصالح، وعدم وضوح الرؤية.
Email: sfarag.media@outlook.com
|