العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
من هنا، ظهرت فكرة هل هناك رسم جديد لخريطة العلاقات الدولية فى العالم من خلال تذبذب العلاقات وموازين القوى.
|
نحن نعيش فى زمن الأوانى المستطرقة
لواء د. سمير فرج
|
17 ديسمبر 2022
|
عندما قامت الحرب العالمية الثانية، صحيح أنها نشبت بين بعض دول نصف العالم فى أوروبا وآسيا، إلا أن هناك دولًا أخرى فى العالم ربما لم تسمع أو تتأثر بها مثل بعض دول إفريقيا، لكن الآن، فإن الحرب الروسية الأوكرانية، رغم أنها حرب محلية، وليست عالمية بين دولتين فقط، إلا أن تأثير هذه الحرب هو تأثير عالمى، ولقد أثرت هذه الحرب على كل دول العالم الفقيرة والغنية، حتى لو كانت بعيدة، بملايين الكيلومترات.
والتأثير الرئيسى، بالطبع، كان التأثير الاقتصادى، فلقد كان أول هذه التأثيرات، النفط، الذى يتدخل فى كل جزء من حياتنا اليومية، لذلك ارتفعت الأسعار فى كل مكان سواء بسبب ارتفاع أسعار النقل التى أدت لارتفاع السلع، كذلك بدخول النفط فى صناعات عديدة أثرت بالطبع فى أسعارها. كذلك ارتفعت أسعار الكهرباء، وأصبحت فاتورة الكهرباء مشكلة لكل أسرة فى أنحاء المعمورة. ولأن الكهرباء تؤثر على التدفئة، فإن الشتاء أصبح مخيفًا وبالذات لدول أوروبا، خاصة أن روسيا أصبحت تستخدم الغاز كسلاح ضد الشعوب الأوروبية فى هذا الشتاء، كما أن الكهرباء والوقود هما أساس تشغيل المصانع فكان ارتفاع أسعار الكهرباء أدى لارتفاع أسعار جميع المنتجات الصناعية فى العالم. وهنا تأثر بها الغنى والفقير فى الدول الصناعية وغير الصناعية.
وجاء التأثير الثانى، وهو الحبوب، ونقصد بها القمح والذرة، التى هى غذاء شعوب العالم من الفقير والغنى. ولكن كان أكبر تأثير على شعوب دول العالم الثالث، التى حياتها القمح والذرة، حتى إن الذرة، وهى علف الحيوانات والطيور، تأثرت بتبعيتها اللحوم، بعد رغيف العيش للبسطاء. وجاء التأثير الثالث فى الأسمدة لأن نقص وجود الأسمدة للدول التى تزرع محاصيلها أثر ذلك فى النهاية على قلة زيادة المحاصيل التى تنتجها الأرض الزراعية، لذلك قل المعروض، وزاد السعر.
وعلى الاتجاه الآخر نتيجة لزيادة هذه الأسعار، ظهرت المشكلة فى الوسائط الصناعية والرقائق المعدنية المغذية للصناعات فى كل أنحاء العالم، بدءًا من السيارات، والأجهزة الكهربائية، والإلكترونية، ومن هنا أصبح الجميع يشتكى من ارتفاع الأسعار فى كل المجالات، وربما جاءت هذه الحرب، بعد جائحة كورونا، ثم تأثيرات المناخ والجفاف، التى أثرت على العديد من البلاد والمناطق فى العالم، خاصة أن احتمالات التدخل للقضاء على تأثيرات المناخ لن تظهر إلا بعد عدة سنوات، لذلك فإن العالم كله حاليًّا يعيش فى أوانٍ مستطرقة، الكل يتأثر بالكل، وليس دولة بعينها، أو شعوب بعينها.
من هنا، ظهرت فكرة هل هناك رسم جديد لخريطة العلاقات الدولية فى العالم من خلال تذبذب العلاقات وموازين القوى، حيث أصبحت الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبى تعمل فى اتجاه، ضد روسيا بسبب تدخلها فى أوكرانيا. وبين روسيا، وبعض الدول المؤيدة لها، وجاء قرار الاتحاد الأوروبى بأن يكون سعر سقف البرميل الغاز الروسى لا يزيد على 60 دولارًا، الأمر الذى رفضته روسيا تمامًا، وأعلنت أنها سوف تجد أسواقًا جديدة خارج الدول الأوروبية التى لن تنفذ تحديد سقف برميل الغاز الروسى، وكانت الضربة القادمة ضد أمريكا والاتحاد الأوروبى هى موافقة الصين أكبر مستورد للنفط فى العالم بأنها ستشترى برميل النفط الروسى بـ65 دولارًا أى أغلى من سقف السعر الذى حدده الاتحاد الأوروبى، كذلك الهند، وصحيح أنه أقل من السعر الذى فرضته روسيا إلا أن ذلك كان ضربة قوية للاتحاد الأوروبى.
وفى الاتجاه الآخر، جاء قرار دول الأوبك بتخفيض الإنتاج، وبالتالى كان ذلك القرار ضد رغبة الولايات المتحدة التى طالبت بزيادة الإنتاج لتغطية النقص فى النفط الروسى لدول أوروبا، الأمر الذى اعتبره البعض خروج دول الأوبك عن السيطرة الأمريكية، وأعقب ذلك زيارة الرئيس الصينى إلى المملكة العربية السعودية، وتوقيع اتفاقيات اقتصادية، بإجمالى حوالى 110 مليارات ريال، وتوطيد علاقاته مع دول الخليج والدول العربية، لتؤكد أن هناك تغييرًا كبيرًا فى رسم خريطة العلاقات الدولية، بسبب ما يشهده العالم حاليًّا من تذبذب فى العلاقات وموازين القوى، بسبب تأثر الجميع بالأحداث، والتى أقول عنها إننا فى نظرية الأوانى المستطرقة، الكل يعانى، والكل يقاسى، وأصبحت المصالح الاقتصادية أساس التحالفات فى الفترة القادمة، التى تظهر بوادرها مع العام الجديد 2023.
ولقد جاءت القمة العربية الصينية، والقمة المصرية الصينية، فى الرياض الأسبوع الماضى، لتؤكد أن هناك تغييرًا جديدًا فى ميزان القوى فى العالم، حيث حرصت مصر على تطوير التعاون المشترك مع الصين، على مختلف الأصعدة، سواء داخل الإطار العربى الجماعى، أو فى الإطار الثنائى، من خلال الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، خاصة التكامل القادم بين الدولتين فى إطار المبادرة الصينية، الحزام والطريق، التى مصر جزء أساسى فيها، فى الطريق البحرى لممر قناة السويس، كذلك حرص الرئيس السيسى على تشجيع الشركات الصينية، فى تعظيم استثماراتها فى مصر، لاسيما فى مجال هام جدًّا جدًّا، وهو توطين التصنيع، ونقل التكنولوجيا الفنية إلى مصر. وهكذا فإن تطوير العلاقة الصينية مع مصر سيكون له دور قوى فى الفترة القادمة، ليس على مصر فقط، لكن فى العالم العربى، وإفريقيا، وبالتالى بنظرية الاوانى المستطرقة، سيعم الخير على الجميع.
والذى يراقب أيضًا الصراع الصينى الأمريكى فى منطقة بحر الصين، الذى يمكن أن يؤثر ذلك الصراع، بلا شك، على مختلف دول العالم، خاصة أن الصين تنتج معظم الصناعات المغذية لدول أوروبا، وفى حالة حدوث أى توتر هناك، سيؤثر ذلك، بلا شك، على الوضع الاقتصادى العالمى. ولقد حبس العالم كله أنفاسه خلال زيارة بيلوسى رئيسة الكونجرس الأمريكى لتايوان، حيث ضبطت الصين تصرفاتها فى التعامل مع هذه المشكلة، وإلا كان ذلك سيؤدى إلى تدخلات عسكرية، ما سيؤثر بالطبع على الاقتصاد العالمى؛ لذلك كان التصرف الصينى حكيمًا فى إدارة تلك الأزمة حيث مرت بسلام.
وعودة لأعمال القتال والحرب بين روسيا وأوكرانيا فإن الجميع يسأل: متى ستنتهى هذه الحرب؟ ومتى سينتهى ارتفاع الأسعار؟ ومتى تنتهى البطالة؟ ومتى تحصل الدول الفقيرة على حقها من رغيف العيش الآمن؟، وتنتظر روسيا نتائج حرب الغاز التى تفعلها على دول أوروبا، وهل ستكون نتائج حرب الغاز قد حققت أهدافها؟ وأجبرت شعوب أوروبا حكوماتها على وقف دعم أوكرانيا؟ والبحث عن حل سلمى لهذه الاتفاقية. وإذا لم تنجح حرب الغاز فى تنفيذ أهدافها، فإنه من المنتظر أن تستكمل روسيا عملياتها العسكرية فى الربيع القادم، نحو الاستيلاء على الكثير من الأراضى الأوكرانية، واستكمال تدمير البنية التحتية الأوكرانية، وتستمر معاناة دول العالم فى ارتفاع الأسعار، والبطالة، ورغيف العيش، لأننا نعيش فى الأوانى المستطرقة.
Email: sfarag.media@outlook.com
|