العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
وهكذا، نجد أن كل الشروط التى وضعتها كلتا الدولتين تبدو شبه مستحيلة فى التنفيذ والتطبيق، ولكن مازال هناك أمل فى أن يجلس الطرفان على مائدة المفاوضات.
|
نحو عام جديد.. هل يتحقق السلام؟
لواء د. سمير فرج
|
31 ديسمبر 2022
|
يحل علينا العام الجديد 2023، حيث تأمل شعوب العالم أن يكون عام سلام وخير، وأن تنتهى على الأقل الحرب الروسية الأوكرانية التى أنهكت الاقتصاد العالمى، حيث زاد التضخم، وارتفعت الأسعار، والبطالة، ولم تُفرّق آثار هذه الحرب الاقتصادية بين الدول الكبرى الغنية ودول العالم الثالث الفقيرة، فالكل يعانى، والكل يتمنى أن يكون العام الجديد عام سلام للبشرية، وتنتهى مشاكل النفط والحبوب والأسمدة، ويعود الازدهار مرة أخرى.
ورغم كل هذه الآمال، فإن الشواهد الأخيرة قد لا تدل على ذلك، فقد كانت زيارة الرئيس الأوكرانى إلى واشنطن، حيث قابل الرئيس الأمريكى جو بايدن، وبعدها ألقى خطابه فى الكونجرس الأمريكى حيث قوبل بترحاب كبير، ثم عاد الرئيس الأوكرانى إلى بلاده يحمل مزيدا من الدعم المالى بقيمة 45 مليار دولار وقرار أمريكى بدعم أوكرانيا بصواريخ الباتريوت الأمريكية المضادة للطائرات والصواريخ البالستية الروسية، وبذلك عاد وقد ارتفعت معنوياته، وكذلك معنويات الشعب الأوكرانى.
ومع وصول الرئيس الأوكرانى إلى كييف، كانت الضربات الروسية الصاروخية قد أصابت محطات الكهرباء، وعمَّ الظلام فى معظم المدن الأوكرانية، حيث قضى معظم الأهالى فى أوكرانيا ليلة عيد الميلاد فى ظلام دامس، وبرد شديد، وحولهم شظايا الصواريخ والطائرات المسيرة الروسية.. رغم ذلك، فإن الجميع مازال يأمل فى أن يسود السلام العام الجديد.. حتى شعوب أوروبا تنتظر أن تنتهى الحرب لكى تتخلص من برد الشتاء القارس، الذى فرضته روسيا بتقليل دفع الغاز، والآثار الاقتصادية التى أضرت بالجميع.. أما دول العالم الثالث، فتأمل فى أن يعود السلام لكى تتدفق حبوب القمح والذرة والزيوت إلى بلادهم، ويختفى التضخم وارتفاع الأسعار وتقل البطالة.
ولقد كانت أولى بوادر إمكانية التوصل إلى حل سلمى وبدء مفاوضات سياسية من أجل تحقيق حل لهذه الحرب عندما أعلن هنرى كسينجر، مستشار الرئيس الأمريكى للأمن القومى، وزير الخارجية الأسبق، فى شهر مايو خلال مؤتمر دافوس، حيث تمت استضافته فى مداخلة لاستطلاع رأيه، وكان واضحا وصادما، حيث أعلن أن حل هذه المشكلة لن يتحقق بالقتال ولكن من خلال مباحثات سلام بين الطرفين الروسى والأوكرانى.. وأنه يجب أولا إيقاف إطلاق النار ثم الدخول فى مفاوضات، على أساس أن تنسحب روسيا من الأراضى الأوكرانية فى سبيل أن تتنازل أوكرانيا عن شبه جزيرة القرم.
وبالطبع هذا الفكر لم يرضِ أوكرانيا، وأعلن الرئيس الأوكرانى أنه يرفض هذا المقترح تمامًا. وقبل أن ينتهى العام وفى يوم 17 ديسمبر، كتب كسينجر مقالا مطولا فى جريدة «the spectator» بعنوان: «كيف نتجنب حربا عالمية قادمة؟ ?how to avoid another world war»، وشرح فيه رأيه وموقفه وتحليله لهذه الحرب، والذى أكد فيه عدة نقاط مهمة، أولاها أن الحرب لن تحسم هذه المشكلة، لأنه ليس من المقبول أن تخرج روسيا مهزومة من هذه الحرب، ولا حلف الناتو ولا أمريكا. وأكد كيسنجر فى مقاله أن الحياد لم يعد له معنى بعد انضمام فنلندا وسويسرا لحلف الناتو. وأضاف أن الشتاء سيفرض توقف العمليات العسكرية الرئيسية حاليا.. وهذا يجب استغلاله بالبدء فى محادثات سلام على أساس مبدأ تقرير المصير، وتطبيقه تحت إشراف دولى على المناطق المتنازع عليها؛ ويقصد بها بالطبع المقاطعات الأربع «لوهانسك ودونيتسك وزابورجيا وخيرسون، وأخيرًا بالطبع شبه جزيرة القرم»، على أساس إجراء استفتاء دولى، ليكون لهذه المناطق حق تقرير الانضمام إلى روسيا أو البقاء تحت حكم أوكرانيا. وقال إنه يجب أن يكون هناك نظام دولى جديد يكون لروسيا مكان فيه، معتبرًا أن النكسات العسكرية الروسية لم تقضِ على نفوذها النووى العالمى، وهذا ما أعطاها القوة لكى تبدأ هجومها على أوكرانيا فى تحدٍّ واضح للعالم كله. وجاء تحذيره واضحًا من أن تفكك روسيا أو تدمير قدراتها السياسية الاستراتيجية يمكن أن يحول أراضيها الشاسعة إلى فراغ متنازع عليه، يسبب استخدام الآلاف من المخزون النووى لدى روسيا.
وأعتقد أن تلك المقالة قد تمت مناقشتها فى معظم القنوات الإخبارية فى العالم، حيث اعتبرها الجميع تفتح الأبواب لإمكانية الوصول إلى تسوية فى أى مباحثات قادمة.. لكن المشكلة تكمن حاليا فى أن كل طرف من الطرفين« الروسى والأوكرانى» لديه شروط للدخول فى هذه المباحثات، حيث ترى روسيا أن شروطها للدخول فى المفاوضات للوصول إلى سلام تتمثل فى أربع نقاط: الأولى، أن يتم نزع سلاح أوكرانيا بالكامل، وتصبح دولة محايدة مثل سويسرا. والنقطة الثانية، أن تتعهد أوكرانيا بأنها لن تنضم إلى حلف الأطلنطى أو أى حلف آخر. والنقطة الثالثة، أن تعلن أوكرانيا أنها لن تحصل على سلاح نووى مستقبلا. والنقطة الرابعة، أن تعترف أوكرانيا بأحقية روسيا فى شبه جزيرة القرم وانضمام الأربع مقاطعات إلى الدولة الروسية بعد الاستفتاء الذى تم من قبل.
وعلى الطرف الآخر، نجد أن أوكرانيا وضعت شروطها الأربعة هى الأخرى للدخول فى مفاوضات مع روسيا، وهى: الأول، انسحاب روسيا من جميع الأراضى التى احتلتها، وألا تفرط فى أى جزء من أراضيها. الثانى، أن تعطى روسيا ضمانا إلى الأمم المتحدة بأنها لن تهاجم أوكرانيا مرة أخرى. الثالث، أن يتم الإعلان أمام الأمم المتحدة أن روسيا قد أخطأت فى غزوها لأوكرانيا. والرابع، أن تتحمل روسيا كافة تكاليف إعادة الإعمار نتيجة التدمير الذى أحدثته فى هذه الحرب.
وهكذا، نجد أن كل الشروط التى وضعتها كلتا الدولتين تبدو شبه مستحيلة فى التنفيذ والتطبيق، ولكن مازال هناك أمل فى أن يجلس الطرفان على مائدة المفاوضات، حيث أعلنت روسيا الرغبة فى الدخول فى مفاوضات سلام، وبالطبع بشروطها.. أما أوكرانيا، فترفض حتى الدخول فى مفاوضات سلام قادمة.. ولكن هناك بعضًا من الدول الأوروبية يأمل، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسى ماكرون الذى يقيم اتصالات من وقت لآخر مع موسكو، فى أن يتم فى القريب العاجل وقف إطلاق النار بين الطرفين، أو كما أطلق عليه من قبل «تجميد الموقف على ما هو عليه»، وذلك من أجل الجلوس بعدها على طاولة المفاوضات بهدف إحلال السلام. ويعتمد المؤيدون لهذا الفكر على أن الأوضاع القادمة فى الولايات المتحدة الأمريكية، بعد سيطرة الجمهوريين على الكونجرس الأمريكى، سوف تقلل من دعم أمريكا مستقبلا لأوكرانيا، كذلك فإن الولايات المتحدة ستدخل العام الجديد ومعها بداية معركة الانتخابات الرئاسية للبيت الأبيض، الأمر الذى سيقلل أيضا من التركيز على الحرب الروسية الأوكرانية.
كل هذه الضوابط، بلا شك، تجعل كييف تقبل مستقبلا بالجلوس على طاولة المفاوضات مع موسكو، وهو الأمل الذى يراود الجميع لتحقيق السلام.
Email: sfarag.media@outlook.com
|