العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
ولعل أهم ميزة من هذه الطائرة هي تكلفتها البسيطة، التي تصل إلى عدة آلاف من الدولارات، وهى تنفذ مهام الاستطلاع العادية التي تنفذها طائرات قتال تكلفتها مثلًا 100 مليون دولار.
|
قصة الطائرة المسيرة بعد محاولة الهجوم فى عمق الأراضى الروسية
لواء د. سمير فرج
|
4 مارس 2023
|
فجأة، أصبحت الطيارة المسيرة بدون طيار، الدرونز، هي محل أحاديث ودراسات المفكرين العسكريين وأنظمة التطوير في القوات المسلحة في كل دول العالم، حيث أصبحت إحدى القوى المؤثرة في سير القتال، وخصوصًا مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية، حيث أصبحت أحد عناصر التفوق العسكرى لكل طرف من الأطراف المتصارعة، ولقد تطورت الأحداث في الأسبوع الماضى.
حيث قامت أوكرانيا بدفع طائرة مسيرة للهجوم على منشأة للغاز على مسافة 50 ميلًا بالقرب من العاصمة الروسية موسكو، وأسقطت الطائرة في بلدة غوباستوفو، وبعدها قامت أوكرانيا بالهجوم المكثف بطائرات مسيرة على شبه جزيرة القرم، حيث أسقطت القوات الروسية ست طائرات، وقامت بتعطيل أربع طائرات. يُعتبر هذا التدخل الأوكرانى في عمق الأراضى الروسية تطورًا جديدًا في شكل الحرب الروسية الأوكرانية باستخدام الطائرات المسيرة.
والدرونز Drones تعنى الطنين أو الزنانة باللغة العربية، حيث إن هذه الطائرة عندما تطير فإن أصواتها تشبه الطنين، ومن هنا جاء اسمها. وفى البداية كانت هذه الطائرة هي لعبة أطفال تُباع في محال لعب الأطفال الشهيرة في أمريكا. Toys Are Us، ومن ثَمَّ أصبح أول استخدام عسكرى لها لتدريب أطقم المدفعية المضادة للطائرات، حيث كانت تطير، وتقوم المدفعية المضادة للطيران بإطلاق النيران عليها.
أما الاستخدام العسكرى الفعلى في ميدان القتال فكان في البداية في حرب فيتنام، حيث كان يتم تركيب كاميرات فيها لتصوير الأهداف والمواقع العسكرية الفيتنامية، فكانت في البداية عليها مهام استطلاع. أما الاستخدام الحقيقى المؤثر فكان في حرب سهل البقاع بين سوريا وإسرائيل، والتى خسرت فيها سوريا عددًا كبيرًا من طائراتها.
حيث استخدمت إسرائيل هذا النوع من الطائرات في عمليات الاستطلاع والحصول على المعلومات وعمليات التشويش على الطائرات السورية ووسائل الدفاع الجوى، بعدها تنوع استخدام هذه الطائرات في كل جيوش العالم في عمليات الاستطلاع والحصول على معلومات عن العدو، وخاصة في العمق نظرًا لصغر حجم هذه الطائرة وصعوبة اكتشافها بالرادارات.
كما أن لديها القدرة على الطيران لمدة تصل حتى الآن إلى 25 ساعة، ويمكن أن تعمل على ارتفاع 27 ألف قدم، كما أصبحت لها الآن القدرة على نقل الصور من أرض المعركة مباشرة إلى مركز القيادة الرئيسى، وبالتالى يتم توجيهها إلى مناطق أخرى خلال مرحلة طيرانها.
ولعل أهم ميزة من هذه الطائرة هي تكلفتها البسيطة، التي تصل إلى عدة آلاف من الدولارات، وهى تنفذ مهام الاستطلاع العادية التي تنفذها طائرات قتال تكلفتها مثلًا 100 مليون دولار للطائرة الإف 16، كما أن الذي يستخدم هذه الطائرة هو طيار أرضى يتم تدريبه على استخدام هذه الطائرة في مدة لا تزيد على ثلاثة إلى أربعة شهور، بينما الطائرة المقاتلة تحتاج إلى طيار، يتم تدريبه أربع سنوات في الكلية الجوية، ثم من 1- 2 سنة على الطائرة المقاتلة.
وهذا يعنى تكلفة باهظة لتدريب هذا الطيار، الذي يعمل على الطائرة المقاتلة، كما أن الطائرة المسيرة بدون طيار لا تستخدم المطارات، وبالتالى لا تحتاج إلى مدرج للإقلاع أو الهبوط، حيث يمكن إطلاقها من فوق سطح منزل أو من فوق عربة نقل، كما أنها يمكن أن تطير على ارتفاعات منخفضة ومسارات لا يمكن للطائرات المقاتلة أن تدخل فيها مثل الوديان الضيقة بين الجبال.
كذلك فإن صغر حجم هذه الطائرات لا يُمكِّن أجهزة الرادارات الحالية من أن تلتقطها، كما أنه ظهرت منها أنواع انتحارية تحمل المتفجرات وتهاجم الهدف وتدمره مباشرة، كما أنها يمكن أن تقوم بعمليات الإعاقة اللاسلكية والرادارية للقوات المعادية، وكذلك الحصول على معلومات عن الطقس.
والتى تهم أي قوات مقاتلة تقوم باستخدام الصواريخ الباليستية، كما تستخدم في عملية إعادة إرسال الإشارات اللاسلكية بعيدة المدى وعمليات الإنقاذ البحرى والجوى وتنظيم التحركات الجوية، ولذلك فإن استخدامها الآن أصبح إحدى المهام الرئيسية لعناصر أي قوات جوية في العالم.
وتُعتبر عملية اغتيال وتصفية قاسم سليمانى، قائد فيلق القدس في الحرس الثورى الإيرانى، أهم العمليات التي تم تنفيذها بالطائرات المسيرة بدون طيار، حيث كان «سليمانى» قادمًا من سوريا بطائرة خاصة إلى مطار بغداد، وكانت تراقب تحركاته طائرة استطلاع بدون طيار.
وفور نزوله من الطائرة، أطلقت عليه طائرة مسيرة أخرى صواريخها نحو الموكب المؤلف من سيارتين، والهدف هو قاسم سليمانى ومعه أبومهدى المهندس، قائد ميليشيات الحشد الشعبى العراقية، الموالية لطهران، حيث قُتل في هذه الغارة «سليمانى» و«المهندس» وعشرة أشخاص.
ولشدة الانفجار لم يتم التعرف على جثته إلا من خلال الخاتم الذي كان يرتديه في أصبعه، ولقد كانت إدارة طائرات الاستطلاع الموجهة بدون طيار والطائرة الأخرى التي تحمل الصواريخ الموجهة ضد الموكب المؤلف من سيارتين تتم من مركز العمليات في أمريكا من خلال الأقمار الصناعية، وهذا يدل على إمكانيات استخدام هذا النوع من الطائرات وتنفيذ عمليات خاصة على المدى البعيد.
كما تُستخدم هذه الطائرات المسيرة في الأنشطة المدنية، مثل نقل مباريات كرة القدم والبطولات الرياضية والحفلات الموسيقية، وكذلك سباقات السيارات، التي يمكن أن تتابع هذا السباق لفترات طويلة من السماء، وكذلك طوابير العرض العسكرى، كما أنها لا تحتاج إلى عمليات صيانة معقدة، مثل الطائرات المقاتلة العادية، لذلك فإن أطقم إعداد وإطلاق هذه الطائرة لحين عودتها لا يتعدى من خمسة إلى ستة أفراد، عكس الطائرة المقاتلة، التي تحتاج إلى أكثر من 15 فردًا، وعلى درجة عالية من الكفاءة.
وقد وضعت هذه الطائرة أطقم وأنظمة الرادارات الحالية في مشكلة كبيرة، حيث تركز معظم الدول حاليًا كل جهودها في تطوير إمكانيات الشبكات الرادارية وأطقم الرادار لتكون قادرة على اكتشاف هذه الطائرات المسيرة ذات الحجم الصغير جدًّا فور دخولها المجال الجوى، وهى أكبر مشكلة يعانى منها الفكر العسكرى الآن، وهى كيفية التصدى لهذا السلاح الجديد، الذي غيّر العديد من المفاهيم العسكرية هذه الأيام.
وهناك دول عديدة خضعت لعمليات تطوير هذه الطائرات الجديدة في السنوات العشر الماضية، وعلى رأسها الولايات المتحدة بطائرة البريداتور، ثم إيران بطائرة شاهد، وإسرائيل بطائرة هيرون، وتركيا بطائرة بيرقادر، أما روسيا فلم تهتم بتطوير هذا النوع من الطائرات في السنوات الماضية، حيث ركزت في تطوير الصواريخ الباليستية، وبالفعل نجحت في ذلك.
ومن هنا اضطرت إلى شراء هذا النوع من الطائرات المسيرة من إيران، حيث تستخدمها الآن بكثافة في حربها ضد أوكرانيا، خاصة في مجال الاستطلاع ومهاجمة الأهداف الأرضية، وخصوصًا الرادارات، حيث لم يحدث أن استخدمت روسيا طائراتها المقاتلة مثل الميج 29 والسوخوى 35 في هذه الحرب بسبب تكاليفها أمام رخص ثمن هذه المسيرات الإيرانية.
بل إن هناك معلومات بأن إيران في طريقها لإنشاء مصنع مشترك في روسيا لإنتاج هذه الطائرات، عمومًا من المنتظر في السنوات الخمس القادمة أن تنجح روسيا في تطوير أنواع من الطائرات المسيرة بدون طيار لتواكب التقدم العلمى في هذا المجال، علمًا بأن مصر دخلت هذا المجال منذ عدة سنوات، وعرضت الإنتاج الجديد لها في آخر معرض للسلاح في العام الماضى.
Email: sfarag.media@outlook.com
|