العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
لذلك يمكن تحليل هذا التصعيد الإسرائيلى اتجاه جنوب لبنان وغزة على أنه في البداية جاء لتشتيت فكر الشارع الإسرائيلى تجاه الإصلاحات القضائية التي أعلنها نتنياهو.
|
التصعيد العسكرى الإسرائيلى تجاه جنوب لبنان وغزة.. رؤية تحليلية
لواء د. سمير فرج
|
15 إبريل 2023
|
شهدت الأيام الماضية تصاعدا عسكريا إسرائيليا تجاه جنوب لبنان وقطاع غزة، ما أدى إلى مقتل عدد من الإسرائيليين وسقوط شهداء من الفلسطينيين. وبمتابعة هذه الأحداث، لماذا في هذا التوقيت بالذات يبدأ هذا التصاعد؟ ومَن الذي بدأ؟ وما الهدف منه؟.. من هنا أقدم تحليلا لهذه الأحداث، موضحًا الأسباب والنتائج والأهداف.
واسمحوا لى في البداية أن أوضح أن إسرائيل نجحت لأول مرة منذ فترة طويلة في إجراء انتخابات وتكوين وزارة برئاسة نتنياهو، هذه الوزارة التي أطلق عليها وزارة يمينية دينية متطرفة، وهى أول وزارة تحمل هذا المعنى منذ عدة سنوات، فقد أجريت هذه الانتخابات، وهى الخامسة خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث لم يتمكن أي حزب منذ عام 2019 من تشكيل ائتلاف مستقر.
وجاءت النتائج هذه المرة بحصول معسكر أقصى اليمين على عدد 64 من المقاعد البالغ عددها 120 مقعدا. تعيين نتنياهو كرئيس للوزراء، وفور توليه رئاسة الوزراء أعلن القيام بما يسمى «الإصلاحات القضائية في إسرائيل»، وهو الأمر الذي أحدث ضجة كبيرة داخل إسرائيل وخارجها. كان هدف هذه الإصلاحات الحد من سلطات المحكمة العليا.
بل أصبح من حق الكنيست الإسرائيلى إيقاف أي أحكام تصدرها المحكمة العليا الإسرائيلية، وهذا بالطبع كان هدفه صالح نتنياهو الذي كان عليه ثلاث قضايا فساد ومُعرّض أن تصدر ضده أحكام في الفترة القادمة، لذلك جاء ذلك القرار لإلغاء أي حكم يصدر ضده، كذلك منح الكنيست سلطة أكبر في تعيين القضاة. هذه التعديلات في الإصلاحات القضائية أثارت استياء الشعب الإسرائيلى، ومنهم وزير الدفاع.
الأمر الذي أدى إلى قيام رئيس الوزراء الإسرائيلى بعزله من منصبه، ولكن تمت إعادة نتنياهو هذا الأسبوع إلى منصبه أمام ضغط الجماهير، لذلك خرج عشرات الآلاف من الإسرائيليين في الشوارع في كل يوم سبت احتجاجا على مشروع إصلاح القضاء الإسرائيلى، حتى إن الولايات المتحدة أعلنت رفضها هذا المشروع. وكان رد نتنياهو أن الولايات المتحدة لا تملك أي سلطة على إسرائيل. وكذلك معظم دول أوروبا.
وإزاء هذه الضغوط من الشعب الإسرائيلى والدول الغربية امتدت المظاهرات في شوارع إسرائيل كل يوم سبت لمدة 11 أسبوعا حتى الآن، ولم يكن أمام نتنياهو إلا أن يبدأ بإشغال الرأى العام الإسرائيلى عن موضوع الإصلاحات القضائية ويُظهر له مشكلة الأمن الاسرائيلى الداخلى، حيث بدأت على الفور خطة نتنياهو في إثارة الفلسطينيين، وذلك باقتحام الشرطة الإسرائيلية الحرم القدسى.
وأعلنت الشرطة الإسرائيلية أنها أوقفت أكثر من 300 شخص في الحرم القدسى، كما قام عدد من المتطرفين الإسرائيليين بالاعتصام داخل الحرم القدسى والتضييق على المصلين الفلسطينيين ومنعهم من أداء صلاة الفجر، كذلك قام المئات من المستوطنين باقتحام الأقصى، وقامت إسرائيل بإغلاق الحرم الإبراهيمى.
بعدها توالت الإدانات العربية والدولية لهذا الاقتحام، وكان أهمها البيت الأبيض، والأمين العام للأمم المتحدة، ومصر، ومعظم الدول العربية.
ودفعت هذه التطورات إلى عقد اجتماع طارئ على مستوى المندوبين لجامعة الدول العربية، لبحث التطورات في الأراضى الفلسطينية، كما عقد مجلس الأمن جلسة طارئة لبحث ذلك التصعيد، وتطور الموقف بعدها ليبدأ التصعيد من المقاومة الفلسطينية بإطلاق الصواريخ من قطاع غزة وجنوب لبنان تجاه إسرائيل مما دعا إسرائيل إلى شن غاراتها.
حيث قامت إسرائيل بالإغارة على جنوب لبنان وغزة، مؤكدة ضرب أهداف لحركة حماس ردا على إطلاق الصواريخ على أراضيها من جنوب لبنان، حيث تم قصف جنوب لبنان.. وهكذا تكهرب الموقف وتحول فكر المواطن الإسرائيلى للأمن الداخلى.
وجاء إعلان إسرائيل أنها المرة الأولى التي استهدفت فيها الأراضى اللبنانية منذ 2022، حيث أعلنت إسرائيل أن أكثر من ثلاثين صاروخا أطلقت عليها من جنوب لبنان تجاه أراضيها، متهمة فصائل فلسطينية وليس حزب الله.
وفى محاولة للتهدئة، أعلنت القوة الدولية «يونيفيل» التي تنتشر على الحدود جنوب لبنان أن كلا الطرفين لا يريد القتال. وفى قطاع غزة، نفذ الجيش الإسرائيلى غارات ضد الأنفاق وموقعين لإنتاج الأسلحة تابعين لحماس، ردا على الصواريخ التي أطلقتها حماس من قطاع غزة تجاه إسرائيل. وتقول إسرائيل إنها تلقت 100 صاروخ في 10 دقائق.
لذلك يمكن تحليل هذا التصعيد الإسرائيلى اتجاه جنوب لبنان وغزة على أنه في البداية جاء لتشتيت فكر الشارع الإسرائيلى تجاه الإصلاحات القضائية التي أعلنها نتنياهو، ليتحول فكر الشارع الإسرائيلى فيكون في اتجاه أمن إسرائيل، وليصبح المرتبة الأولى في فكر الشارع الإسرائيلى، ولكى يتناسى على الفور قضية الإصلاحات القضائية.. وهذا ما حدث بالفعل، حيث يعتبر ذلك نجاحا لرئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو.
أما السبب الثانى في هذا التصعيد العسكرى الإسرائيلى، فهو أنه أمر يتم كل سنة، حيث كانت معركة غزة الرابعة في عام 2021 التي استمرت أحد عشر يوما، ونجحت مصر في إيقاف إطلاق النار.
وجاءت معركة غزة الخامسة في عام 2022، ونجحت مصر بجهودها بالاتصالات مع تل أبيب وغزة في إيقاف القتال.. هذه المرة جاء تدخل مصر منذ البداية أيضا مع الجانب الإسرائيلى وحماس، لإيقاف إطلاق النار، ولكن كان الهدف الإسرائيلى من هذه العمليات هو استنزاف قوة المقاومة العسكرية الفلسطينية.
على سبيل المثال الصواريخ التي تحصل عليها حماس من إيران يتم استخدامها في هذه العمليات. ويكفى أن هذه المرة استخدمت حماس 100 صاروخ من مخزونها، وسيحتاج ذلك إلى جهود كبيرة لتعويضه من إيران ونقله إلى غزة.
أما الهدف الثانى من قيام إسرائيل بهذا التطور فهو تدمير مصانع الأسلحة والمواقع الجديدة في مترو أنفاق غزة، والتى أقامتها حماس في الفترة الماضية. أما الهدف الثالث من التصعيد العسكرى، فهو اختبار أي قدرات جديدة من المقاومة ابتكرتها حماس في تنظيم قواتها العسكرية في غزة، وكذلك اختبار مدى نجاح التطور الذي تحدثه إسرائيل في نظام القبة الحديدية في كل معركة مع حماس.
وهكذا كانت هذه التحليلات العسكرية للتصعيد العسكرى الإسرائيلى تجاه جنوب لبنان وغزة، حتى إن الجميع كان يسأل: هل من الممكن أن يتطور النزاع هذه المرة في المنطقة ويأخذ نطاقا أوسع؟.
وكان ردى أيامها من خلال كل المداخلات التليفزيونية أن ذلك التصعيد سيكون محدودا للغاية، لأن هدفه كان تحقيق أهداف محددة وهى شغل الشارع الإسرائيلى عما يحدث من مقترحات نتنياهو بخصوص الإصلاحات القضائية، وحتى إن حزب الله لم يفكر أو يغامر في أن يتدخل في هذا التصعيد.. وأعتقد أنها كانت سقطة كبيرة لحزب الله ستحسب عليه الفترة القادمة.
Email: sfarag.media@outlook.com
|