العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
أما الخسارة الكبرى لإسرائيل، فتتمثل فى فقدان الجيش الإسرائيلى سمعة، حاول ترسيخها على مدى عقود طويلة، بأنه الجيش الذى لا يقهر!
|
حرب غزة ما بين المكسب والخسارة
لواء د. سمير فرج
|
30 نزفمبر 2023
|
مرت الأيام سريعة، رغم ثقلها، لنقترب من اكتمال الشهر الثانى لحرب غزة، التى بدأت يوم 7 أكتوبر 2023، وشنت فيها إسرائيل عدوانا غاشما على قطاع غزة، فدمرت نحو نصف المبانى السكنية به، وما يقرب من 80%من البنية الأساسية، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، سواء محطات الكهرباء أوالمياه أوالصرف الصحى أوالطرق، التى لم تكن كافية بالأساس لسد احتياجات سكان القطاع، فضلاً عن تدمير المستشفيات والمدارس، وحرمان سكان غزة من أبسط سبل الرعاية الصحية أو المأوى الآمن، بالمخالفة لكل القوانين والأعراف الدولية، مخلفة القطاع وراءها غير مؤهل للحياة الآدمية.
ورغم فداحة الخسائر على جانب الشعب الفلسطينى، الأعزل، فإننى رأيت توضيح حقيقة السؤال الأبرز عن حجم الخسائر والمكاسب، بتأكيد أن إسرائيل أول الخاسرين، لأن أى حرب، لابد أن يكون لها هدف أو أهداف محددة، وهو ما أعلنته إسرائيل، مع بداية عمليتها العسكرية، بأن لها ثلاثة أهداف؛ أولها، تدمير حماس، وثانيها تحرير رهائنها، وأخيراً احتلال غزة، وهو ما لم تحقق منه إسرائيل، شيئاً، حتى الآن، اللهم إلا تحرير عدد من الرهائن، وفقاً لاتفاق مع قيادة حماس.أضف إلى ذلك، حالة الاستياء العامة بين الشعب الإسرائيلى من سياسة نيتانياهو، وحكومته، وتحميله مسئولية فشل إدارته فى توقع هجوم حماس، فضلاً عن الفشل فى إدارة الحرب، وانعكاسات كل ذلك على أمن وأمان الإسرائيليين، باعتباره المهمة الأولى التى انتُخب على أساسها.
أما الخسارة الكبرى لإسرائيل، فتتمثل فى فقدان الجيش الإسرائيلى سمعة، حاول ترسيخها على مدى عقود طويلة، بأنه الجيش الذى لا يقهر، فإذا به يواجه مفاجأة هجوم حماس على مستوطناته، وأسرها جنوده، واحتجازها رهائن من المدنيين. وهو ما أضاف لقائمة الخسائر الكبرى، خسارة جديدة، تمثلت فى فقد الإسرائيليين الثقة فى أجهزتهم الاستخباراتية الثلاثة؛ المخابرات العامة الموساد، والمخابرات الحربية أمان، وجهاز الأمن الداخلى الشباك، والتى أثبتت فشلها، جميعاً، فى توقع الأحداث، أو فى تقدير قوة حماس، من خلال معلومات دقيقة عن حجم تسليحها، ونوعه، أو عن شبكة الأنفاق التى تستخدمها، فكان سقوطهم مدوياً فى عيون الإسرائيليين. وقد دفع هذا الفشل العديد من الإسرائيليين إلى الفرار خارج البلاد، بينما يتابع العالم تمسك الشعب الفلسطينى بأرضه، حتى إن أبناءه عادوا إلى منازلهم، بشمال غزة، فور تنفيذ الهدنة، رغم تحذيرات الجانب الإسرائيلى.
واستمر نزيف الخسائر على الجانب الإسرائيلى، بخضوعها لشروط حماس، فى قبول الهدنة، وهو ما يعد اعترافا بالمنظمة، من خلال الدخول فى مفاوضات مع قياداتها، بعدما كانت إسرائيل تعتبرها منظمة إرهابية. وهو ما ينطبق، كذلك، على أمريكا، التى قبلت بأن تكون جزءاً من المفاوضات، مع مصر وقطر،بين إسرائيل وحماس، وهو ما يعد نصراً كبيراً لحماس، باعتراف، آخر، من أمريكا، التى كانت تعتبرها، هى الأخرى، منظمة إرهابية.ورغم استشهاد نحو 20 ألفا من أهالى غزة، فإن حماس مازالت تمتلك أوراق التفاوض، وهم الأسرى من الجنود الإسرائيليين، رافعة شعار الكل مقابل الكل، أى أن خروجهم مقابل خروج جميع الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال.
أما أكبر المنتصرين فى هذه المرحلة فكانت مصر وقطر، اللتين قادتا الوساطة، فمصر فرضت شروطها كاملة، يوم أن استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى وزير الخارجية الأمريكى بلينكن، وأبلغه رفضه الواضح والقاطع عبور المواطنين الأمريكيين من معبر رفح، إلا بعد مرور شاحنات المساعدات الإنسانية إلى قلب غزة، وهو ما وافقت عليه أمريكا، ودعمته. فضلاً عن تأكيد الرئيس السيسى رفضه التهجير القسرى لأبناء غزة إلى مصر، مع التمسك بضرورة حل القضية الفلسطينية فى إطار الدولتين،التزاماً بحدود 67.يضاف لذلك وساطة الإدارة المصرية الناجحة فى تنفيذ الهدنة، وتبادل الأسرى والرهائن بين الطرفين، عبر معبر رفح المصرى،اعتماداً على تاريخها الطويل، وجهدها المستمر، لحل القضية الفلسطينية.
ومرة أخرى، رغم الخسائر البشرية والمادية على الجانب الفلسطينى، فإن الحرب الجارية، نبهت أذهان وعيون العالم، أخيراً، إلى حقيقة القضية، وجعلته يفيق على وحشية الكيان الإسرائيلى، رغم محاولاته، فى بداية الحرب، لتصوير حماس بجماعة داعش الإرهابية، إلا أن مشاهد الفظائع الإسرائيلية،التى انتشرت وتداولتها وسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعى، تسببت فى تغير الشعور العالمى ضد إسرائيل، وانخفضت شعبية الرئيس الأمريكى، وعلت أصوات أمريكية تنادى بمنع تسليح إسرائيل من أموال دافعى الضرائب، الرافضين للانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى، نساءً وأطفالاً وشيوخاً ورجالاً. بل ورأينا، لأول مرة، المظاهرات تنطلق فى جميع مدن العالم الغربى، تنديداً بوحشية الجرائم الإسرائيلية، وتأييداً لحق الفلسطينيين فى الحرية، ومطالبة قياداتها بالتدخل لوقف إطلاق النار فوراً.
وعلى الصعيد المصرى، تجلى وعى الأجيال الجديدة بالقضية الفلسطينية، على عكس ما قد ظنه البعض، وهو ما لمسته بنفسى، خلال جولاتى، الأخيرة، فى الجامعات المصرية، على مدى الأسابيع الماضية، لإلقاء محاضرات لطلبة الجامعات عن قضايا الأمن القومى المصرى، فوجدت جيلا على درجة كبيرة من الوعى، والانتماء القومى والعربى، معلنين تضامنهم ودعمهم أشقاءهم الفلسطينيين فى محنتهم، ومدركين أبعاد موقف القيادة المصرية المتوازن، فى حرصه على عدم تفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها من ناحية، مع الالتزام بحماية السيادة المصرية، ومقدرات أمنها القومى من ناحية أخرى. وهكذا، تمر الأيام، لتثبت للعالم أن صمود وبأس الشعب الفلسطينى، وتأييد القيادة المصرية الحكيمة، وشعب مصر العظيم، هى ضمان الوصول لحل شامل للقضية الفلسطينية.
Email: sfarag.media@outlook.com
|