العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ونتاجا لتلك الخبرة، خرجت الولايات المتحدة، بعد شهر من بدء حرب غزة، بسؤال عمن سيحكمها بعد انتهاء الحرب وخروج إسرائيل.

اليوم التالى.. ماذا بعد؟
 

لواء د. سمير فرج

 2 مايو 2024


«اليوم التالى»..«ماذا بعد؟» «What is after?، مصطلحات ثلاثة، إذا ما طبقناها على حرب غزة، فمعناها «من سيسيطر على غزة بعد انتهاء الحرب؟»، وقد برزت تلك المصطلحات منذ بدء الحرب فى غزة، نتيجة للخبرات المكتسبة، من قرارات الولايات المتحدة الأمريكية، ودول حلف الناتو، منذ 12 عاما، حين تم التخلص من الرئيس الليبى، معمر القذافي. اتُخذ القرار حينها، ونجحت الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو، ليس فقط فى إزاحته عن الحكم، بل فى القضاء عليه، دون التفكير فى مستقبل ليبيا، ومآلها، بعد ذلك.

ولأن مصير ليبيا، واستقرارها، لم يكن، أبداً، الهدف، فقد ظلت ليبيا، منذئذ، وطيلة 12 عاما، تتخبط، فانقسمت بين دولة فى غرب ليبيا عاصمتها طرابلس، ورئيس وزرائها عبدالحميدالدبيبة، وأخرى فى الشرق، فى بنى غازى، رئيس وزرائها الفريق خليفة حفتر، ولا يستطيع أحد الجزم بمصير ليبيا، ولا بخريطة الطريق للم الشمل، من خلال إجراء انتخابات رئاسية، وبرلمانية، وتعيين رئيس للوزراء، لتعود الحياة إلى طبيعتها.والدليل على أن مستقبل ليبيا لم يكن موضع اعتبار، فبعد أعوام من التخلص من الرئيس القذافى، استجوب البرلمان البريطانى حكومته،متهماً إياها بالإخفاق يوم وافقت على قرار التخلص من القذافى، دون التفكير فى ترتيب أوضاع ليبيا، أو «What is after?»، بعد تنفيذ القرار.

ونتاجا لتلك الخبرة، خرجت الولايات المتحدة، بعد شهر من بدء حرب غزة، بسؤال عمن سيحكمها بعد انتهاء الحرب وخروج إسرائيل، وطُرحت خمسة سيناريوهات للإجابة عن السؤال، تبلور أولها فى زيارة وليام بيرنز، مدير الاستخبارات الأمريكية، للقاهرة، ولقائه الرئيس عبدالفتاح السيسى، حيث طرح بيرنز، الذى يترأس أحد أهم أذرع إدارة السياسة الخارجية الأمريكية، السيناريو الأول «لليوم التالي»، الذى ترى فيه أمريكا تولى مصر إدارة قطاع غزة، لفترة انتقالية، مدتها ستة أشهر، يتم خلالها إجراء انتخابات، وتعيين حكومة تكنوقراط من أهالى غزة، على أن تتحمل أمريكا كل التكاليف المرتبطة بتلك المهمة، مالياً وعسكرياً، ودعم مصر باحتياجاتها من الأسلحة والمعدات العسكرية اللازمة لإدارة قطاع غزة.

ورغم سخاء العرض المالى، والعسكرى، إلا أن بيرنز فوجئ بالرفض القطعى، من الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، لذلك السيناريو، عارضاً سيناريو بديلا، أو السيناريو الثانى، بأن تتولى السلطة الفلسطينية، فى رام الله، إدارة القطاع، باعتباره الحل البديهى، والطبيعى، لتعزيز السيادة الفلسطينية على أراضيها، ومنع التدخلات الأجنبية، حتى وإن كانت من مصر. وقد أيدت مجموعة الدول العربية ذلك الطرح، وبالطبع، رفضته إسرائيل. وعرضت إسرائيل، من جانبها، السيناريو الثالث، بتولى مجموعة من «العشائر العربية»، فى قطاع غزة، الموالية، بالطبع لإسرائيل، السيطرة على قطاع غزة، خلال الفترة الانتقالية المتفق عليها، لحين إجراء الانتخابات، وهو ما لاقى إجماعا فى الرفض من مصر، والدول العربية، والإدارة الفلسطينية، فى رام الله، بل حتى إن الولايات المتحدة لم ترحب به، باعتباره حلا غير منطقى.

وفى محاولة الوصول لسيناريوهات بديلة، فوجئنا خلال زيارة وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت، إلى أمريكا، مؤخراً، بعرض سيناريو رابع جديد، لليوم التالى من نهاية الحرب، والذى يقترح فيه تشكيل قوة عسكرية عربية، من القوات المسلحة لعدد من الدول العربية، تتولى إدارة والإشراف على قطاع غزة، لمدة ستةأشهر، يتم خلالها إجراء انتخابات داخل القطاع، لاختيار أعضاء حكومة تكنوقراط، وهوما رفضته مصر، مرة أخرى، ومعها باقى الدول العربية، إدراكاً منها لمحاولات إسرائيل، بهذا السيناريو، من الوصول إلى هدفها الأول، والرئيسى،وهو إقصاء حماس من قطاع غزة.

أما خامس، وآخر، السيناريوهات المطروحة، مؤخراً، فخرج من الولايات المتحدة الأمريكية، والذى عرضت فيه تكوين قوات دولية،متعددة الجنسيات، مثل «قوات يونيفيل» الموجودة فى جنوب لبنان، على أن تتولى الإشراف على قطاع غزة،لنفس المدة الانتقالية المحددة، ولحين إتمام الانتخابات، وتعيين الحكومة الفلسطينية فى غزة، معلنةعدم مشاركة الولايات المتحدة، بقوات أمريكية، فى تلك القوة، ومتعهدة بعدم بقاء جندى أمريكى واحد، على أرض قطاع غزة، بعد انتهاء القتال، وخروج القوات الإسرائيلية. ومرة أخرى، لم ترحب مصر ولا مجموعة الدول العربية، بهذا العرض، انطلاقاً من حيث ثوابت عدم السماح بالتدخل الأجنبى، وحق الشعب الفلسطينى المشروع فى تقرير مصيره، والسيادة على أراضيه، وهو ما ترى مصر أنه لن يتحقق إلا بتولى السلطة الفلسطينية، فى رام الله، إدارة قطاع غزة.

وكما سبق وأوضحنا، فإن إجابة سؤال «ماذا بعد اليوم التالي؟»، أو «What is after?»، دارت، حتى الآن، حول السيناريوهات الخمسة، المطروحة، التى استهدف، بعضها، ضمان حسن إدارة قطاع غزة، لحين انتخاب حكومة جديدة به. ومؤخراً، أعلنت الإدارة الفلسطينية، فى رام الله، عدم ممانعتها وجود قوات عربية، أو حتى دولية، فى قطاع غزة، لإدارته، والإشراف عليه، لمدة ستة أشهر، كفترة انتقالية، بشرط اعتراف الولايات المتحدة الأمريكيةبأن وجود تلك القوات ليس مجرد غطاء حتى خروج حماس من القطاع، مع تعهدها، مقدماً،بتسليم إدارة قطاع غزة للسلطة الفلسطينية، فى رام الله،بعدانتهاء مهمة القوات العربية أو الدولية، والتزامها بألا تبقى تلك القوات بعد الفترة المحددة لها.

ونتابع فى الأيام القادمة استمرار الجهود الرامية لعودة السلام،وتهدئة الأوضاع، ليس فى غزة،فقط ، وإنما فى المنطقة،الملتهبة، بأكملها.



Email: sfarag.media@outlook.com