العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
تتولى تلك الحسابات، بناء على خطة ممنهجة، بث مختلف الأكاذيب والشائعات، فى اتجاهات محددة، مثل التفريق الدينى أو العرقى بين أبناء الدولة.
|
التوعية .. التوعية .. التوعية
لواء د. سمير فرج
|
9 مايو 2024
|
بمطالعة، سريعة، لإحدى محاضرات كلية الدفاع، التابعة لحلف الناتو، فى بروكسل، نجدها تستهل القول بأنه فى حرب «الأيام الستة»، ويقصد بها حرب 5 يونيو ١٩٦٧، تمكنت إسرائيل فى هزيمة الجيش المصرى، واحتلال شبه جزيرة سيناء المصرية، بالكامل، حتى إن الرئيس المصرى، حينها، جمال عبدالناصر، أعلن تنحيه عن رئاسة الدولة المصرية، يوم 9 يونيو، أى بعد أربعة أيام من الهزيمة، تحملا لمسئوليتها.
وطرحت مقدمة المحاضرة سؤالا عما حدث بعد هزيمة الجيش المصرى، وإعلان تنحى عبدالناصر ...«هل سقطت الدولة المصرية؟»، وجاء الجواب، «لا»، واستطردت المحاضرة بالبحث فى أسباب صمود الدولة المصرية، رغم ما ألم بها من كرب، فوجد الإجابة تتلخص فى أن الشعب المصرى لم يسقط، بل صمد، وتحدى الهزيمة، وبرهن على صموده برفض تنحى رئيسه، عبدالناصر، عن الحكم، والإصرار على عودته للحكم، بل بتأييده جيشها المهزوم. وخلصت مقدمة تلك المحاضرة، ببروكسل،إلى أن الشعوب هى أسباب قوة الدول.
واليوم، يعيش عالمنا حروب الجيلين الرابع والخامس؛فلم تعد الحروب، كما عرفناها لتدمير الجيوش المعادية، بدبابة ضد دبابة، أومدفع ضد آخر، فرغم ثبات أهداف الحروب، الساعية لتدمير الدول وإسقاطها، فإن وسائلها قد اختلفت، وصار اعتمادها على تدمير الشعوب، بعدما أثبتت التجارب أن هزيمة الدبابة والمدفع، لا تجدى إن كانت وراءهم شعوب قوية. ومن هنا، جاءت مقدمة محاضرة كلية الدفاع، لحلف الناتو، فى بروكسل، ببلجيكا،عن حروب الجيل الرابع والخامس.
فصارت الدول، فى عالمنا المعاصر، تضع خطط حروب الجيل الرابع، معتمدة فى هجومهاعلى الشعوب، لإفقادهم الثقة فى دولهم، وحكوماتهم، ورؤسائهم، وبث الفرقة بينهم وبين جيوشهم، مستخدمة فى ذلك التكنولوجيا الحديثة، لتتطور لحروب الجيل الخامس، المعتمدة، بالأساس، على التواصل الاجتماعى «السوشيال ميديا»، تليها الوسائل التقليدية للإعلام. وتعد «الكتائب الإلكترونية»، أحد أشهر وسائل حروب الجيلين الرابع والخامس، وكما يوضح اسمها، فهى عبارة عن عدد كبير من الحسابات على السوشيال ميديا، التى يرتبط محتواها بأسماء المشاهير، والنجوم، مثل اللاعبين الرياضيين، والفنانين، أو الكيانات مثل النوادى الرياضية، أو الجماعات الدينية والعرقية، فتجذب عشرات الآلاف، وأحياناً، الملايين من المتابعين.
تتولى تلك الحسابات، بناء على خطة ممنهجة، بث مختلف الأكاذيب والشائعات، فى اتجاهات محددة، مثل التفريق الدينى أو العرقى بين أبناء الدولة، وبدورها تتولى الكتائب الإلكترونية نشرها على نطاق واسع، لإثارة الشعوب، وصولا لهدف إسقاط الدول. والحقيقة أن تلك الأساليب، صارت تُدرس، حاليا، كدورات وبرامج تدريبية، فى الكثير من مراكز الدراسات الاستراتيجية بمختلف دول العالم، للتعرف على أساليب تنفيذ خطط مهاجمة شعوب الدول، وكيفية إيجاد الشائعات والأكاذيب، ونشرها، باستغلال الظروف السياسية أو الاقتصادية، التى يعانيها معظم دول العالم، لمختلف الأسباب.
ولعل أهم وسائل التصدى لتلك الحروب، هو انتهاج الدول للشفافية فى عرض الحقائق، فى ظل عالم منفتح، من المستحيل فيه إخفاء أى معلومة أو حدث، تنقل فيه وسائل السوشيال ميديا، الأخبار المصورة لحظة وقوعها. أما أقوى وسائل التصدى للأكاذيب والشائعات، فهى التوعية، التى اخترتها عنواناً لمقال اليوم، والتى من الضرورى انتقاء أنسب وسائلها، بعدما عزفت الأجيال الجديدة، من الشباب، عن قراءة الصحف والمجلات، أو متابعة الإذاعة والتليفزيون، وصارت تعتمد اعتمادا كليا على السوشيال ميديا، التى هى المصدر الرئيسى لنشر الأكاذيب والشائعات.
فرغم محاولة استخدام الدولة للسوشيال ميديا، للرد على الأكاذيب والشائعات، فإن قدراتها لاتضاهى قوة الكتائب الإلكترونية المضادة، لذا صارت التوعية مهمة للغاية، على أن تتم فى إطار ممنهج، يضمن الوصول للغاية. ولتبدأ التوعية، مثلا، لطلاب المدارس، حتى ولو بكلمة مدتها 5 دقائق فى طابور الصباح، والاستفادة من الاحتفالات والمناسبات القومية، لعقد لقاءات فى المدارس، وفى الجامعات، التى تضم خيرة الشباب، كى لا نتركهم فريسة للسوشيال ميديا.
وإيمانا بمسئوليتنا تجاه شبابنا، فقد انتهزت فرصة الاحتفال بمرور 50 عاما على حرب أكتوبر المجيدة، وطفت بأكثر من 26 جامعة مصرية لمحاضرة طلابها عما يحيط بوطننا الغالى من تهديدات، وفاجأنى إقبال الشباب على تلك المحاضرات، والانخراط فى النقاش عما ورد بها من معلومات، وأثارتنى تعليقاتهم، بعد انتهاء المحاضرات، بأنهم لم يعرفوا تلك المعلومات من قبل. وهو ما لا ألوم الشباب عليه، إن لم تتح له فرصة الوصول لتلك المعلومات، من خلال الوسائل والأدوات المناسبة لعصره. لذلك يجب توعية الشباب والأسر من خلال مراكز الشباب والاندية، ويجب ألا ننسى دور المنابر الدينية، وقد سعدت كثيرا بمبادرة السيد وزير الأوقاف لعقد الصالون الثقافى للدعاة، فى كل محافظات مصر، لتوعيتهم بمخاطر الأمن القومى للدولة، والذى شرفت بالمشاركة فى أولى جلساته بمحافظة القاهرة.
ويجب عدم إغفال دور الجمعيات الأهلية،وقدرتها على التفاعل مع الأحداث، بتوعية أعضائها، خاصة من الشباب، وكذلك قصور الثقافة المنتشرة فى كل ربوع مصر، ويمكن الاستفادة منها كمنصة للتوعية الجذابة والمستنيرة، فى الفترة المقبلة، خاصة أن مصر تتعرض، حاليا، لحملات ضارية، تستهدف استقرارها. ويبقى الرهان على شعب مصر، القادر، دائماً، على التمييز بين الصدق والكذب، والخبر والشائعة، بعد ما خاضه من معارك وحملات ضارية، بدأت من حرب ١٩٥٦، مرورا بهزيمة ١٩٦٧، حتى تحقق النصر العظيم فى أكتوبر ١٩٧٣.
Email: sfarag.media@outlook.com
|