العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ومنذ ذلك الوقت، وعلى مدى السنوات الماضية، بقيت إيران كلها، تحت منظار جهاز الموساد الإسرائيلى.

إيران فى ورطة
 

لواء د. سمير فرج

 22 أغسطس 2024


بعد اثنين وعشرين يوما من اغتيال إسماعيل هنية، فى العاصمة الإيرانية، طهران، يوم الاحتفال بتنصيب رئيسها الجديد، مازال الموقف الإيرانى متأرجحا بين خيارين؛ فبينما صرح المرشد الإيرانى بأن بلاده سترد بقسوة على إسرائيل، نجد الرئيس الإيرانى الجديد، ومعه العديد من قادة الجيش، يرون فى الرد الإيرانى القوى على إسرائيل، ذريعة، للأخيرة، لتوجيه ضربة عسكرية ثانية، ضد إيران، قد تشمل الهجوم على جميع المواقع النووية والمفاعلات فى إيران.

تبدأ القصة عندما اتخذت إيران خطوات جادة لإنتاج القنبلة النووية، مما دفع دول الغرب لفرض حصار اقتصادى عليها، لمنعها من الانضمام للنادى النووى، الذى يضم تسع دول، هى،الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وروسيا، والصين، والهند، وباكستان، وإسرائيل، وكوريا الشمالية. ومنذ ذلك الحين، شرعت إسرائيل فى تغيير استراتيجيتها للأمن القومى، بعدما صارت إيران، بالنسبة لها، العدو الأول،والرئيسى، مما دفعها لسؤال أمريكا، مرتين فى أثناء حكم الرئيس الأسبق، باراك أوباما، للسماح لها بشن ضربة استباقية ضد إيران، تتم فيها مهاجمة جميع مواقع المفاعلات النووية، لحرمانها من الحصول على السلاح النووى، وللحفاظ على مركز إسرائيل، كالمالك الوحيد للسلاح النووى بالشرق الأوسط.

وحيث إن أمريكا لم تعطها الضوء الأخضر، فقد قامت إسرائيل، فى الفترة ما بين عام 2010 و2012 بعدد من عمليات الاغتيال والتصفية، التى طالت كبار العلماء الإيرانيين العاملين فى المجال النووي؛فاغتالت أربعة، وهم مسعود محمدى، ومجيد شهريارى، وداريوش رضائى نجاة، ومصطفى أحمد روشن، مستخدمة فى ذلك القنابل المغناطيسية ضد ثلاثة منهم، بينما أطلقت الرصاص، على الرابع، أمام منزله، وأردته قتيلا. وفى يونيو 2012، أعلنت الحكومة الإيرانية إلقاء القبض على جميع الإرهابيين،التابعين لمنظمة مجاهدى خلق،المسئولة عن تنفيذ عمليات الاغتيال، بدعم وتدريب من الموساد الإسرائيلى. وخلال ذلك الوقت، أعلن موشى يعلون وزير الدفاع الإسرائيلى، أن إسرائيل لا يمكن أن تقبل، تحت أى ظرف، امتلاك إيران السلاح النووي.

ومنذ ذلك الوقت، وعلى مدى السنوات الماضية، بقيت إيران كلها، تحت منظار جهاز الموساد الإسرائيلى، وأعوانه، لمتابعة تطور إنتاج السلاح النووى فى إيران، ومستوى تقدم تخصيب اليورانيوم فى المفاعلات النووية الإيرانية. لنتفاجأ، فى الأول من شهر أبريل، الماضى، بقيام إسرائيل بعملية، لا يمكن وصفها بأقل من كونها استفزازية، هاجمت خلالها مبنى القنصلية الإيرانية، فى دمشق، بصواريخ من طائرات مقاتلة، مما أسفر عن سقوط 11 قتيلا، معظمهم من الإيرانيين، من بينهم سبعة مستشارين عسكريين، على رأسهم محمد رضا زاهدى، أحد قادة فيلق القدس الإيراني.

فشمرت إيران عن ساعديها، للرد على إسرائيل، فى عملية عسكرية، أطلقت عليها اسم «الوعد الصادق»، علقت، شخصيا عليها، فى جميع وسائل الإعلام، بأنها لا تعدو كونها تمثيلية، نفذتها إيران لحفظ ماء الوجه، أمام شعبها، وأمام المجتمع الدولى، إذ نفذت عمليتها فى صورة هجمات جوية محدودة، استخدمت فيها طائرات مسيرة، وعددا من الصواريخ الباليستية، وصل عددها، وفقا للتقارير المعلنة لنحو 300 صاروخ باليستى، و170 طائرة مسيرة، اعترضتها إسرائيل، من خلال نظامها للدفاع الجوي. علاوة على مشاركة كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، بعناصر لاعتراض، تلك الطائرات المسيرة والصواريخ، وانتهت تلك الضربة، أو التمثيلية، الإيرانية، ضد إسرائيل، بإصابة طفلة فى صحراء النقب.

والحقيقة، أنه بتحليل أسلوب تخطيط وتنسيق وتنفيذ ذلك الرد، قد نجده سليما، من وجهة النظر الإيرانية، إذا ما أخذنا فى الاعتبار حرصها على عدم تنفيذ ضربة قوية ضد إسرائيل، ينتج عنها رد إسرائيلى بتدمير المفاعلات النووية الإيرانية، بما يمحى كل أمل، أو سعى، إيرانى لإنتاج أول خمس قنابل نووية، بحلول عام 2025، ودخول النادى الدولى النووى.

إلا أن إسرائيل لم تكتف بهجومها الاستفزازى فى شهر أبريل،وما هى إلا بضعة أشهر، حتى وجهت ضربتها الثانية، الأقوى، فى نهاية يوليو الماضى، باغتيال إسماعيل هنية، لتضع إيران فى ورطة، ما بين المغامرة بالرد القوى، رغم ما قد ينتج عنه من تدمير مفاعلاتها النووية، خاصة بعد إعلان إسرائيل، الأخير، بأنها تعتزم تنفيذ ضربة استباقية، Primitive Strike، ضد إيران، لو شعرت بأنها ستقوم بتنفيذ ضربة عسكرية، أو اختيار الصمت، وهو ما يضعها فى موقف حرج، ولا يضمن سلامة برنامجها النووي.ورغم التحذيرات الأمريكية لإسرائيل بعدم تنفيذ أى ضربات استباقية، كى لا تشتعل المنطقة، وتتحول لحرب إقليمية،ورغم ما قامت به إيران، مؤخرا، من نقل أماكن معظم مفاعلاتها النووية إلى الجبال، فإنها على يقين من أن شحنة القنابل الجديدة، التى سلمتها أمريكا لإسرائيل، قادرة على تدمير المفاعلات الإيرانية، إن طالتها.

وعلى أساسه تأخر الرد الإيرانى، الذى بررته إيران، مرة، بانتظار نتائج مباحثات وقف إطلاق النار فى غزة، التى قد يثنيها نجاحها عن الرد على إسرائيل، ومرة أخرى، بانتظار تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة، للاتفاق على تنفيذ الضربة العسكرية ضد إسرائيل. إلا أن بعض الأنباء تواترت عن لقاء بين وفد أمريكى مع مسئولين إيرانيين، عقب اغتيال هنية، وعدت أمريكا إيران فيه، بأنه فى حال عدم الرد على إسرائيل، فإن أمريكا قد ترفع بعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. وفى ظنى أن إيران ستقرر الخروج من ورطتها، بالاستفادة من ذلك العرض السخى، خاصة أنها لا ترغب فى الرد على إسرائيل، ولكنها فى حاجة لتبرير موقفها أمام شعبها.



Email: sfarag.media@outlook.com