العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

أما الشعب الفلسطينى فى غزة فإنه يريد السلام؛ حتى يتم دخول المساعدات الإنسانية، وعودة الأسر والأهالى إلى منازلهم، حتى لو كانت مهدمة، ومع البدء فى عملية إعمار غزة وإيقاف المجازر اليومية.

ماذا يريد الجميع؟.. أحداث غزة - 2
 

لواء د. سمير فرج

 24 أغسطس 2024


استعرضت فى مقال الأسبوع الماضى فى نفس المكان الجزء الأول الذى يخص موضوع الأحداث فى غزة الآن وماذا يريد الجميع؟، حيث استعرضت موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الأحداث التى تركزت فى أن الرئيس الأمريكى جو بايدن هدفه حاليا تحقيق السلام فى الشرق الأوسط بأى طريقة، وإيقاف إطلاق النار حتى يخرج من البيت الأبيض فى نهاية العام، بعد فترة أربع سنوات، ويقول للعالم كله والشعب الأمريكى بصفة خاصة إنه حقق أعظم إنجاز وهو تحقيق السلام فى الشرق الأوسط، لذلك هو يضغط حاليا على نتنياهو بكل الطرق لعدم وضع العراقيل فى المفاوضات القادمة من أجل تحقيق السلام.

كذلك قمت باستعراض موقف إسرائيل التى تنقسم حاليا إلى قسمين فى الداخل، القسم الأول رئيس الوزراء نتنياهو الذى يرفض السلام ويريد استمرار الحرب. لأنه عندما يتحقق السلام، سوف يتعرض للمساءلة عن إخفاقاته فى الحرب التى استمرت عشرة شهور، ولم يحقق فيها أى مكسب لإسرائيل، وثانيا أن هناك ثلاث قضايا فساد ينتظر فيها الحكم عليه بالسجن. أما الأطراف الثانية فى إسرائيل فهى وزير الدفاع، وباقى الوزارة التى ترى سرعة إنهاء الحرب، لعودة المختطفين الإسرائيليين لدى حماس، علاوة على أن الجيش الإسرائيلى أصبح حاليا غير قادر على الاستمرار فى هذا النوع من القتال، وهو حرب العصابات أمام حماس. وأخيرا، فإن الاقتصاد الإسرائيلى الآن أصبح يعانى بشدة بسبب هذه الحرب، وبسبب استدعاء معظم العاملين فى المصانع والشركات كجنود احتياط.

أما بالنسبة للفلسطينيين، فهناك السلطة فى رام الله التى تريد أن يتم السلام حتى يتم إجراء انتخابات جديدة فى غزة وتفرز حكومة تكنوقراط، تنضم لها، ولكنها تخاف من السلام، لأن أمريكا والغرب يريدون تغيير جميع الوجوه فى السلطة الفلسطينية فى رام الله، خاصة إذا تم الإفراج عن مروان البرغوثى وأحمد سعدات.

أما الشعب الفلسطينى فى غزة فإنه يريد السلام؛ حتى يتم دخول المساعدات الإنسانية، وعودة الأسر والأهالى إلى منازلهم، حتى لو كانت مهدمة، ومع البدء فى عملية إعمار غزة وإيقاف المجازر اليومية.

أما الطرف الرابع، فى هذه القضية فهو مصر التى أقول إنها ثانى المتضررين من هذه الحرب، وهدف مصر حاليا هو إيقاف إطلاق النار أولا لصالح الشعب الفلسطينى، وثانيا أن يسود السلام فى المنطقة، فتعود الملاحة إلى قناة السويس التى فقدت مصر منها حوالى ٥ مليارات دولار. وتعود السياحة إلى مصر، وتبدأ عملية إعادة الإعمار فى غزة، لذلك تساهم مصر بجهد كبير فى عملية الوساطة بالتعاون مع الولايات المتحدة وقطر للوصول إلى اتفاقية سلام بين إسرائيل وحماس.

أما العنصر الخامس فهو إيران، وحقيقى أن موقف إيران صعب للغاية، فهى التى تزود أذرعتها القتالية فى المنطقة، حزب الله فى لبنان، وحزب الله فى سوريا، والحشد فى العراق، وأخيرا الحوثيين فى اليمن. وإيران من داخلها ترى عدم الدخول فى أى عمليات عسكرية كبيرة ضد إسرائيل، لأن هدف إيران الاستراتيجى حاليا هو إنتاج خمس قنابل نووية فى عام ٢٠٢٥، وأن أى عمليات عسكرية حاليا ضد إسرائيل تعنى قيام إسرائيل بالرد بالضربة الثانية، وهذا يعنى أنها ستهاجم مفاعلاتها النووية، ورغم كل الدفاعات التى تحمى هذه المفاعلات ونقلها إلى داخل المناطق الجبلية فى إيران، إلا أن أمريكا زودت إسرائيل بأنواع من القنابل الجديدة التى تخترق كل التحصينات، لذلك فإن إيران ترى أن أى تدمير لهذه المفاعلات يعنى تأخر إيران فى إنتاج القنبلة النووية.

لذلك عندما قامت إسرائيل بتدمير القنصلية الإيرانية فى دمشق، ومقتل سبعة من الحرس الثورى الإيرانى، جاء الرد الإيرانى ضد إسرائيل ضعيفا للغاية، حيث أطلقت ما يقرب من ٣٥٠ صاروخا وطائرة مسيرة، لم تصب كلها غير فتاة بدوية فى صحراء النقب، لذلك فإن إيران تقوم حاليا بتدعيم أذرعها الأربعة. ولكنها تقوم على عدم تنفيذ أى عمليات قتالية رئيسية ضد إسرائيل.

أما حزب الله فإنه لم يستخدم حتى الآن سوى ١٠٪ من قدرته العسكرية، خصوصا الصواريخ والطائرات المسيرة، لذلك هو يقترب من ضرب إسرائيل من خلال ضربات صاروخية ومسيرات بطريقة متزنة، ولعل كلمة حسن نصر الله فى خطبته الأخيرة، واستخدام كلمة تركية ياواش ياواش يعنى بالراحة بالراحة. خاصة أن حزب الله فى لبنان، وكذلك الحوثيون فى اليمن، أعلن كل منهما أنه فور تحقيق السلام بين حماس وإسرائيل سيتوقف كلاهما عن مهاجمة وضرب إسرائيل.

أما العنصر الخامس فهو لبنان المسكينة التى ليس لها دور هنا أو هناك، فهى بدون رئيس جمهورية أو رئيس وزراء مدة سنتين الآن، وأصبحت لبنان تنتظر هجوم إسرائيل عليها ردا على هجمات حزب الله، وخاصة ما أعلنه قادة إسرائيل عن نيتهم ضرب لبنان، وأنها ستعود إلى العصر الحجرى، لذلك تقدمت كل الدول بنصح رعاياها بمغادرة لبنان، تحسبا لأى ضربة إسرائيلية منتظرة، أو هجوم كاسح إسرائيلى، لاحتلال لبنان.

أما روسيا فهى تقف على الحياد تدعم القضية الفلسطينية والدول العربية ولكنها لا تريد أن تعادى إسرائيل، لأنها تحافظ على مكتسباتها، من عودتها إلى المياه الدافئة فى البحر المتوسط، حيث لها الآن قاعدة بحرية وقاعدة جوية فى سوريا، ولا تريد أن تفقد هذه الميزة الرائعة التى تحققت خلال السنوات الماضية.

أما العنصر السادس فهو تركيا التى كشرت عن أنيابها ضد إسرائيل بالتصريحات والكلمات فقط، وتحاول من خلال ذلك أن يكون لها دور فى الوساطة لاستعادة هيبتها ومكانها فى المنطقة.

أما الأمم المتحدة ومنظماتها فهى تقف عاجزة أمام كل ما يحدث فى غزة. حتى قرارات وقف إطلاق النار، فقد وقفت عاجزة عن تنفيذها، وحتى قرارات محكمة العدل الدولية أصبحت حبرا على ورق، ولم نعد نرى الأمين العام للأمم المتحدة جوتيريش إلا وهو يعلن أسفه، وندمه على ما يحدث لأهالى غزة، وباقى المنظمات لم يستطع أن يفعل لها شيئا. لذلك أعتقد أن حرب غزة جاءت لتعلن وفاة إكلينيكية للأمم المتحدة عالميا.

ونعود للدول الأوروبية التى تنادى بضرورة تحقيق السلام ولكنها لا تستطيع أن تتخذ موقفا حازما أمام نتنياهو، وتجبره على تنفيذ بعض التنازلات للوصول إلى السلام، كما لم تستطع أن تقدم حتى أى مساعدة إنسانية لأهالى غزة إلا بالتعاطف والكلمات، بل إن فرنسا وبريطانيا اشتركتا مع التحالف للتصدى للصواريخ التى تهاجم إسرائيل، سواء من إيران أو حزب الله فى لبنان أو الحوثيين فى اليمن.

أما الصين، القوة العظمى الثالثة فى العالم، فقد التزمت أيضا بالتدخل بالصمت الإيجابى، واقتصر دورها على الشجب والتنديد لأعمال إسرائيل فى غزة، والتى كنا ننتظر أن يكون لها دور أكبر ومؤثر فى تلك الأحداث من أجل مساعدة الشعب الفلسطينى والقضية الفلسطينية غير الشعارات الرنانة، وذلك بالضغط على نتنياهو ليتقبل وقف إطلاق النار.

وبعد ذلك تجىء شعوب العالم وموقفها المعارض للمجازر الإسرائيلية فى غزة، ولكن للأسف لم نر من هذه الشعوب غير بعض المظاهرات فى العواصم الأوروبية والجامعات، لكننا لم نر تدخلا من هذه الشعوب يجبر حكوماتها على أن تفعل شيئا من أجل الشعب الفلسطينى. واسترداد حقوقه، أو على الأقل إيقاف المجازر التى تتم حتى يومنا هذا ضد أبناء غزة الشجعان.

فى النهاية موقف حماس وعودة السنوار ليكون رئيسا بعد اغتيال إسماعيل هنية، وأعتقد أن السنوار بطبيعته سيكون شديد المراس فى مفاوضات السلام، ولكن سيكون هدفه تحقيق وقف إطلاق النار لأننى أعتقد أنه حقق هدفه خلال عشرة شهور من القتال، بأن أعاد القضية الفلسطينية مرة أخرى إلى السطح لكل دول العالم، رغم ما خسره الشعب الفلسطينى من قتلى وجرحى وتدمير ٨٠٪ من مبانى غزة.

وهنا نتمنى أن يحل السلام وأن يعود الأمن لغزة كما كانت من قبل.



Email: sfarag.media@outlook.com