العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

أفادت الأخبار المتداولة بأن الخطة تم الإعداد لها بواسطة مجموعة من ضباط المخابرات الأوكرانية، وتم التخطيط لها بدقة كبيرة، وسرية عالية.

نوردستريم يفضح أوكرانيا أمام العالم
 

لواء د. سمير فرج

 29 أغسطس 2024


علمنا التاريخ بأن حقائقه، ووقائعه، تظهر، ولو بعد حين، مهما حاول البعض إخفاءها، خاصة فى عصرنا الحديث، الذى تسوده وسائل التكنولوجيا، ومختلف منصات التواصل الاجتماعى، التى تنقل الأخبار لحظة وقوعها، فضلا عما نكتشفه من مذكرات العديد من رجال السياسة، والمشاهير، التى صارت أحد أهم وسائل معرفة الحقائق، التى كانت مختفية لبعض الوقت.

ولعلنا نتذكر واقعة اغتيال أمريكا قاسم سليمانى، قائد فيلق القدس، فى يناير 2020، الذى تعده إيران بطلا شعبيا، والعقل المُدبر لأنشطتها فى الشرق الأوسط، تلك الواقعة التى أعلن البنتاجون مسئوليته عن تنفيذها بنجاح، بتوجيه، عندئذ، من الرئيس دونالد ترامب. نفذت الولايات المتحدة العملية، عند وصول قاسم سليمانى إلى مطار بغداد، وفى أثناء خروجه فى قافلة مكونة من سيارتين، بصحبة آخرين، بينهم نائب رئيس هيئة الحشد الشعبى فى العراق، المُلقب باسم أبو المهدى المهندس، الذى تم اغتياله مع سليمانى فى هذه العملية. أثارت تلك العملية غضب الشعب الإيرانى، الذى طالب بالقصاص لبطلهم قاسم سليمانى، وفى اليوم التالى، أعلنت إيران أنها قصفت القاعدة العسكرية الأمريكية بالعراق، عين الأسد، انتقاما لمقتل قاسم سليمانى.

إلا أنه فى العام الحالى، وفى أثناء إحدى الجولات الانتخابية للرئيس الأمريكى السابق، دونالد ترامب، فوجئ العالم بإعلانه أن هجوم إيران، على قاعدة عين الأسد، تم بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، بعدما أجرت إيران اتصالات هاتفية مع الإدارة الأمريكية، يوم مقتل قاسم سليمانى، للإبلاغ عن عزمها قصف قاعدة عين الأسد،وذلك حتى تأخذ أمريكا حذرها، ولا تقوم بأى رد فعل، مع تأكيد قصر العملية على استهداف أسوار القاعدة، فقط، والتعهد بعدم المساس بأى جندى أمريكى. وهو ما تم بالفعل، وقُصفت أسوار القاعدة العسكرية، وظهرت الإدارة الإيرانية، أمام شعبها، فى الصورة المنشودة.

وفى الأيام الحالية، دفعتنا الأخبار لاسترجاع تفاصيل وقائع تفجير خطوط نورد ستريم 1 و2، تلك الخطوط المسئولة عن نقل الغاز الطبيعى من روسيا إلى ألمانيا، وكل دول أوروبا، عبر بحر البلطيق، والبالغ أطوالها نحو 1.222 كم، كأطول خطوط أنابيب، تحت البحر، فى العالم، وتعد المصدر الرئيسى لإمدادات الغاز الطبيعى لدول أوروبا، بالكامل،التى تعتمد عليه لتدبير ما يزيد على 50% من احتياجاتها عبر تلك الخطوط. ولعل ذلك يفسر كبر حجم المأساة التى ألمت بالدول الأوروبية، جراء تفجير تلك الخطوط، فى سبتمبر 2022، خاصة أن توقيت تفجيرها تزامن مع بدء فصل الشتاء، القارس، على أوروبا، التى لم يترك أمامها خيار، أو بدائل، سوى استيراد الغاز المسال، وما يتطلبه ذلك من استثمارات ضخمة، وعاجلة، لإنشاء محطات لتحويله إلى غاز طبيعى.

وأمام أهمية خطوط نورد ستريم التى تتجاوز كونها مجرد أنبوب، أو أنابيب، لنقل الغاز، وإنما منظومة متكاملة لسد احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعى الروسى، دون الحاجة للمرور عبر دول أخرى، فقد اتجهت كل أصابع الاتهام، حينئذ، إلى روسيا، متهمة إياها بمحاولة إخضاع أوروبا، وهو ما رفضته روسيا، ونفته نفيا قاطعا، باعتبارها أحد الخاسرين، لما يمثله تفجير تلك الخطوط من خسارتها لإيرادات ودخل من العملات الصعبة، حتى إن الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، وصف تلك الانفجارات بأنها عمل غير مسبوق من أعمال الإرهاب الدولى، متهما، بدوره، الدول الأوروبية بذلك التدمير، بهدف إضعاف الاقتصاد الروسى.

وفجأة، خرجت «علينا صحيفة وول ستريت جورنال»، فى أغسطس الحالى، بعدد من الأخبار، التى تفيد بأن يختا بحريا صغيرا، انطلق من شواطئ أوروبا، حاملا على متنه، ستة أفراد، بينهم غواصون مدنيون، وامرأة لأغراض التضليل، مستهدفين تدمير شريان الغاز الرئيسى لأوروبا، ووصلوا إلى مكان الخطوط، وتم التفجير، الذى كلف دول أوروبا مليارات الدولارات، نتيجة توقف الغاز الروسى. وأفادت الصحيفة أن التحقيقات التى أجرتها ألمانيا، على مدى عامين، بواسطة أجهزتها الاستخباراتية، لكشف المنفذين، أثبتت ضلوع عناصر أوكرانية فى التفجير، وتوافقت أقوال الأشخاص المشاركين فى العملية، مع تلك النتيجة.

أفادت الأخبار المتداولة بأن الخطة تم الإعداد لها بواسطة مجموعة من ضباط المخابرات الأوكرانية، وتم التخطيط لها بدقة كبيرة، وسرية عالية، حتى لا يتم اكتشافها بمعرفة الجانب الروسى، أو الاستخبارات الهولندية، وتم تخصيص ميزانية لتنفيذها تقدر بنحو 300 ألف دولار أمريكى. وأن الرئيس الأوكرانى، فولوديميرزيلينسكى، قد أحيط علما بالعملية، منذ بدايتها، ووافق على الخطة الموضوعة لها، قبل أن يحاول التراجع عنها عند تنفيذها، خوفا من اكتشافها، خاصة أن أمريكا تراقب جميع الأوضاع فى المنطقة بدقة، إلا أن مجموعة التنفيذ كانت قد انطلقت، ولم يكن بينها وبين الجهات الأوكرانية أى اتصالات، للحفاظ على سرية العملية، وعدم تعريضها للاكتشاف.

وعلى أثر التحقيقات، أصدر القضاء الألمانى، فى بداية الشهر، مذكرة توقيف بحق غواص أوكرانى محترف، بتهمة اشتراكه فى تنفيذ تلك العملية، مع آخرين، ورغم نفى كييف ضلوع أى من عناصرها فى تلك العملية، فإن التحقيقات الألمانية، المؤكدة بشهادة شهود حقيقيين، وضعت أوكرانيا فى موقف حرج، أمام العالم، وأمام الدول الأوروبية التى كانت تعتمد على الغاز الروسى بصفة خاصة. ومما لا شك فيه، أن تلك الحقائق، التى انكشفت بعد عامين من الحدث، ستكون أحد أهم أوراق الضغط التى ستستخدمها روسيا، حال رغبتها فى الوصول إلى اتفاقية سلام مع أوكرانيا، لإضعاف الجانب الاوكرانى فى أى مفاوضات أو اتفاقيات محتملة.



Email: sfarag.media@outlook.com