العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
ومن هنا أصبح الفكر الجديد فى الحروب أن إسقاط الدولة ليس ضروريًّا بالمدفع والدبابة والطائرة، بل بهزيمة الشعب.
|
حروب الجيلين الرابع والخامس - 2
لواء د. سمير فرج
|
23 نوفمبر 2023
|
عرضت فى مقال الأسبوع الماضى عن حروب الجيلين الرابع والخامس أنواع الحروب التى تم تصنيفها على أساس أن حرب الجيل الأول كانت الحروب التى بدأت فى مصر فى عصر الفراعنة، ومازالت رسوماتها على الجدران والمعابر الفرعونية فى الحضارة المصرية القديمة، والتى كان أساسها السيف والدرع والعجلات الحربية، وهذا فخر العسكرية المصرية. أول جيش نظامى عرفته البشرية هو الجيش المصرى.
أما حروب الجيل الثانى فهى التى جاءت بعد اختراع الصينيين البارود للاستخدام فى الاحتفالات الصينية، حيث تم تطويره للاستخدام العسكرى فى البندقيات والمدافع، والذى تم فى حروب نابليون.
أما حرب الجيل الثالث فلقد جاءت مع الحرب العالمية الأولى، حيث استخدام أول دبابة، ثم استخدام الطائرات المقاتلة، والصواريخ، والغواصات، والمدمرات. وبعدها جاءت الحرب بالوكالة، التى استخدمتها أمريكا بعد خسارتها فى حرب فيتنام، حيث قررت بعد خروجها من مستنقع حرب فيتنام أن مجلس الأمن القومى الأمريكى قرر عدم الدخول فى أى حرب بجنود أمريكيين بعد أن فقدت أمريكا فى حرب فيتنام ٥٩ ألف مقاتل أمريكى. وأُطلق على الحرب الجديدة الحرب بالوكالة، ويتم فيها تنفيذ حروب فى أفغانستان، حيث نجح قادة طالبان فى السيطرة على الحكم. ظهر شاه، ملك أفغانستان واستولى على الحكم، والآن طالبان التى كانت فى البداية شيوعية إرهابية، فلقد استدعت السوفييت وقادتها العسكريين إلى أفغانستان، الأمر الذى أغضب أمريكا والغرب لوجودهم بالقرب من سواحل النفط والخليج العربى، فتقرر محاربة طالبان فى أفغانستان باستخدام أسلوب الحرب بالوكالة عن طريق دعم المجاهدين الأفغانيين بالسلاح والمال عن طريق بن لادن، وبعد طرد السوفييت قام بن لادن بإنشاء تنظيم القاعدة، ومن بطنه جاء أبو مصعب الزرقاوى ليكوّن تنظيم داعش الإرهابى فى الشرق الأوسط فى العراق.
بعدها ظهرت فكرة حروب الجيلين الرابع والخامس، كما عرفتها كلية الدفاع فى بروكسل، والتى تقول فى مقدمة محاضرة الجيلين الرابع والخامس:
«عندما نشبت حرب الخامس من يونيو ١٩٦٧ بين مصر وإسرائيل (حرب الأيام الستة) حققت إسرائيل نصرًا كبيرًا على الجيش المصرى، وتم تدمير حوالى ٨٠٪ من أسلحة وعتاد الجيش المصرى. ولكن هل بعد هزيمة الجيش سقطت الدولة المصرية؟. كانت الإجابة لا لأن الشعب المصرى خرج وأعاد الرئيس المصرى
عبدالناصر إلى الحكم، بعد أن قدم استقالته، كما دعم الشعب المصرى الجيش وسانده.
ومن هنا أصبح الفكر الجديد فى الحروب أن إسقاط الدولة ليس ضروريًّا بالمدفع والدبابة والطائرة، بل بهزيمة الشعب من خلال التأثير على فكره بهذه الحرب الجديدة ليفقد الثقة فى حكومته وإدارته وجيشه.
هذه هى حروب الجيل الرابع، وعندما تُستخدم التكنولوجيا الحديثة لتنفيذ خطة هزيمة الشعب تصبح حروب الجيل الخامس».
ومن هنا، أصبح أسلوب إسقاط الدولة عن طريق إسقاط الشعب، وكان من أهم هذه الأساليب التى تستخدم الكتائب الإلكترونية التى أصبحت الآن القوة الضاربة لقوة الحروب، حيث يخصص فرد واحد، ويقوم بعمل ١٠٠ أكاونت أو حساب رقمى، يجمع فيها كل صفحات الشعب، وخاصة الشباب، وهناك مَن ينشئ حسابًا بأسماء معروفة كالنادى الأهلى أو نادى الزمالك أو محمد صلاح، وفى هذا الحساب يضع كل ما يخص محمد صلاح وأهدافه. وهناك حساب أيضًا يجذب فيه السيدات، وحساب لأكلة هنية والوصفات الغذائية مثلًا، وهناك حساب باسم فنان- أو فنانة- وصور أفلامه وحياته الشخصية، ثم هناك صفحات دينية تعرض المفاهيم الدينية، وهناك حسابات للموضة والملابس والرياضة للشباب، وغيرها من الحسابات التى تخاطب رغبات كافة أطياف الشعب، خصوصًا الشباب، ومن هذا الحساب يضع من خلاله عرض الأنشطة حسب كل صفحة، ومن خلال هذه الحسابات يتم زج العديد من الشائعات أو الأخبار الكاذبة، ويظهر أنها تخاطب الشعب من الشباب إلى الكبار إلى ربة المنزل.. إلخ.
الكل يجرى وراء الحساب الذى يحبه، وفى بعض الحسابات، يضع المسيطر من الكتائب الإلكترونية الأخبار المغلوطة والشائعات التى تسبب البلبلة للشعب لكى تجعله يكره النظام فى الدولة، وقد يهاجم بعض مفاصل الدولة، مثل القضاء أو الشرطة أو المنابر الدينية المسيحية والإسلامية، ثم الأعراق المختلفة داخل الدولة مثل أهالى النوبة ومشكلتهم، ولعل أبسط مثال على ذلك خلق شائعات مثل زيادة مدة التجنيد للمؤهلات العليا إلى آخر كل هذه الأخبار التى تخلق حالة غضب من جانب الشعب على هذه المؤسسات، وبالتالى بين الشعب والدولة من خلال مؤسساتها.
ومن أساليب حروب الجيلين الرابع والخامس ما يُعرف بأسلوب جماعة الإخوان المسلمين فى مصر حاليًا، حيث يتم التنبيه على جميع أعضاء الجماعة فى المناصب الحكومية فى الدولة بتعطيل مصالح الجمهور. على سبيل المثال، عندما يصل المواطن إلى مكتب لطلب ورقة إدارية من المكتب يكون رد الموظف: «السيستم عطلان»، ويقول له: «تعالى بكرة»، أو الموظف المسؤول لم يأتِ، والإجابة الشهيرة «أصل فلان معاه الختم مش موجود، وتعالى بكرة».. وهكذا. ويتردد المواطن عدة مرات لاستخراج شهادة أو وثيقة، وبعدها يشكو أنه ليس هناك دولة ولا كيان، ومن هنا يفقد المواطن ثقته فى الحكومة والدولة. ويأتى بعد ذلك نشر المخدرات، وخاصة بين الشبان، ونذكر جميعًا عندما كان وفد الولايات المتحدة يناقش عناصر طالبان فى الدوحة لتنظيم عملية انسحاب من أفغانستان حين طلبت أمريكا من طالبان عدم زراعة الحشيش والأفيون، وعلى أمريكا تعويض حكومة طالبان عن أرباحها من هذه المخدرات، ووافقت طالبان أيامها على عدم زراعة المخدرات. وبعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، وتولى طالبان السلطة كاملة، بدأت تزرع المخدرات مرة أخرى، وعند سؤالهم لماذا؟، كانت الإجابة أن المخدرات هى أكبر سلاح لتدمير الشباب الأمريكى فى الولايات المتحدة، الذى هو عدو أفغانستان الأول، لذلك تُعتبر المخدرات هى إحدى وسائل حروب الجيلين الرابع والخامس التى تدمر المجتمع، وخصوصًا الشباب.
ويأتى السؤال هنا: كيف نتصدى لحروب الجيلين الرابع والخامس؟. وتكون الإجابة كلمة واحدة التوعية، التوعية، التوعية أولًا لكى يفهم الشعب أن الشائعات والأفكار والأخبار الكاذبة هى وسيلة لهدم المجتمع، وأنه على المواطن عندما يرى شائعة يجب أن يتأكد قبل إرسالها من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، أو حتى ترديدها، وأن التوعية تتم من خلال عدة وسائل، أهمها الإعلام، سواء كان المرئى كالتليفزيون أو المسموع كالإذاعة أو المكتوب، وهو الصحف والمجلات. وأخيرًا، الإعلام الإلكترونى عن طريق إنشاء صفحات تنشر الحقيقة وتنفى الأكاذيب والشائعات، على أن يتم ذلك من خلال خطة منهجية ترد على جميع الشائعات والأخبار الكاذبة، ويتم فيها استغلال جميع وسائل التواصل المختلفة.
كذلك فإن التوعية يجب أن تتم من خلال المدارس والجامعات عن طريق اللقاءات والمؤتمرات، كذلك منابر الدين، فى كل جامع وكنيسة، وأيضًا مراكز الشباب وقصور الثقافة من خلال تنظيم مناقشات وجلسات ومحاضرات توعية بهدف توضيح الحقائق ونشر فكر وأساليب وعناصر حروب الجيلين الرابع والخامس عمومًا، وسوف تظل هذه الحروب هى أسلوب تدمير الدول من الخارج فى الفترة القادمة دون استخدام المدافع والدبابات، ولكن مهاجمة عقل وفكر المواطن.
Email: sfarag.media@outlook.com
|