العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
وتبقى الإجابة عن شكل العلاقات مع روسيا، ومصير القواعد الروسية، فى ضوء أوامر الجولانى بعدم الاقتراب من القوات أو القواعد الروسية هناك.
|
سوريا الجريحة.. إلى أين؟ رؤية تحليلية
لواء د. سمير فرج
|
12 ديسمبر 2024
|
وكأن القدر يأبى أن ينعم الوطن العربى بالسلام، بل ويضيف إليه المزيد من الأوجاع والجراح، فبعد عام من بدء القتال بين حماس وإسرائيل، يوم السابع من أكتوبر من العام الماضى، والمستمر حتى يومنا هذا، إذا بإسرائيل تفتح جبهة قتال، عربية، جديدة، وتوجه ضرباتها لجنوب لبنان، ضد قوات حزب الله، وتمد قتالها لتدمير البنية الأساسية فى لبنان، قبل أن توقع معها معاهدة هشة لإيقاف إطلاق النار. وبعد أيام قليلة، من بداية تنفيذها، إذا بالمعارضة السورية تفاجئنا بالهجوم على مدينة حلب، لتتساقط بعدها المدن السورية واحدة تلو الأخرى، مثل قطع الدومينو، حتى سقطت دمشق فجر يوم الأحد الثامن من ديسمبر، عندما سيطرت عليها فصائل المعارضة، بينما غادر بشار الأسد على طائرة، علمنا لاحقاً، أنها أقلته وعائلته، إلى روسيا، التى منحته حق اللجوء السياسى إليها. وهكذا، انتهى حكم أسرة الأسد، بعد خمسة عقود من حكم سوريا. وهنا ظهرت عدة أسئلة عمن سيحكم سوريا فى الفترة الانتقالية القادمة؟ ومن هم أعضاء اللجنة التى ستُكلف بوضع دستور جديد للدولة السورية؟ وما هو موقف السلطة الجديدة فى سوريا من الأكراد؟ وموقفهم من وجود القوات الأمريكية داخل الأراضى السورية، ومثلهم القوات الروسية الموجودة بها، وأهمها القاعدة الجوية والبحرية؟ وما موقفهم من قوات حزب الله الموجودة، أيضاً، داخل سوريا؟
وسرعان ما جاءنا الرد على حكم سوريا، بظهور محمد الجولانى، أو أحمد الشرع، فى شوارع سوريا، متجها إلى الجامع الأموى، حيث ألقى خطبته، وقد ظهر فى مظهر جديد، أو «نيو لوك»، هذب فيه لحيته، ونزع غطاء الرأس، رمز المقاومة الإسلامية، وارتدى ملابس القتال على شاكلة الرئيس الأوكرانى زيلينسكى، فى محاولة لتغيير صورته، بارتداء قناع السياسة، فى شكله الغربى. فماذا لو أصبح الجولانى هو الرئيس القادم لسوريا؟ وكيف ستتعامل معه الحكومة الأمريكية ودول الغرب؟ هذا الرجل الذى ترك دراسته فى طب الأسنان، وزامل أبو بكر البغدادى، مؤسس تنظيم داعش الإرهابى، الذى خرج من رحمه تنظيم جبهة النصرة، الذى أسسه الجولانى، وصنفته الولايات المتحدة «بالإرهابى الخطير»، ورصدت عشرة ملايين دولار لمن يُدلى بمعلومات عنه. ولترسيخ صورته الجديدة، وإقناع الخارج بها، أسس الجولانى هيئة تحرير الشام، بدلاً لجبهة النصرة. أما على الصعيد الداخلى، فبعدما كلف رئيس الوزراء السورى، فى عهد بشار الأسد، وأعضاء حكومته، بالاستمرار فى إدارة دولاب العمل فى سوريا، وهو ما كان من شأنه ضمان الاستقرار النسبى، فى الأوضاع، إذا به يتراجع عن ذلك بتكليف محمد البشير، الذى كان معه من قبل فى إدلب، رئيسا للوزراء، فى الفترة الانتقالية، لحين إجراء الانتخابات.
إلا أن الجميع تساءل عن الأسلوب الذى سيتبعه محمد الجولانى مع الجيش السورى، وإن ما كان سيتبع نفس النهج الإيرانى فى إنشاء الحرس الثورى السورى، اعتماداً على الفصائل التى أوصلته إلى دمشق، بما يضمن له الولاء الكامل، حينئذ، على عكس الجيوش التى تدين بالولاء لدولها، أولاً وأخيراً. أما فيما يخص إعداد دستور جديد لسوريا، فالقلق مستمر من تدخل جماعة الإخوان، بصفة عامة، للتأثير على صياغة الدستور، وصبغه بصفة دينية متشددة، لتتحول سوريا فى المستقبل إلى إيران، أخرى كالتى بدأها الخومينى، عندما عاد من فرنسا بعد طرد شاه إيران. وكعادتها، استغلت إسرائيل انهيار الجيش السورى، لتتغول على السيادة السورية، وتقتحم الجولان، وتستولى على جبل الشيخ، أهم المناطق الحيوية العازلة، لتسيطر بالكامل على الجولان، والتى كانت قد ضمتها من قبل، بقرار من الكنيست، حظى باعتماد الرئيس الأمريكى ترامب، خلال فترة ولايته السابقة. وبما يتيحه الاستيلاء على جبل الشيخ، من الاقتراب من دمشق، فلا شك أن إسرائيل ترى فى ذلك أحد أكبر مكاسبها منذ السابع من أكتوبر فى العام الماضى. ولم تكتف إسرائيل بذلك، بالطبع، بل توغلت لنحو 25 كيلومترا جنوب العاصمة دمشق، وأعلنت خروجها من اتفاق فض الاشتباك مع سوريا عام 1974، وفى نفس الوقت شنت قواتها الجوية أعنف غارات فى تاريخها، وصلت إلى 500 غارة جوية، منذ سقوط الأسد، قامت فيها بتدمير القوات الجوية السورية فى كل المطارات وقضت على وسائل الدفاع الجوى، والرادارات، ليخرج علينا رئيس الوزراء الإسرائيلى بعدها مصرحاً بأن بلاده ستغير وجه الشرق الأوسط بشكل جذرى.
أما عن شكل العلاقات مع الولايات المتحدة، فتواردت بعض الأنباء عن احتمالات رفع أمريكا أسم الجولانى من قوائم الإرهاب، لشرعنة التعامل معه، فى ظل وجود قواتها فى سوريا، خاصة قاعدة التنف العسكرية. ثم تجيء مشكلة الأكراد أو «قوات قسد» التى تدعمها الولايات المتحدة، وإن كان سيُسمح لها بالدخول لسوريا، أم ستعطى الضوء الأخضر للانفصال، والاتحاد مع أكراد العراق، وتكوين دولة كردستان، وهو ما ترفضه تركيا، وعلى أساسه سيتحدد شكل علاقتها مع سوريا، لتصبح تركيا، فى الفترة القادمة، الحليف الجديد لسوريا، ولكن يبقى السؤال عن قبول الجولانى لذلك.
وتبقى الإجابة عن شكل العلاقات مع روسيا، ومصير القواعد الروسية، فى ضوء أوامر الجولانى بعدم الاقتراب من القوات أو القواعد الروسية هناك. سيظل كل ما سبق ألغاماً حية فى طريق محمد الجولانى، وسط ترقب العالم لآليات تعامله معها فى الأيام القادمة.
Email: sfarag.media@outlook.com
|