العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
وخلال العامين الأولين من الحرب، نجح بوتين فى الاستيلاء على 20? من الأراضى الأوكرانية.
|
الحرب الروسية الأوكرانية وعامها الثالث - 1
لواء د. سمير فرج
|
14 ديسمبر 2024
|
أسابيع قليلة، وتدخل الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث، والتى بدأت يوم ٢٤ فبراير ٢٠٢٢.. وإن كنت أقول إنها بدأت منذ عام ٢٠١٤، عندما قامت روسيا بغزو شبه جزيرة القرم والاستيلاء عليها، وقامت بضمها إلى روسيا الاتحادية؛ على أساس أنها كانت فى الأصل تابعة لروسيا فى عهد الاتحاد السوفيتى، وإلى أن قام الزعيم الروسى خوروشوف بإعادة تخصيصها لتصبح تابعة لأوكرانيا.. ومن هذا المنطلق قام بوتين بالهجوم والاستيلاء عليها.. لذلك يمكن أن نقول إنه فور استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم، قامت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، حتى جاء عام ٢٠٢٢، عندما أعلنت أوكرانيا أنها سوف تنضم إلى حلف الناتو.. وهنا قرر بوتين مهاجمة أوكرانيا على الفور لمنعها من الانضمام إلى حلف الناتو.
وخلال العامين الأولين من الحرب، نجح بوتين فى الاستيلاء على ٢٠٪ من الأراضى الأوكرانية، وقام بضم المقاطعات الأربع: (لوهانسيك، دونيتسك، زابورجيا، وخرسون)، بعد أن أجرى استفتاء بين الأهالى، وبناء على ذلك أصبحت هذه المقاطعات الأربع جزءًا من روسيا الاتحادية، وحمل أهالى هذه المقاطعات بطاقات شخصية جديدة وجوازات سفر لأنهم من مواطنى روسيا الاتحادية.
ولى دائمًا جملتى المشهورة: «نحن نعيش فى عالم الأوانى المستطرقة»، فقد أثرت هذه الحرب تأثيرًا مباشرًا على اقتصاد معظم دول العالم، خاصة فى مجال القمح، ونعنى به الخبز، ثم الذرة التى هى علف الحيوانات والطيور، ثم الزيت، وكذلك بالطبع الغاز الطبيعى، أحد مكونات الطاقة الرئيسية فى العصر الحديث، وخاصة فى أوروبا، حيث ارتفعت أسعار هذه المنتجات فى العالم كله. وبالتالى، كان أكثر مَن تضرروا هم دول العالم الثالث، وأعتقد أن مصر فى هذه الحرب كانت أكثر هذه الدول، حيث إننا نستورد ١٠ مليارات طن قمح من روسيا وأوكرانيا سنويًّا، علاوة على حبوب الذرة والزيت.
ومن خلال انشغال العالم بما يجرى فى الشرق الأوسط، وبالذات غزة، نجحت أوكرانيا فى اختراق مساحة ٤٥ كم داخل الأراضى الروسية فى مقاطعة كورسك، بل تهديد المحطة النووية الروسية هناك، والتى تبعد عن موسكو حوالى ٣٥٠ كم.
وبالطبع هناك مقولة شهيرة: «إنه عندما يجلس طرفان على طاولة المفاوضات، فإن قوة كل طرف تنبع من قواته ومكانته فى الاستيلاء على أراضى الطرف الآخر».. لذلك، قبل استيلاء أوكرانيا على الأراضى الروسية، كان موقفها ضعيفًا فى أى مباحثات سلام مقبلة بين الطرفين، لكن استيلاء أوكرانيا على المنطقة الروسية فى كورسيك كان هو الأمر الذى جعل أوكرانيا فى موقف أفضل إلى حد ما عند الجلوس على طاولة المفاوضات القادمة، وعمومًا نحن ندخل فى العام الثالث ويجىء هذا التوقيت مع دخول الرئيس الأمريكى ترامب إلى البيت الأبيض يوم ٢٠ يناير القادم، ولدى الجميع كل الأمل أن تنتهى هذه الحرب، حيث إن الرئيس ترامب خلال حملته الانتخابية أعلن عدة مرات أنه لو كان موجودًا فى البيت الأبيض لما حدثت هذه الحرب، التى أثرت على العالم كله، بل أضاف أنه فور توليه كرسى الحكم يوم ٢٠ يناير، سوف يعمل على إيقاف هذه الحرب فورًا، كما أنه أعلن مرارًا أن زلينسكى تاجر ماهر يحضر كل شهر إلى الولايات المتحدة، ويأخذ المليارات من أموال دافعى الضرائب ويعود بها إلى أوكرانيا، علاوة على الأسلحة التى يتلقاها من باقى دول أوروبا، ومن هنا يتوقع الجميع أن تنتهى هذه الحرب بوصول ترامب إلى البيت الأبيض يوم ٢٠ يناير المقبل.
وفجأة حدث ما لم يكن فى الحسبان، حيث أعلن جو بايدن أنه أعطى الضوء الأخضر لأوكرانيا بضرب العمق الروسى بصواريخ أمريكية، رغم أنه ذلك الرئيس الأمريكى، الذى عندما كان يرسل أسلحة إلى أوكرانيا منذ بدء الحرب كانت أوامره واضحة إلى أوكرانيا بألا تستخدم هذه الأسلحة لضرب العمق الروسى، وكانت إشارة واضحة عندما أرسل نظام الصواريخ هيمارس عيار ٢٢٧ ملليمترًا، وبمدى ٨٠ كيلو، ويعمل بنظام الـGPS الموجه، وبعد قرار الرئيس الأمريكى بالسماح لأوكرانيا بإمكانية استخدام السلاح الأمريكى لمهاجمة العمق الروسى، تكهرب الجو فى موسكو، حيث إن الرئيس بوتين قال إن ذلك القرار سوف يؤدى إلى تغيير جوهر الصراع، حيث يعنى أن دول الناتو والولايات المتحدة تقاتل ضد روسيا، وجاء بعدها إعلان الكرملين أن بايدن يصب الزيت على النار لأنه سمح لكييف بإطلاق صواريخ بعيدة المدى على روسيا، أما الدوما، وهو البرلمان الروسى، فقد أعلن صراحة أن ضرب بلاده بصواريخ أمريكية قد يشعل مواجهة عالمية، وبعدها وقّع الرئيس الروسى بوتين مرسومًا يوسع إمكانية لجوء روسيا إلى السلاح النووى فى ١٩ نوفمبر الماضى.
وهنا لنا وقفة، حيث إنه يجب أن نوضح أن الفكر العلمى العسكرى يقسم الحروب إلى نوعين: حرب نووية، nuclear warfare وحرب تقليدية conventional warfare، وكانت الحرب الروسية الأوكرانية فى العامين الماضيين هى حرب تقليدية بين الجيشين الروسى والأوكرانى، يستخدم فيها كل طرف الدبابة والمدفع والطائرة، حتى المدمرات والغواصات لأنها حرب تقليدية بين الجانبين. أما أن تتحول الحرب من تقليدية إلى نووية، فإن ذلك يعنى استخدام الأسلحة النووية بنوعيتها الاستراتيجية، وهى التى تقذف الدولة بأكملها، مع العلم بأن السلاح النووى مع روسيا يكفى لتدمير العالم كله، كذلك حجم السلاح النووى فى أمريكا يمكن أن يحقق نفس الهدف، وهناك سلاح نووى تكتيكى، وهى قنابل نووية من ٥ إلى ١٠ كيلو، مثل القنبلة التى أُلقيت على نجازاكى فى اليابان خلال الحرب العالمية الثانية. ومن هنا بدأ العالم يفكر هل من الممكن أن تتحول الحرب الروسية الأوكرانية إلى حرب نووية، بدلًا من الحرب التقليدية؟، وما الأسس التى تُتبع فى مثل هذه الحرب، والتى يطلق عليها قواعد الاشتباك فى الحرب النووية؟، وما الدور المنتظر الذى يمكن أن يلعبه ترامب عند وصوله إلى البيت الأبيض يوم ٢٠ يناير القادم؟. كل هذه الأسئلة ستتم الإجابة عنها فى نفس المكان فى مقالى الأسبوع القادم.
Email: sfarag.media@outlook.com
|